تنظر المحكمة الإسرائيلية العليا، اليوم الثلاثاء، في ثمانية التماسات مقدّمة ضد قانون إلغاء حجة "المعقولية"، وهو أحد القوانين التي يقودها الائتلاف الحاكم لإضعاف القضاء، والتي باتت تعرف باسم "التعديلات القضائية".
وبعد نحو 8 أشهر من السجال بين السلطات الإسرائيلية والمحتجين الذين خرجوا إلى الشوارع، يبدأ نقاش ملف التعديلات القضائية بالدخول إلى أروقة المحاكم، حيث تنعقد المحكمة العليا بكامل هيئتها المكوّنة من 15 قاضياً لأول مرة منذ إقامتها، على رأسهم رئيسة المحكمة القاضية إستير حيوت.
وصدّقت الهيئة العامة للكنيست بأصوات أعضاء الائتلاف الحكومي، في شهر يوليو/ تموز الماضي، على القانون الذي يعتبر أحد القوانين الأساسية ضمن خطة الحكومة لتقويض القضاء، التي يقودها وزير القضاء ياريف ليفين، منذ تشكيل الحكومة الحالية بزعامة بنيامين نتنياهو، مطلع العام الجاري.
ما هو مشروع "حجة المعقولية"؟
يتعلق مشروع القانون بتعديل من شأنه أن يحد من قدرة المحكمة العليا على إبطال قرارات الحكومة والوزراء حال اعتبارها "غير معقولة"، ومن ضمن القرارات التي يتناولها القانون، تعيين أصحاب مناصب أو الامتناع عن تنفيذ أوامر وقرارات يتوجب القيام بها، لأنهم لا يرغبون في ذلك أو لأنها لا تخدم مصالحهم أو تضر بمقربين منهم أو لأي سبب آخر.
ويقول المؤيدون إنّ هذا سيسمح بحوكمة أكثر فعالية، ويترك للمحكمة في الوقت نفسه مجالاً واسعاً للرقابة القضائية، فيما يعتبر المعارضون أن التعديلات ستفتح الباب أمام الفساد، وإساءة استخدام السلطة في إسرائيل.
هل شطبت المحكمة العليا أي قانون أساس من قبل؟
لم تشطب المحكمة العليا أي قوانين أساس من قبل، وهي القوانين التي تتمتع بمكانة دستورية في ظل غياب دستور في إسرائيل. وعلى مر السنوات الماضية، اعتبر القضاة أن هذه الإمكانية، في حال تم اللجوء إليها، تكون فقط في حالات متطرفة جداً.
في غضون ذلك، لم يتعهد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ومعظم الوزراء باحترام قرار المحكمة بشأن القانون.
وكرر نتنياهو في الآونة الأخيرة أنه يتوقع من المحكمة عدم شطب القانون، واحترام التوازن والفصل بين السلطات، علماً أن هذا القانون هو جزء من سلسلة قوانين تهدف إلى تقويض القضاء.
ما هي النقاط المركزية في الطعون المقدمة؟
تنقسم الادعاءات التي تقوم عليها الالتماسات إلى نوعين: ادّعاءات إجرائية، وهي الادّعاءات التي تتعلق بالطريقة التي تم بها الإجراء الدستوري. وادعاءات جوهرية، تتعلق بمضمون ومعنى التعديل، وصلاحيات كل من الكنيست والمحكمة العليا، والعلاقة بين السلطات المختلفة، وسلطة القانون، وحقوق الإنسان، وغيرها.
وتركّز الالتماسات المقدّمة إلى المحكمة ضد القانون على أنه يمس بصلاحيات السلطة القضائية واستقلالية القضاء ومبدأ الفصل بين السلطات، ولذلك فإن الطعون تعتقد أن القانون "يمس بجوهر إسرائيل وقيامها كدولة ديمقراطية". كما تتعلق بعض الطعون بالطريقة التي تم إقرار القانون فيها، معتبرة أن الإجراءات لم تكن سليمة.
وتضيف الجهات المتقدمة بالطعون أن التعديل الذي أجراه الائتلاف الحاكم سيغيّر جوهر السلطة القضائية تماماً، وسيفصلها عن جزء كبير من تحركات وقرارات الحكومة، ما يمنح الأخيرة حصانة من المراجعة القضائية، بحيث يوفّر لها ذلك سلطة مطلقة.
كما تنص بعض الطعون على أن قانون إلغاء حجة "المعقولية" يزيد احتمالات محاكمة الجنرالات والجنود والمسؤولين الإسرائيليين في المحاكم الدولية بارتكاب جرائم حرب وقضايا أخرى، ذلك لأن العالم سينظر إلى جهاز القضاء الإسرائيلي على أنه لم يعد مستقلاً.
ما هو موقف المستشارة القضائية للحكومة؟
تعارض المستشارة القضائية للحكومة الإسرائيلية غالي بهراف ميار قوانين تقويض القضاء، إذ طالبت المحكمة العليا بشطب القانون الذي يلغي حجة "المعقولية"، وهو ما عرَّضها أيضاً لانتقادات شديدة من قبل مسؤولين في الائتلاف الحكومي وصلت إلى حدّ التهديدات المبطنة من قبل داعمي القانون.
وبسب موقفها لن تمثّل بهراف ميار الحكومة في القضية، بل سيمثلها محامٍ خاص، بسبب الخلافات حول القانون وصلت إلى حد التلميحات بالرغبة بفصلها.
وكتبت بهراف ميارا في موقفها بشأن الالتماسات أنه "لا مفر من إبطال القانون" الذي يلغي حجة المعقولية، موضحةً أنه يضر بمكانة السلطة القضائية، ويسهّل تحقيق انقلاب سلطوي يهدف إلى إزالة القيود القانونية المفروضة على قوة الحكومة.
وتوضح المستشارة القضائية للحكومة أن حجة "المعقولية" هي حجر الزاوية في الحفاظ على سيادة القانون وحقوق الإنسان ونقاء أخلاق الحكومة، فضلاً عن حماية هذه المبادئ من المصالح السياسية الضيقة.
واعتبرت أن قانون إلغاء حجة المعقولية يغلق أبواب المحاكم أمام أي شخص أو مجموعة متضررة، لكون الحكومة أو أي من وزرائها تصرفوا ضدهم بشكل غير معقول بتاتاً، في أي سياق كان، كما أشارت إلى أن القانون الجديد يضر بمكانة السلطة القضائية.
ما هو موقف الحكومة من عقد الجلسة؟
رفضت المحكمة طلبات الحكومة الإسرائيلية ورئيسها بنيامين نتنياهو، ووزير القضاء ياريف ليفين، من خلال المحامي الخاص الذي يمثلهم، بإرجاء الجلسة.
وتعتبر الحكومة بمختلف مكوناتها أنه لا يحق للمحكمة العليا التدخل بقوانين أساس أو إلغائها، مدعية أن هذا الموقف "يستند إلى مبدأ سلطة الشعب، ومبدأ سلطة القانون، ومبدأ سلطة الفصل بين السلطات"، وغيرها.
ولطالما ادّعت الحكومة منذ انطلاق التعديلات القضائية أنها يجب أن تكون صاحبة القرارات على اعتبار أنها منتخبة من الشعب، وليس للمحكمة العليا أي سلطة بذلك لأن الشارع الإسرائيلي لم ينتخبها، على حد تعبير الحكومة.
وردت الحكومة بأن المراجعة القضائية لقوانين الأساس "قد تؤدي الى فوضى"، ويؤيد قسم الاستشارة القضائية للكنيست موقف الحكومة بعدم شطب القانون الجديد، على خلاف موقف المستشارة القضائية للحكومة التي تطالب بإبطاله.
في غضون ذلك، قال رئيس الكنيست النائب أمير أوحانا (عن حزب الليكود)، قبل أيام، إنّ "الكنيست لن يسمح لأن يتم الدوس عليه"، في رسالة واضحة للقضاة بعدم شطب القانون.
ما هي الإجراءات الأمنية التي سيتم اتخاذها بخصوص الجلسة؟
تزامناً مع بدء الجلسة، شُدّدت الحراسة على مبنى المحكمة، وكذلك على القضاة، في ظل تصاعد لهجة التهديد والوعيد في الأيام الأخيرة تجاههم، من قبل معارضي إبطال القانون الذي ألغى حجة "المعقولية".
وتلاقي الجلسة اهتماماً إعلامياً كبيراً، وتُنقل جلسة المحكمة عبر بث مباشر عبر موقع المحاكم، وذلك لخصوصيتها، رغم أن القرار بشأن الالتماسات لن يصدر اليوم، ومن المرجح أن يصدر بعد بضعة أسابيع.
ما الذي يحدث خارج أسوار المحكمة؟
في الوقت الذي تتجه فيه الأنظار إلى المحكمة العليا، استُؤنفت الاتصالات بين رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، ورئيس حزب "همحانيه همملختي" (المعسكر الرسمي) بيني غانتس، أمس الاثنين، حول مقترح لتليين "التعديلات القضائية" التي يقودها الائتلاف الحاكم، والتوصل إلى تسوية بين الأطراف.
ويجري نتنياهو وغانتس محادثات غير مباشرة بوساطة ديوان الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، الذي يعمل على صياغة مخطط توافقي للخروج من الأزمة.