قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" ومنظمة "محامون من أجل العدالة" الحقوقية الفلسطينية اليوم الجمعة، "إن السلطات الفلسطينية في الضفة (فتح) وغزة (حماس) تسيء معاملة الفلسطينيين المعتقلين من منتقدين ومعارضين، وتعذبهم منهجياً بطريقة تصل إلى مصاف الجرائم ضد الإنسانية.
ووفق تقرير موازٍ مشترك قُدم من المنظمتين إلى "لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب"، فإن السلطة الفلسطينية لم تحاسب أي أحد حتى الآن من المتهمين بضرب الناشط والناقد البارز نزار بنات حتى الموت أثناء احتجازه، حيث وجهت النيابة العامة تُهما إلى 14 عنصر أمن، لكن يقول منتقدون إن السلطات تتحرك ببطء شديد وهي منحازة، كما في قرار النيابة العسكرية في 21 يونيو/حزيران 2022، بالإفراج عن المتهمين لمدة 12 يوماً.
ودعا التقرير الدول إلى قطع المساعدة عن قوات الأمن الفلسطينية المنتهِكة، مثل شرطة السلطة الفلسطينية التي لعبت دوراً رئيسياً في القمع (قمع واعتقال العشرات خلال تظاهرات سلمية)، كما طالب مكتب المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية بالتحقيق مع المتورطين بشكل موثوق في هذه الانتهاكات الجسيمة ومحاكمتهم.
شهادات معتقلين سابقين
نقلت "هيومن رايتس ووتش" عن حمزة زبيدات قوله: إن قوات شرطة السلطة الفلسطينية اعتقلته لدى وصوله إلى مظاهرة مخطط لها في أغسطس/آب 2021 بشأن قضية بنات، واتهمت النيابة زبيدات لاحقاً بإهانة المقامات العليا، والتجمع غير القانوني، وإثارة النعرات المذهبية، فيما أكد زبيدات أنه أمضى ثلاث ليالٍ في زنزانة صغيرة مكتظة دون تهوية مناسبة، وثبتت إصابته بفيروس كورونا بعد عدة أيام من إطلاق سراحه مع عدم البت في تهمه.
ونقل التقرير كذلك شهادة فخري جرادات التي قال فيها، إن "عناصر شرطة السلطة الفلسطينية اعتقلوه في منزله في مناسبتين منفصلتين في يوليو/تموز 2021 بعد مشاركته في مظاهرات متعلقة ببنات كما استجوبوه بشأن منشوراته على (فيسبوك)، التي يوجه في أحدها عبارة (ارحل ارحل) إلى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، كما اتهمته النيابة بإهانة المقامات العليا، والتجمع غير القانوني، وإثارة النعرات المذهبية. احتجزته لمدة أسبوع إجمالا بين الاعتقالين قبل الإفراج عنه بتهم ما زالت عالقة".
وقال فادي قران، وفق التقرير، "إن عناصر شرطة السلطة الفلسطينية اعتقلوه في أغسطس/آب 2021، بينما كان يسير في وسط رام الله قرب موقع مظاهرة كان يعتزم المشاركة فيها، لكن قوات الأمن منعتها".
وأضاف قران: "أن الشرطة استجوبته بشأن الأعلام الفلسطينية التي كان يحملها ومنشورات على (فيسبوك)، أحدها ينتقد تأجيل انتخابات السلطة الفلسطينية وحكم الرئيس عباس، حيث أفرجت عنه بعد يومين من الاعتقال دون تهمة".
وقالت "هيومن رايتس ووتش": "إن وفاة بنات أثناء الاحتجاز واعتقال المتظاهرين في الأسابيع التي تلت تعكس ممارسة الاعتقال التعسفي والتعذيب منهجيا من قبل السلطات الفلسطينية مع إفلاتها من العقاب".
وأوضحت "هيومن رايتس ووتش" و"محامون من أجل العدالة" في تقريرهما كيف تعتاد قوات أمن السلطة الفلسطينية و"حماس" تعذيب المحتجزين وتهديدهم، واستخدام الحبس الانفرادي والضرب، بما في ذلك جَلدِ أقدامهم، وإجبارهم على اتخاذ أوضاع مؤلمة لفترات طويلة، منها رفع أذرعهم خلف ظهورهم بالأسلاك أو الحبال، لمعاقبة المنتقدين والمعارضين وترهيبهم وانتزاع الاعترافات.
انتهاكات فردية؟
في المقابل، أكد التقرير أن السلطة الفلسطينية و"حماس" قالتا: "إن الانتهاكات لا تعدو كونها حالات فردية جرى التحقيق فيها ومحاسبة مرتكبيها"، لكن سنوات من الأبحاث التي أجرتها (هيومن رايتس ووتش)، بحسب التقرير، تتعارض مع هذه الادعاءات، وكما يوثق التقرير الموازي، دأب السلطات الفلسطينية على التقاعس عن محاسبة قوات الأمن.
وأشار التقرير إلى أنه في عام 2021، تلقت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان 252 شكوى تتعلق بالتعذيب وسوء المعاملة، و279 شكوى بشأن الاعتقال التعسفي ضد السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، و193 شكوى بشأن التعذيب وسوء المعاملة، و97 بشأن الاعتقالات التعسفية ضد "حماس" في غزة.
كما أعدمت "حماس" 28 شخصا في غزة منذ سيطرتها على السلطة السياسية في يونيو/حزيران 2007، بإجراءات موجزة دون أي مسار قضائي، غالبا بناء على اتهامات بالعمالة لإسرائيل.
وأكد تقرير المنظمتين الحقوقيتين أنه ينبغي للسلطات الفلسطينية الالتزام بالمعاهدات الحقوقية الدولية التي انضمت إليها وإنهاء الانتهاكات الجسيمة والإفلات من العقاب المستشري من خلال محاسبة المسؤولين عن ذلك.
ويغطي التقرير لـ"هيومن رايتس ووتش" و"محامون من أجل العدالة" سوء المعاملة والتعذيب على أيدي السلطات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة والإفلات من العقاب على هذه الانتهاكات.
ووفقاً لـ"اللجنة العامة لمناهضة التعذيب في إسرائيل"، وهي منظمة حقوقية إسرائيلية، فإنه ورغم تقديم أكثر من 1,300 شكوى تعذيب إلى وزارة القضاء الإسرائيلية منذ عام 2001، بسبب أفعال الجيش الإسرائيلي، مثل التكبيل المؤلم والحرمان من النوم والتعرض لدرجات حرارة شديدة، إلا أنها لم تسفر هذه الشكاوى إلا عن تحقيقين جنائيين في الأعوام الـ 20 الماضية دون توجيه أي اتهامات.
وقالت "هيومن رايتس ووتش": "إنه ينبغي لدولة فلسطين، كجزء من واجباتها بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب المتمثلة في (منع أعمال التعذيب في أي إقليم يخضع لاختصاصها القضائي)، وقف كل التنسيق الأمني مع الجيش الإسرائيلي الذي يساهم في تسهيل التعذيب والانتهاكات الجسيمة الأخرى، والتوقف عن تسليم الفلسطينيين، ما دام ثمة خطر حقيقي بتعرض الذين يتم تسليمهم للتعذيب وغيره من أشكال سوء المعاملة المحظورة".
وقال عمر شاكر مدير "هيومن رايتس ووتش" في الأراضي الفلسطينية المحتلة: "تُعرب حكومات عديدة عن رغبتها في دعم سيادة القانون في فلسطين، لكن تستمر سنويا في تمويل قوات الشرطة التي تقوّض سيادة القانون. يجب ألا تقف المخاوف المزعومة بشأن هشاشة المؤسسات الفلسطينية وغيرها من الأعذار الواهية في الطريق بعد الآن، على الحكومات المانحة قطع علاقاتها مع قوات الأمن والشرطة الفلسطينية المنتهِكة، وجعل حقوق الإنسان محور سياساتها بشأن فلسطين وإسرائيل".