جدد الاتحاد العام التونسي للشغل، اليوم الجمعة، الدعوة إلى "حوار حقيقي مباشر واسع لا قرارات مسبقة فيه ولا تزكية لاستنتاجات معدّة له سلفاً"، وذلك في بيان بعد اجتماع لمكتبه التنفيذي برئاسة أمينه العام نور الدين الطبوبي.
ودعا إلى الاتفاق على أهداف الحوار و"إطارِه، وعلى أطرافِه ومحاورِه وأشكالِ إنجازِه وأجندةِ أشغاله قبل إصدار أيّ أمر في الغرض"، مجدداً "رفضه أيّ حوار شكلي مشروط غير ذي جدوى يهمّش القوى السياسية الوطنية والاجتماعية الفاعلة".
وجاء في البيان كذلك: "بقدر التزام الاتحاد بالحوار، فإنّه يسجّل التأخّر في الدعوة إليه ويرفض تقديم الدروس والتحذيرات ولعب دور الوصاية على الاتحاد".
وكان الرئيس التونسي قيس سعيّد قد أكد، الأحد الماضي، وفق ما أوردته الرئاسة التونسية، أنّ الحوار "ستشارك فيه المنظّمات الوطنية الأربع (يرجح أن تكون الاتحاد العام التونسي للشغل ومنظمة رجال الأعمال وهيئة حقوق الإنسان وعمادة المحامين)، ويستثنى منه "من خربوا وجوعوا ونكلوا بالشعب"، على حد تعبيره.
وأشار سعيّد إلى أنّ "الحوار سيكون مفتوحاً مع من انخرطوا في حركة التصحيح في 25 يوليو"، من دون تحديد هذه الأطراف.
ومنذ 25 يوليو/ تموز 2021، تشهد تونس أزمة سياسية جراء إجراءات "استثنائية" للرئيس سعيّد، منها تجميد اختصاصات البرلمان ورفع الحصانة عن نوابه، وإلغاء هيئة مراقبة دستورية القوانين، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وإقالة رئيس الحكومة، وتعيين أخرى جديدة، وحل المجلس الأعلى للقضاء ثم البرلمان منذ أيامٍ.
وترفض غالبية القوى السياسية والمدنية في تونس إجراءات سعيّد الاستثنائية، وتعتبرها "انقلاباً على الدّستور".
"النهضة": رفض لمقاربات الحوار الصوري الانتقائي
من جهتها، أكدت حركة النهضة أنها ترفض "مقاربات الحوار الصوري والانتقائي والإقصائي"، وتعتبره "إمعانا في تعميق الأزمة السياسية في سياق وضع اقتصادي ومالي يشارف على الانهيار، واحتقان اجتماعي متزايد وخطير وانحراف كبير عن الأولويات المعيشية للمواطنين".
وأصدرت الحركة بيانا إثر اجتماع مكتبها التنفيذي، برئاسة راشد الغنوشي، للتداول في المستجدات على الساحة الوطنية في سياق "أوضاع اقتصادية واجتماعية ومالية متدهورة وخطيرة، وتصاعد خطابات التقسيم والتحريض وتهديد للسلم الأهلي بالبلاد".
وشددت على "رفضها منهج القطيعة مع تجربة بناء الدولة الحديثة بعد الاستقلال وبعد الثورة"، وحذّرت بشدة من "مشروع تفكيك مؤسسات الدولة تمهيدا لتركيز منظومة البناء القاعدي وتداعياتها الخطيرة على الاستقرار السياسي والمجتمعي لتونس"، معتبرة هذا التوجه "اعتداء على هيئة الدولة وتغييرا لها".
وحمّلت "النهضة" الرئيس سعيّد "مسؤولية فشل الحكومة في إعداد خطة إصلاح هيكلية ناجزة، وتعتبرها فاقدة للمشروعية، خاصة في ظل العجز عن توفير الشروط الضرورية لإنجاح المفاوضات مع الأطراف الاجتماعية المتداخلة وصندوق النقد الدولي"، وحذّرت من "انعكاسات هذا العجز والقصور على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتدهورة للمواطنين والمواطنات".
ونددت الحركة في بيانها بـ"الانتهاكات الجسيمة التي طاولت واقع الحريات عموما وحرية التعبير والصحافة، خصوصا منذ انقلاب 25 يوليو، ما أدى إلى تقهقرها في التصنيف العالمي لحرية الصحافة بواقع 21 مرتبة كاملة، بما قوّض المكاسب الديمقراطية وكرّس منظومة الحكم الفردي التسلطي، وما انجر عنها من عزلة داخلية ودولية".
وجددت تحذيرها من "خطورة المساس بالسيادة الوطنية والمصالح الاستراتيجية للدولة التونسية والانحراف بتقاليد تونس وسياساتها الواضحة في علاقاتها الدولية، وتدعو إلى تغليب المصلحة الوطنية العليا والتعاون من أجل إنجاح حوار جدي وشامل يفضي إلى استقرار سياسي صلب، ويخلق مناخا ملائما لتنفيذ خطة إنقاذ اقتصادي لم تعد تحتمل التأجيل".
"الحزب الجمهوري" يرفض إقامة "حوار صوري"
من جانبه، عبر "الحزب الجمهوري"، في بيان اليوم الجمعة، عن "رفضه القطعي دعوة رئيس الجمهورية إلى إقامة حوار صوري يقصي منه الأحزاب السياسية والقوى الحية في البلاد".
وحيا الحزب "رفض الاتحاد العام التونسي للشغل المشاركة فيه"، داعياً "باقي المنظمات الوطنية للنسج على منواله وعدم التورط ولو بالصمت في تزكية خيارات ستزيد من تعميق الأزمة والدفع بالبلاد إلى حافة الهاوية".
وقال بيان الحزب إن تونس "دخلت منعرجا خطيرا ينذر بأسوأ الاحتمالات، بإصرار رئيس الجمهورية على إلغاء الدستور، بما يهدد بتقويض مؤسسات الدولة المدنية الديمقراطية، ودعوته إلى تأسيس جمهورية جديدة على مقاسه، والاتجاه نحو إرساء حكم فردي، ورفضه إقامة حوار جامع، والتحريض على معارضيه".
وحمل الحزب رئيس الجمهورية "مسؤولية تعميق هذه الأزمة وتداعياتها الخطيرة على أمن واستقرار البلاد، والوصول بالأوضاع الاقتصادية إلى حافة الإفلاس ومؤسسات الدولة إلى التفكك والانهيار"، محذراً من "خطورة الدعوات التحريضية والتحركات المشبوهة لما يسمى بتنسيقيات 25 جويلية (يوليو)".
"اتحاد الشغل" يندد باستهداف قيادته
وعلى صعيد متصل، دان اتحاد الشغل "بشدّة حملات التشويه والتزوير والأكاذيب، التي تطاول الأمين العام وعدداً من قيادات الاتحاد من قبل صفحات معلومة بانتسابها لأنصار الرئيس (التونسي قيس سعيّد) وأخرى بانتمائها لـ(حركة) النهضة وحواشيها، على خلفية المواقف المستقلّة التي عبّر عنها الاتحاد بخصوص الأزمة التي تعصف بتونس، والتي حمّل من خلالها المسؤولية لجميع الأطراف لأنها دفعت البلاد إلى حافة الهاوية، وتسعى جاهدة إلى إدخالها في دوّامة التفكيك والعنف والمجهول".
وأمس الخميس، كذّبت حركة النهضة اتهام الأمين العام المساعد بالاتحاد العام التونسي للشغل، سامي الطاهري، لها بـ"الوقوف وراء تسريب وثيقة مزوّرة تستهدف الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل".
وقالت، في بيان لها، إنها "تجدّد تأكيد احترامها لشخصه وسُموّها عن هذه الممارسات التي تستهدف زرع الفتنة بين التونسيين، وتحتفظ بحقها في التتبع القضائي لكل من يفتري عليها"، في إشارة إلى ترويج خبر عن تلقي الطبوبي تمويلاً من جهة خارجية من طريق شيك مزور جرى تداوله على صفحات التواصل الاجتماعي.
وفي الصدد، طالب الاتحاد التونسي للشغل في بيانه القضاء بـ"تعهّد هذه الانتهاكات وتتبّع مرتكبيها لما تلحقه من إساءة لأعراض الشخصيات والمنظّمات وشرفها، ويهيب بجميع القوى إلى التصدّي للسموم التي تبثّها هذه الصفحات الافتراضية، التي تزيد في تعكير الأجواء وتوتير المناخ العام والدفع إلى العنف والإرهاب لما فيها من تحريض وتجييش".
كما دان الاتحاد "التسريبات الرائجة منذ مدّة، وعبّر عن تساؤلاته حول توقيتها وأهدافها ومن يقف وراءها"، مشدّداً على "خطورتها على الأمن العام"، في إشارة إلى التسجيلات الصوتية المتداولة المنسوبة إلى مديرة الديوان الرئاسي سابقاً نادية عكاشة، التي تتحدث فيها عن الرئيس قيس سعيّد وعن مرضه، والتي شرع القضاء التونسي بالتحقيق فيها، بحسب بلاغ رسمي للنيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية في تونس، أول من أمس الأربعاء.
وندد بـ"إساءتها إلى رأس الدولة واستهدافها سمعة البلاد"، مستغرباً "الانتظار طول هذه المدّة لتحرّك النيابة العمومية والأجهزة الفنّية"، داعياً إياها إلى "سرعة إنهاء التحقيق والتوجّه إلى الرأي العام لإنارته بالحقيقة والتجهّز للتصدّي لمثل هذه المناورات الخطيرة."
وندّد البيان كذلك بـ"الحرائق المفتعلة خلال الأيّام السابقة"، داعياً "وزارة الدّاخلية إلى التوجّه إلى الرأي العام لطمأنته وللكشف عن طبيعة هذه الحرائق والتمييز بين ما هو مفتعل وإجرامي وذو خلفية سياسية".
"النهضة" تقاضي محرضين على استهداف أنصارها ومقارها
في غضون ذلك، قام المكتب القانوني لحزب "حركة النهضة"، الجمعة، بإيداع شكايات ضد أفراد وصفحات على موقع "فيسبوك" حرضت على قياداتها وأنصارها ودعت إلى استهداف مقراتها.
وأفاد نائب رئيس الحركة علي لعريض، في تدوينة على "فيسبوك"، بأنّ المشتكى بهم "تعمّدوا التحريض على الحركة والدعوة إلى حرق مقراتها والاعتداء على قيادييها ومنخرطيها وأنصارها".
وقالت القيادية ومسؤولة المكتب القانوني لحزب النهضة فريدة العبيدي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "التحريض عبر صفحات التواصل الاجتماعي أو في الخطابات الإعلامية الرسمية يؤدي لارتكاب جرائم"، لافتة إلى أن "هذا التحريض أدى إلى تقسيم الشعب وإلى الاعتداء بالعنف وحرق المقرات في 25 يوليو/تموز الماضي".
وتابعت "وصل ببعض المدونين إلى القول أخيرا (كما حرقنا المقرات سنحرق الأشخاص) بصريح العبارة، وهي دعوة لارتكاب هذه الجرائم".
وأكدت العبيدي أن "النهضة تقدمت بعديد الشكايات حول هذه التهديدات والتحريض"، داعية النيابة العمومية إلى "معاينة هذه الجرائم وإثارة الدعاوى القضائية لتتبع المحرضين على العنف المادي، وعلى الجرائم".
وشددت على أن "الرئيس التونسي قيس سعيّد يتحمل المسؤولية بسبب خطاباته العنيفة وتقسيمه التونسيين وتفرقتهم، وتخوين كل المعارضين لـ25 يوليو، وشيطنتهم واتهامهم بكل النعوت السلبية والشتم، عوض أن يكون الرئيس عنوانا لوحدة التونسيين كما ينص عليه دستور 2014".
وبينت أن "كل الصفحات المحرضة تنتصر لرئيس الدولة وتشيطن المعارضين له، وهو لم يتبرأ منها"، معتبرة أن "الدعوات للنزول إلى الاحتجاج يوم 8 مايو/ أيار من قبل هذه الصفحات تدعو إلى التطهير والمحاسبة وحرق مقرات الأحزاب".
وختمت بالقول: "نحن مع حرية الاحتجاج والتظاهر السلمي المكفول بالدستور بعيدا عن العنف والتحريض وهتك الأعراض".
وفي سياق متصل، استقبل الرئيس التونسي، مساء اليوم، وزير الداخلية توفيق شرف الدين، حيث "جرى التطرق إلى الوضع الأمني في تونس وإلى ما يجب القيام به للمحافظة على مقدرات الشعب التونسي، وخاصة لمواجهة من يسعون إلى التلاعب بقوت التونسيين"، بحسب بيان للرئاسة.
الوضع الأمني في تونس وما يجب القيام به للمحافظة على مقدرات الشعب التونسي وخاصة لمواجهة من يسعون إلى التلاعب بقوت التونسيين أبرز محاور استقبال رئيس الجمهورية #قيس_سعيد لوزير الداخلية السيّد توفيق شرف الدين. #TnPR https://t.co/IikTz9UWCX pic.twitter.com/Ye7z2m9dcu
— Tunisian Presidency - الرئاسة التونسية (@TnPresidency) May 6, 2022