بدا "التفاؤل" الذي عبّر عنه مصدر في حماس بشأن فرص التوصل إلى اتفاق رزمة للتهدئة الشاملة مع إسرائيل نهاية الشهر الحالي، كما نقلت ذلك عنه وكالة الأنباء التركية "الأناضول"، مبالغاً فيه إلى حد كبير. ولعل أكثر ما عكس المبالغة في التفاؤل حقيقة أن المصدر تحدث عن أن "اتفاق الرزمة العتيد سيشمل التوقيع على صفقة تبادل أسرى، مرجحاً أن يتم إنجاز الصفقة نهاية الشهر الحالي". غير أنه في الوقت الذي يتسابق فيه الوزراء الإسرائيليون في التأكيد على أن الجهود الهادفة للتوصل إلى مسار التهدئة لن يكتب لها النجاح حال لم تفض إلى إنهاء ملف الأسرى الإسرائيليين لدى حماس، فإنه يكاد يكون من المستحيل جسر الهوة في المواقف بين حماس وإسرائيل إزاء شروط هذه الصفقة.
فحماس تصرّ على مبادلة ما لديها من أسرى إسرائيليين بعدد كبير من الأسرى الفلسطينيين، لا سيما من ذوي المحكوميات العالية، المدانين بشكل خاص بقتل جنود للاحتلال ومستوطنيه؛ في حين ترفض إسرائيل بشكل مطلق الإفراج عن مثل هؤلاء الأسرى، وأكثر ما يمكن أن توافق عليه هو إطلاق سراح أسرى من أصحاب المحكوميات المنخفضة أو المدانين بقتل عملاء للاحتلال.
وتشكل المواقف التي عبّرت عنها عائلة الضابط هدار غولدين، الذي تأسره حركة حماس، عائقاً رئيساً أمام فرص التوصل إلى صفقة أسرى، والعائلة تقود الاحتجاجات الجماهيرية المطالبة بالعمل على الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين، وتحثّ حكومة نتنياهو على الضغط على حماس للإفراج عنهم من خلال جباية أثمان من الحركة ومن الفلسطينيين في قطاع غزة وليس من خلال صفقة تبادل الأسرى.
فعائلة غولدين، التي تنتمي إلى التيار الديني القومي المتطرف، كانت وراء إجبار الجيش على منع المرضى الفلسطينيين الذين تربطهم أية صلة قرابة بقيادات أو عناصر في حركة حماس من المرور عبر معبر "إيرز" لتلقي العلاج في إسرائيل أو الضفة الغربية، وهو ما أسهم في تدهور أوضاع هؤلاء المرضى، لا سيما مرضى السرطان.
إلى جانب ذلك، فإن لجنة شكلتها الحكومة الإسرائيلية، في أعقاب صفقة "وفاء الأحرار" التي تم بموجبها إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي جلعاد شليت، الذي كان أسيراً لدى حماس، مقابل ألف من الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، قد أوصت في حينه بأن "يتم إطلاق سراح أسير فلسطيني واحد مقابل كل جندي أسير لدى المقاومة". وعلى الرغم من أن هذه التوصية غير ملزمة، إلا أنها تمثل وقوداً إضافياً للجهات التي تعارض التوصل إلى صفقة تبادل مع حماس.
ونظراً لأن كل المؤشرات تدل على أن قراراً بتبكير الانتخابات التشريعية قد يتخذ في غضون شهرين بسبب الخلافات بين داخل الحكومة بشأن قانون يتعلق بتجنيد أبناء التيار الديني الحريدي للجيش، فإن إدراك رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أن إجراء هذه الانتخابات يمكن أن يتم في الشتاء أو الربيع المقبلين، سيجعله يتردد أكثر قبل التوصل إلى صفقة تبادل أسرى مع حماس.
ومما يقلص هامش المناورة أمام نتنياهو حقيقة أن رفض التوصل إلى صفقة تبادل مع حماس لا ينحصر في قوى اليمين، بل يتعداه إلى قوى المعارضة والنخب الإعلامية، التي تدعي أن الإفراج عن أسرى أدينوا بقتل جنود ومستوطنين يمسّ بقوة الردع الإسرائيلية ويغري المقاومة الفلسطينية بمواصلة محاولاتها لتنفيذ مزيد من عمليات الاختطاف لمبادلة ما تبقّى من أسرى. ويحاجج المعارضون للصفقة بأن إسرائيل تنقل رسالة بالغة السوء من خلال إطلاق سراح أسرى ضمن صفقات تعقدها مع تنظيمات تصنفها إرهابية مثل حماس، في حين أنها ترفض إطلاق سراح أسرى ضمن اتفاقات مع السلطة الفلسطينية، ما يعزز مكانة حركة حماس في الساحة الفلسطينية ويبرز إسرائيل ككيان لا يفهم إلا لغة القوة.
وفي حال تعثر الاتفاق على صفقة تبادل أسرى، فإن هذا يعني أن إسرائيل لن توافق على الشروع في تنفيذ مشاريع البنى التحتية التي تؤسس لإحداث تحول كبير على الواقع الاقتصادي والإنساني في القطاع، وهذا ما قد يفضي إلى إفشال الجهود التي تبذل حالياً لإنجاز مسار التهدئة.