تعتزم وزارة الدفاع في "الحكومة السورية المؤقتة"، إعادة هيكلة "الجيش الوطني السوري" المعارض وتفعيل هيئة الأركان، في محاولة جديدة لتجاوز الحالة الفصائلية التي تسود مناطق سيطرة هذا الجيش في شمال سورية، وهو ما فتح الباب أمام "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) للتغلغل أكثر في هذه المناطق عبر أذرع عسكرية تابعة لها.
خطة لهيكلة "الجيش الوطني السوري"
وقالت مصادر عاملة لدى فصائل "الجيش الوطني السوري"، رفضت الكشف عن أسمائها لأسباب أمنية، لـ"العربي الجديد"، إن "وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة، وبدعمٍ وتخطيط من الائتلاف الوطني السوري الذي تتبع له هذه الحكومة، تسعى إلى إعادة هيكلة الجيش الوطني السوري الذي يضم فصائل المعارضة في الشمال السوري".
وأكدت المصادر أن الخطة تتضمن تفعيل هيئة الأركان والكلّية الحربية في قرية راعل القريبة من بلدة الراعي، المحاذية للحدود السورية التركية، شمالي محافظة حلب، شمال سورية".
الخطة تتضمن تفعيل هيئة الأركان والكلّية الحربية في قرية راعل ودمج الفصائل
كما تتضمن الخطة دمج الفصائل والمجموعات الصغيرة ضمن فصائل أكبر، وتحسين الواقع الأمني والحد من فوضى السلاح، لسدّ ثغرات استطاعت "تحرير الشام" النفاذ منها إلى مناطق سيطرة "الجيش الوطني السوري" وإيجاد أذرع عسكرية تابعة لها تخدم أهدافها وخصوصاً لجهة السيطرة على معابر مهمة.
وأوضحت المصادر أن خطة وزارة الدفاع تقضي باستحداث معبرين مع مناطق سيطرة "تحرير الشام" في شمال غربي سورية: الأول في منطقة دير بلوط في ريف محافظة إدلب الشمالي، والذي يفصل منطقة إدلب عن منطقة غصن الزيتون، والثاني في منطقة الغزاوية، والذي يفصل ريف حلب الغربي عن منطقة درع الفرات، بإدارة فصيل "فيلق الشام" وتحت إشراف الشرطة العسكرية.
وأعلن عن تشكيل "الجيش الوطني السوري" في ديسمبر/ كانون الأول 2017، من قبل "الحكومة المؤقتة"، التابعة للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، وبدعم واسع من الجانب التركي، لمحاصرة النزعة الفصائلية التي تسود الشمال السوري.
ويتألف هذا الجيش من فيالق عدة، كل واحد منها يضمّ العديد من الألوية، أُتبعت بها شرطة عسكرية. وكانت جرت محاولات عدة خلال السنوات السابقة لإعادة هيكلة "الجيش الوطني" وإنشاء مرجعية عسكرية واحدة لفصائل المعارضة السورية، إلا أن هذه المحاولات لم تنجح، حيث استمرت النزاعات على النفوذ بين الفصائل والتي يدفع ثمنها بشكل دائم المدنيون الذين يكتظ بهم شمال سورية محدود الموارد.
الحالة الفصائلية متجذرة
يستبعد المحلّل العسكري النقيب عبد السلام عبد الرزاق، في حديث مع "العربي الجديد"، نجاح الخطة الجديدة لإعادة هيكلة "الجيش الوطني السوري"، حيث "لا توجد أرضية صحيحة لهذه الخطوة". وبرأيه، "ما تزال الحالة الفصائلية متجذرة في مناطق سيطرة هذا الجيش"، مضيفاً أن هذه المناطق مقسمة إلى "كانتونات" تخضع لسيطرة أشخاص متنفذين.
ورأى عبد الرزاق أنه لا يمكن تجاوز الحالة الفصائلية في الشمال السوري "إلا بقرار سياسي"، مضيفاً أنه "يجب إعادة الكوادر العسكرية والكفاءات إلى موقعها الصحيح والاستغناء عن تلك الأسماء التي تتصدر المشهد العسكري في الشمال السوري والتي لا تصلح للقيادة".
عبد الرزاق: مناطق سيطرة الجيش الوطني مقسمة إلى "كانتونات" تخضع لسيطرة أشخاص متنفذين
من جهته، أكد المتحدث السابق باسم "الجيش الوطني" الرائد يوسف حمود، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "هناك نوايا حقيقية لإنجاح خطة إعادة هيكلة الجيش هذه المرة".
ويسيطر "الجيش الوطني السوري" على منطقة "درع الفرات" في ريفي حلب الشمالي والشمالي الشرقي، والتي تضم العديد من المدن والبلدات، أبرزها الباب وجرابلس ومارع. كما ينتشر في مدينة أعزاز في ريف حلب الشمالي، التي تحتضن العديد من مؤسسات المعارضة السورية، وفي منطقة "غصن الزيتون" التي تضم منطقة عفرين ذات الغالبية الكردية من السكان، فضلاً عن كونها تحتضن عشرات الآلاف من النازحين والمهجرين.
وفي شرقي نهر الفرات، يسيطر "الجيش الوطني" المعارض على شريط حدودي بطول 100 كيلومتر، وبعمق 33 كيلومتراً، وهو ما بات يُعرف بـ"منطقة نبع السلام".
ولطالما عانت هذه المناطق من اقتتال فصائلي وعشائري بسبب الفوضى الأمنية في ظل عدم وجود مرجعيات سياسية أو عسكرية فاعلة، إذ تهمّش الفصائل وزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة التي تبدو عاجزة عن ممارسة مهامها في منطقة تعج بعشرات الفصائل المتباينة في الرؤى والأهداف وذات التوجهات المختلفة والمتناقضة أحياناً.
ويخضع الشمال السوري للنفوذ العسكري والاقتصادي التركي المباشر، حيث تحتفظ أنقرة بقواعد تضم آلاف الجنود، سواء في شرقي الفرات أو غربه، وحتى في مناطق سيطرة "هيئة تحرير الشام" في محافظة إدلب ومحيطها في ريفي حلب واللاذقية.
هشام جوناي: أي تعديل أو إعادة هيكلة لن تكون إلا بدعم ودفع من الحكومة التركية
ولكن وزارة الدفاع التركية لم تعمل على معالجة الأوضاع الأمنية المتردية، أو تدفع باتجاه تقوية شوكة وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة، وتكتفي بالتدخل فقط عندما تخرج النزاعات عن نطاق محدد، أو حين تهدد "تحرير الشام" مناطق سيطرة الفصائل، كما حدث أواخر عام 2022 عندما سيطرت "تحرير الشام" على منطقة عفرين شمال غربي حلب ما جعل كل المناطق التي تقع تحت سيطرة "الجيش الوطني" في ريف حلب الشمالي تحت خطر الاجتياح العسكري.
وتعليقاً على خطة إعادة هيكلة الجيش الوطني، قال المحلّل السياسي التركي هشام جوناي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن فصائل المعارضة السورية "تعمل بالتنسيق مع الجانب التركي منذ بداية الثورة على النظام قبل أكثر من عقد"، مضيفاً أن "الحكومة التركية تدعم المعارضة السورية ومن ضمنها الجيش السوري الحر (تسمية قديمة للجيش الوطني)". وبناء على ذلك، رأى جوناي أن "أي تعديل أو تغيير أو إعادة هيكلة في هذا الجيش في شمال سورية لن تكون إلا بدعم ودفع من الحكومة التركية".
وأشار المحلّل السياسي إلى أن هناك تغيراً في طريقة تعامل تركيا مع دول الربيع العربي ومنها سورية. وبرأيه، يبدو أن ما يحدث في الشمال السوري وخصوصاً لجهة إعادة هيكلة الجيش السوري الحر، له علاقة بالتغير الذي طرأ على السياسة على مستوى الشرق الأوسط وتحديداً في دول الربيع العربي.
ومنذ تأسيسه، شارك "الجيش الوطني السوري" في عمليتين مع الجيش التركي، الأولى مطلع عام 2018 ضد الوحدات الكردية في منطقة عفرين غربي نهر الفرات، انتهت بانسحاب الأخيرة من هذه المنطقة، التي باتت من أهم مراكز النفوذ لـ"الجيش الوطني"، والثانية أواخر 2019، حين ساندت هذه الفصائل الجيش التركي في عملية "نبع السلام" ضد "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) التي اضطرت للانسحاب من مدينتي تل أبيض ورأس العين وريفيهما في منطقة شرقي الفرات.