في الآونة الأخيرة كثر الحديث عن تفسّخ أو بحسب رأي البعض تفكك، علاقات إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن مع بعض الدول الخليجية، أكثر من أي وقت مضى.
اعتقاد تعزّز بعد مقابلة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مع مجلة أتلانتيك الأميركية، قبل أسبوعين، وما حملته من إشارات غير مسبوقة في هذا الخصوص. وازدادت القناعة بعد ما تردد قبل أيام عن تعذر اتصال البيت الأبيض بالقيادتين السعودية والإماراتية. تطور استغربه المراقبون لأنه كان خارج التصور، بحكم خصوصية وتاريخ هذه العلاقات.
في الوقت ذاته، كان يجري تفسير بعض المواقف الخليجية النفطية وتنسيقها مع موسكو والزيارات إليها، على أنها مؤشرات متزايدة لتقارب معها بقدر ابتعادها عن واشنطن "المنسحبة" من المنطقة و"المتجاهلة" لمصالحها.
وجاءت حرب أوكرانيا لتعمل على تظهير وتسريع التحوّل في خريطة هذه التحالفات، والذي كانت زيارة الرئيس السوري بشار الأسد للإمارات أحد أبرز تعبيراته التي بدت صادمة لإدارة بايدن.
مجيء الزيارة على هذه الخلفية جعلها تبدو أبعد من مجرد محطة في سياق "التطبيع" المتوالية فصوله منذ فترة مع النظام السوري "لإعادتها إلى الصف العربي".
توقيت الزيارة يشي بوجود "علاقة لها مع الحرب الأوكرانية"، حسب الخبير الخليجي ثايودور كراسيك. كذلك بدت مقدماتها، فهي أتت في أعقاب امتناع الإمارات عن التصويت في مجلس الأمن لإدانة غزو روسيا لأوكرانيا. كما أنها حصلت "بعد يومين من زيارة وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد لموسكو ولقائه بالرئيس فلاديمير بوتين الذي طالما حث العرب على التطبيع مع دمشق.
ومن هنا كان رد إدارة بايدن قبل يومين بالتعبير عن "خيبة عميقة" وبلهجة لا تخلو من العتب والنقمة العارمة. والرد ذاته تكرر، أمس الإثنين، في الخارجية الأميركية كما في بعض أروقة الكونغرس وخاصة على لسان رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، غريغوري ميكس.
يعكس ذلك قلق إدارة بايدن بل "غضبها"، مما بدا وكأنه انتقال "حليف" إلى معسكر موسكو، في معركة فرز وفصل تقودها واشنطن ضد الكرملين ولا تتحمل خسارتها.
ومع أن هذه المقاربة تحظى بشبه إجماع في واشنطن ولو مع بعض التباينات السياسية، إلا أن بعض الأوساط الأميركية تبدي "تفهمها" لحيثيات نأي دولتين خليجيتين (الإمارات والسعودية) عن واشنطن ومغازلة موسكو.
وليس خافياً في واشنطن أن الإدارة "غضت النظر" عن مصالح أمنية خليجية من أجل كسب إيران وضمان النجاح لمفاوضات فيينا لإحياء الاتفاق النووي المبرم 2015.
وفي هذا الصدد، لا تقل انتقادات أوساط أميركية كثيرة ومن الحزبين (الجمهوري، والديمقراطي)، لسياسة بايدن النووية الإيرانية، عن التحفظات الخليجية عليها. وخشية الإدارة الآن أن تخرج موسكو الرابح الأهم من إحياء الاتفاق النووي، من باب أنها سهلت مروره بعد تراجعها الأخير عن شرط فك العقوبات في تعاملها مع إيران وبحيث تبدو وكأنها هي التي تشرف على الترتيبات كما على ضبط توازنات المعادلة الجديدة للمنطقة بعد التوقيع المتوقع قريباً على تجديد اتفاق 2015، باعتبارها اللاعب الأقوى والمقبول في المنطقة. خاصة أن إدارة بايدن حصرت أولويتها في المنطقة بمنع إيران من الحصول على السلاح النووي عبر الاتفاق. أمّا ما دون ذلك فهو في مرتبة ثانوية متروكة معالجاته وحلوله لأصحاب العلاقة.
زيارة الأسد للإمارات بدت كحدث سياسي فارق وفاصل جرى بهندسة روسية في إطار ما تكرر ترداده عن أن المنطقة قادمة على مرحلة تغيير في خريطة التحالفات والتوازنات الجيوسياسية الإقليمية والدولية. وبالنهاية، مصير حرب أوكرانيا يقرر إلى حدّ بعيد مدى هذا التغيير. وإدارة بايدن التي اعتمدت الخروج من الشرق الأوسط، كأساس لسياستها في المنطقة انتبهت الآن إلى أنها ربما تكون قد تسرّعت في خيارها.