هل ينجح "الانتقالي" في تضمين القضية الجنوبية بالمفاوضات اليمنية؟

28 ديسمبر 2023
مقاتلو "الانتقالي الجنوبي"، عدن، 2021 (صالح العبيدي/ فرانس برس)
+ الخط -

رغم إعلان عدد من الأطراف اليمنية ترحيبها بالبيان الصادر عن المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، السبت الماضي، والخاص بوضع خريطة طريق تنهي الحرب المندلعة منذ ما يقرب من تسع سنوات في اليمن، وتؤسس لعملية سياسية شاملة برعاية الأمم المتحدة، إلا أن بعض هذه الأطراف لها مطالبها الخاصة، والتي ترى ضرورة مناقشتها في أي حل سياسي مقبل.

ويُعدّ "المجلس الانتقالي الجنوبي" من أبرز الأطراف السياسية الفاعلة على الأرض من خلال خضوع غالبية المدن الجنوبية المحررة من الحوثيين لسيطرته، بما فيها العاصمة المؤقتة عدن، إلى جانب ثقله السياسي داخل الحكومة المعترف بها دولياً، فلديه ثلاثة أعضاء من أصل ثمانية في مجلس القيادة الرئاسي، وخمسة وزراء من أصل 24 في الحكومة.

ويرى "المجلس الانتقالي" أن العملية السياسية المزمع الاتفاق عليها لن تلبي طموحاته ما لم تناقش قضية شعب الجنوب وحقه في الاستقلال، وهي القضية الرئيسية التي يتبناها المجلس، والذي يطالب باستعادة الدولة الجنوبية بحدود عام 1990، والتي وحّدت جزءي اليمن الشمالي والجنوبي.

استئناف عملية سياسية في اليمن

وأعلن غروندبرغ، في بيان لمكتبه مساء السبت الماضي، التزام الأطراف اليمنية بمجموعة من التدابير تشمل تنفيذ وقف إطلاق نار يشمل عموم اليمن، وإجراءات لتحسين الظروف المعيشية في البلاد، والانخراط في استعدادات لاستئناف عملية سياسية جامعة تحت رعاية الأمم المتحدة.

ورحّب غروندبرغ بالخطوة بعد سلسلة اجتماعات مع الأطراف في الرياض ومسقط، بما في ذلك مع رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، وكبير مفاوضي جماعة الحوثيين، محمد عبد السلام.

وأضاف أنه سيعمل مع الأطراف في المرحلة الراهنة لوضع خريطة طريق تحت رعاية الأمم المتحدة تتضمن هذه الالتزامات وتدعم تنفيذها، مشيراً إلى أن خريطة الطريق هذه ستشمل، من بين عناصر أخرى، التزام الأطراف بتنفيذ وقف إطلاق النار على مستوى اليمن ودفع جميع رواتب القطاع العام، واستئناف صادرات النفط، وفتح الطرق في تعز وأجزاء أخرى من اليمن، ومواصلة تخفيف القيود المفروضة على مطار صنعاء وميناء الحديدة.

وأوضح كذلك أنها ستنشئ أيضاً آليات للتنفيذ وستعد لعملية سياسية يقودها اليمنيون برعاية الأمم المتحدة.

وتابع: "ثلاثون مليون يمني يراقبون وينتظرون أن تقود هذه الفرصة الجديدة إلى تحقيق نتائج ملموسة والتقدم نحو سلام دائم. لقد اتخذت الأطراف خطوة هامة. إن التزامهم هو، أولاً وقبل كل شيء، هو التزام تجاه الشعب اليمني بالتقدم نحو مستقبل يلبي التطلعات المشروعة لجميع اليمنيين. ونحن على استعداد لمرافقتهم في كل خطوة على الطريق".

وفي بيان الاثنين الماضي، رحب "الانتقالي الجنوبي" بـ"الجهود المبذولة من الأشقاء في المملكة العربية السعودية وسلطنة عُمان، الرامية إلى إيقاف الحرب في اليمن".

ورحّب "بأي جهود سلام بعد أن يتم استكمال المشاورات مع جميع الأطراف الفاعلة لضمان تحقيق عملية سياسية شاملة وناجحة". وشدّد على ضرورة وجود عملية سياسية لحل قضية شعب الجنوب من خلال تضمين القضية في المسار التفاوضي الذي سترعاه الأمم المتحدة.

أوراق قوة للمجلس الانتقالي الجنوبي

الصحافي اليمني المقرّب من "المجلس الانتقالي"، عمار علي أحمد، رأى في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "المجلس يمتلك أهم وأقوى الأوراق من بين القوى ضمن معسكر الشرعية"، معتبراً أنه "يتكئ على قضية سياسية وشعبية وهي القضية الجنوبية".

وأضاف أن هذه القصية "تشكلت عقب اجتياح الجنوب عام 1994، وعلى نضال طويل لهذه القضية انطلق مع الحراك الجنوبي عام 2007، والذي مثّل النواة لوجود مقاومة جنوبية شرسة تمكنت عام 2015 من التصدي لمليشيات الحوثيين و(قوات الرئيس علي عبد الله صالح آنذاك) وتمكنت من دحرها من خريطة الجنوب الجغرافية".

وقال إن "هذه المقاومة شكلت لاحقاً النواة للتشكيلات العسكرية والأمنية الموجود حالياً على الأرض، والتابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي".

وأشار أحمد إلى أن "القوات التابعة للانتقالي تسيطر على غالبية خريطة الجنوب، باستثناء محافظة المهرة ووادي حضرموت"، مضيفاً أن "هذه السيطرة تجعل من الانتقالي رقماً صعباً لا يمكن تجاوزه في أي تسوية سياسية مقبلة".

وتابع: "كان رئيس المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي واضحاً في خطابه الأخير (20 ديسمبر الحالي) في عدن، حين قال إنه لا سلام في اليمن والمنطقة من دون حل القضية الجنوبية باستعادة دولة الجنوب، والعودة إلى ما قبل عام 1990".

أحمد: الزبيدي كان واضحاً بقوله إنه لا سلام في اليمن والمنطقة من دون حل القضية الجنوبية

ولفت إلى أن "الانتقالي لا يهمه إن كان سيشارك في المفاوضات بصفة مستقلة أو ضمن مجلس الرئاسة، بقدر ما يهمه تمكنه من فرض إطار أو بند خاص للقضية الجنوبية ضمن مفاوضات التسوية السياسية".

وأضاف أن "هذا الإطار يتولى المفاوضات فيه وفد جنوبي مفاوض، وليس بالضرورة أن يكون من الانتقالي، بل يمكن إشراك مكونات جنوبية أخرى، كما قال الزبيدي في خطابه الأخير".

وعزا أحمد عدم طرح "الانتقالي" لرؤية حول حل القضية الجنوبية حتى الآن، إلى أنه "يرى الحل يتلخص ببساطة في مفاوضات سياسية تشرف عليها الأمم المتحدة والإقليم، تنتهي بفك الارتباط والعودة إلى وضع ما قبل عام 1990".

وأوضح أن "الانتقالي لا يرى القضية الجنوبية قضية حقوقية أو مطلبية أو قضية خلافية بين مكونات في إطار دولة واحدة حتى تكون هناك رؤية للحل، بل يراها قضية دولة مستقلة دخلت بوحدة طوعية مع دولة أخرى، فيما أُلغي ذلك وأُعلن عن عودة الدولة الجنوبية في إبريل/نيسان 1994، إلا أنها تعرضت للغزو والاحتلال بالقوة".

وبرأي أحمد، فإنه "رغم صوابية هذا الطرح إلا أن الأمر ليس بهذه السهولة، فحتى لو تم التوافق على فك الارتباط ومنح الجنوبيين حق استعادة دولتهم، لا بد من رؤية وبرنامج"، مضيفاً أن "الأمر أعقد بكثير، وحجم التشابك والتعقيد في الملف اليمني كبير جداً، خصوصاً إذا تحدثنا عن الوحدة باعتبارها حدثاً جرى قبل أكثر من 33 عاماً".

المجلس الانتقالي الجنوبي يعيش وقتاً عصيباً

من جهته، قال الباحث اليمني في مركز صنعاء للدراسات مراد العريفي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "المجلس الانتقالي الجنوبي لا يملك أي أوراق لفرضها، لسببين: الأول أن مسار المفاوضات يجري بين الحوثيين والسعودية بشكل مباشر بعيداً عن المجلس والحكومة الشرعية بشكل أساسي، والثاني أن المجلس سيكون ملزماً بما تلتزم به الحكومة التي يُعد جزءاً منها".

وأوضح أنه "لا يمكن أن يذهب الانتقالي بشكل مستقل في هذه المفاوضات، خصوصاً أن جماعة الحوثيين، وهي الطرف الأقوى على طاولة التفاوض كانت ترفض الجلوس مع الحكومة"، معتبراً أن الجماعة لن تقبل "بالمجلس نداً لها".

ورجّح أن يضغط "المجلس الانتقالي" في الملف المتعلق بموارد النفط والغاز التي تقع تحت سيطرته، لافتاً إلى أن "هذا الضغط لن يتعدى التهديدات، لأن الاتفاق الأخير دفعت به السعودية وقدّمت تنازلات كثيرة لجماعة الحوثيين".

ويعتقد العريفي "أن المجلس ليست لديه الجرأة للاعتراض على الاتفاق إلا في حال وقفت الإمارات خلفه". وتابع: "لكن يبدو أن أبوظبي والرياض توصلتا أخيراً إلى نقاط مشتركة في اليمن بعد أشهر من الصدام".

العريفي: يضغط "المجلس الانتقالي" في الملف المتعلق بموارد النفط والغاز

وأشار العريفي إلى أن "المجلس الانتقالي يعيش وقتاً عصيباً، فهو فشل في أن يكون رقماً مهماً في الحكومة اليمنية، ولم يستطع الذهاب في مشروعه المتعلق باستعادة دولة الجنوب، وظل يراوح في هذه المنطقة الرمادية، بينما هذه المفاوضات تجاوزته تماماً، وهذا يعود بشكل كبير إلى دولة الإمارات الداعمة له". ورأى أن "مسار المجلس سيكون واضحاً في حال شنت جماعة الحوثيين هجوماً باتجاه المناطق الخاضعة له، حينها سيكون قد اتخذ قراراً بالذهاب بعيداً في سبيل تحقيق مشروعه، وبالتالي سيكون للقوة على الأرض قول آخر". 

المساهمون