ندّدت هيئة علماء المسلمين في العراق، في تقرير لها عن الحالة السياسية في البلاد، باستمرار ما أسمته "الانتهاكات الحكومية" بحق فلسطينيي العراق، لا سيما بعد قرار أخير يقضي بمنعهم من العودة إلى البلاد في حال قضوا أكثر من شهر واحد في الخارج.
وأكد السفير الفلسطيني لدى بغداد، أحمد عقل، لـ"العربي الجديد"، استمرار الأزمة، كاشفاً أنّ هناك حالات إجبار للفلسطينيين في العراق على توقيع تعهد بعدم تجاوز مدة وجودهم خارج العراق شهراً واحداً.
ورصد تقرير موسع صدر أخيراً عن القسم السياسي في هيئة علماء المسلمين بالعراق، "استمرار الانتهاكات الحكومية لحقوق فلسطينيي العراق، والتي كان آخرها إصدار قرار باعتماد إجراءات تقضي بمنع الفلسطينيين المقيمين في العراق من العودة في حال قضوا أكثر من شهر واحد فقط خارج البلد".
واعتبر التقرير الإجراء بأنه يعني "تهجيراً قسرياً بدافع طائفي وعرقي، وحرماناً من حق مشروع لمكون مجتمعي يعيش في العراق منذ أكثر من سبعة عقود، لا سيمّا أنّ العديد من عائلات الفلسطينيين التي غادرت العراق مؤخراً لأغراض علاجية في بعض دول الجوار، تحتاج إلى ما يزيد عن الشهرين أو أكثر لإكمال مراحل العلاج، فضلاً عن عدم مقدرة من يروم السفر منهم للعلاج أو غيره على إتمامه بسبب هذا القرار المنافي لحق الإنسان في التنقل والعلاج".
وتناول التقرير إلغاء الحكومات المتعاقبة منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003، قرارات عديدة كانت تُنظّم إقامة الفلسطينيين في العراق، وقال إنها "جردتهم من حقوقهم وضيّقت عليهم شروط الإقامة، بعدما كانوا يتمتعون بامتيازات العراقيين قبل الاحتلال، فضلاً عن الجرائم الطائفية الممنهجة بالقتل والاعتقال والتغييب التي مورست عليهم في بغداد، وغيرها من المدن العراقية".
واعتبرت الهيئة تلك القرارات بأنها "أدلة على بطلان مزاعم نصرة القضية الفلسطينية، وادعاءات العداء للكيان الصهيوني التي تتبجح بها حكومات بغداد"، على حد وصف البيان.
وسبق لـ"العربي الجديد" أن كشف عن إجراء منع عودة فلسطينيي العراق إلى منازلهم في بغداد، ومدن أخرى، إذا تأخروا عن العودة أكثر من شهر، وهو ما أفشى موجة من الاستياء، لا سيما أنّ القرار يُضاف إلى سلسلة المضايقات التي يتعرض لها الفلسطينيون في البلاد، في أسلوب يرى مراقبون أنه يهدف إلى "إنهاء وجودهم في العراق"، بدعم من الفصائل المسلحة والمليشيات التي توجه إليهم اتهامات عدة.
وتواصل "العربي الجديد"، مع السفير الفلسطيني في بغداد أحمد عقل، لمعرفة آخر تطورات الأزمة، وقال، اليوم الثلاثاء، إنّ "قرار عدم السماح للفلسطينيين بالعودة إلى العراق بعد مضي شهر من السفر خارجه، أصبح ساري المفعول منذ نحو شهرين، بسبب قرار من اللجنة العليا للاجئين (العراقية)، رغم أنه يتعارض مع قانون الإقامة العراقي، الذي يسمح بثلاثة أشهر، لكن اللجنة العليا للاجئين تتعامل مع الفلسطينيين على أنهم لاجئون سياسيون، رغم أنّ جميعهم حالياً من الجيل الرابع في العراق".
وأضاف عقل، في اتصال عبر الهاتف مع "العربي الجديد"، أنّ "اللجنة العليا للاجئين تُجبر الفلسطينيين على التوقيع على تعهدات بشأن عدم تجاوزهم الشهر الواحد في الخارج، وفي حال تجاوزا الشهر تقوم بسحب هوية الإقامة منهم، ولا نعلم ما سبب هذا الإجراء الذي كان قد طبّق قبل ثلاث سنوات وألغي بعد ذلك"، مبيّناً أنّ "السفارة تتحرك تجاه الجهات المسؤولة في العراق من أجل منع هذا الإجراء، وتحديداً مع وزارتي الخارجية والداخلية".
ورداً عما إذا كان هذا الإجراء ضمن سياسة لتهجير وإبعاد الفلسطينيين من العراق، أشار إلى أنّ "هذا القرار صدر عن موظفين في اللجنة العليا للاجئين، وليس له أي بعد سياسي، ولو أنّ هناك نية لطرد الفلسطينيين، فإنّ هناك وسائل أخرى".
من جهته، قال الصحافي الفلسطيني حسن خالد، إنّ "قانون اللجوء السياسي ينص على السماح للاجئ بالخروج لمدة شهر بموافقة وزير الداخلية، وفي حال زادت عن شهر فإنها تحدث بموافقة رئيس الجمهورية، لكن هذا القانون لا ينطبق على الفلسطينيين الموجودين في العراق منذ 1948"، موضحاً لـ"العربي الجديد"، أنّ "المشكلة في هذا الأمر أنّ دائرة الإقامة تواصل منح ثلاثة أشهر لمن يريد السفر، لكن اللجنة الدائمة التابعة لوزارة الداخلية لا تمنح أكثر من شهر".
ولفت إلى أنّ "هناك غياباً واضحاً وصريحاً لأي تشريع أو قانون يفسّر وجود الفلسطينيين في العراق، بسبب إلغاء قانون 202، وجراء ذلك تعرضنا إلى كل هذه المشاكل، ويوماً بعد يوم تترتب علينا أوضاع أخرى، لدرجة أنّ الفلسطيني في العراق، بات محروماً حتى من مهنة سائق التاكسي".
وكان البرلمان العراقي قد ألغى القانون 202 المتعلّق بالفلسطينيين في العراق، والذي ينصّ على أنّ "للفلسطيني كما للعراقي من الحقوق، إلى حين تحرير كامل التراب الفلسطيني".
وكذلك أصدرت الحكومة العراقية، في ديسمبر/ كانون الأول 2017، بياناً، قالت فيه إنّ "إلغاء القانون 202 المتعلّق بحقوق الفلسطينيين المقيمين بالبلاد، جاء لأمور تنظيمية"، مؤكدة أنّ القانون الجديد رقم 76، المتعلق بتنظيم إقامة الأجانب، سيشملهم ولا يخلّ بحقوقهم.
على أثر ذلك، قطعت الحكومة البطاقة الغذائية عن الفلسطينيين، كما اعتُبروا مقيمين أجانب في ما يتعلق بتنافسهم على المقاعد الجامعية، والدراسات العليا، وحتى المراجعات للمستشفيات الحكومية، فضلاً عن قطع راتب التقاعد عن ورثة الفلسطيني المتوفى، بما يُعتبر نسفاً لكلّ القوانين السابقة منذ نهاية عام 1948.
وتراجع عدد الفلسطينيين في العراق كثيراً بعد الاحتلال الأميركي، عقب سلسلة استهدافات من قبل القوات الأميركية، أدت إلى مقتل وجرح واعتقال المئات منهم، تبعتها حملة قتل منظمة وطرد وتهجير للآلاف منهم بعد عام 2006، نفذتها مليشيات مسلحة تحت مزاعم مختلفة.