- الإدارة الأميركية تواجه انتقادات بسبب سياستها المزدوجة في التعامل مع النزاعات، داعية لوقف تسليح الأطراف في السودان بينما تستمر في دعم إسرائيل بالأسلحة.
- الرئيس بايدن يواجه ضغوطًا متزايدة لإعادة النظر في سياسة تسليح إسرائيل والتعامل مع الأزمة في السودان، في ظل تفاقم الأوضاع الإنسانية والضغوط الداخلية والخارجية.
بمناسبة مرور خمس سنوات على إطاحة نظام عمر البشير في السودان ومضي نحو سنة على اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، افتتحت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد الإيجاز الصحافي، أمس الخميس، في وزارة الخارجية، ببيان تحدثت فيه عن أزمة السودان، وبالتحديد عن مضاعفاتها الإنسانية المفجعة. وحذرت السفيرة ومعها المبعوث الخاص للسودان توم بيرييلو من مضاعفات الوضع المروّع الذي يهدد حوالي "200 ألف طفل بالموت جوعاً".
من الأسباب، شحّ المساعدات الدولية ونزوح حوالي 8 ملايين وتقويض أعمال الإغاثة. ولأن كل هذه العوائق ناجمة أساساً عن تفاقم العمليات العسكرية، فقد ناشدت توماس غرينفيلد الدول المساندة للفريقين "وقف إمدادهما بالأسلحة"، كمفتاح للحد من تدهور الأوضاع الإنسانية في السودان. لكن في عرف الإدارة الأميركية برئاسة جو بايدن، فإن ما يصح من هذه الناحية في الحرب السودانية لا يسري على الحرب الإسرائيلية على غزة.
مطلب عدم تسليح الأولى كمدخل لوقف معاناة السودانيين لا يسري على إسرائيل لوقف مآسي حربها على غزة. لماذا؟ "لأن النزاعين مختلفان" ولو أن التداعيات الإنسانية نفسها، كما قال المتحدث في وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر. الأول صراع محلي على السلطة، في حبن أن الثاني "عدواني بدأته حماس"، بصرف النظر عن وحدة الكلفة البشرية للتمادي في تسليح الحربين. وعلى هذا الأساس، جدّد ميلر التأكيد على عدم تزحزح الإدارة عن التزامها "بدعم إسرائيل لتمكينها من الدفاع عن نفسها وأمنها".
تأكيد صار كاللازمة تردده الإدارة في كل مناسبة بالرغم من الضغوط المتزايدة في الكونغرس، وبالذات من الفريق الديمقراطي، لوضع قيود كحد أدنى على استخدام إسرائيل الأسلحة الأميركية. وبعد مقتل 7 من عمال الإغاثة في منظمة المطبخ المركزي العالمي، تطور المطلب من التقييد إلى ضرورة وقف تزويد إسرائيل بالأسلحة الأميركية كورقة من شأنها أن تجبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على تسهيل دخول وتوزيع المعونات الإنسانية.
الرئيس بايدن، الذي راهن على اللهجة "المتشددة" التي خاطب بها نتنياهو بعد الحادثة علها تحمله على وقف التحايل في هذا الموضوع، وجد أن رئيس الحكومة الإسرائيلي لم يتزحزح وأن التحذيرات أخذت تتزايد من موجة مجاعة في شمال قطاع غزة بشكل خاص. فكان أن أوعز، أوا من أمس الأربعاء، إلى وزير الخارجية أنتوني بلينكن بإجراء اتصال مع وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت لحثه على التعجيل في تسريع وصول المساعدات.
لكن الوضع على الأرض لم يتغير بالصورة المطلوبة، حسب التقارير، ويبدو أن لهجة الرئيس الأميركي المتشددة في مكالمته الأسبوع الماضي مع نتنياهو لم تثمر أكثر من إجراءات مؤقتة تردد أن هذا الأخير تراجع عن بعضها مثل فتح معبر إريز. ويبدو أن نتنياهو يلعب ورقة الإصرار على العرقلة والإمعان في التجويع كرد على معارضة البيت الأبيض لاجتياح جيش الاحتلال مدينة رفح، جنوبي قطاع غزة.
أمام ذلك، صار بايدن في وضع انتخابي مضغوط تساهم فيه غزة بشكل ملحوظ، وبخاصة مسألة المعونات الإنسانية مع ما يرافقها من حديث عن مجاعة زاحفة تثير المخاوف في أوساط حزبه الديمقراطي، الذي بدأت بعض أجنحته تكشف عن قلقها من استمرار التدهور في أوضاع القطاع وانعكاساته الانتخابية على الرئيس. وعلى هذا الصعيد، هناك شكوك بأن من بين حسابات نتنياهو في مشاكسته البيت الأبيض في حرب غزة تقديم خدمة انتخابية للجمهوريين وتحديدا للمرشح دونالد ترامب.
ومن هنا إلحاح بعض الجهات على بايدن بوجوب استخدام أوراقه الرادعة، وهي متوفرة، ضد نتنياهو قبل فوات الأوان وتراكم الخسائر، خصوصا في هذه اللحظة التي تشهد تنامي معارضة الشارع الإسرائيلي لرئيس الحكومة، على الأقل لحمله على تليين شروطه لحسم صفقة تبادل أسرى وهدنة، تسمح للبيت الأبيض التقاط الأنفاس والبناء عليها لوقف التآكل في رصيده الذي صار للحرب حصة في حساباته. وحده استمرار اهتزاز هذا الرصيد الذي دخلت الحرب إلى صلبه قد يحمل بايدن على الإقدام على ما لا يقدم عليه في الأوقات العادية بأن يعلن عن وقف أو على الأقل تقييد السلاح لإسرائيل أسوة بالدعوة المماثلة التي أطلقتها سفيرته في الأمم المتحدة بالنسبة للسودان، حيث يلتقي التسليح بالتجويع في الحربين.