بالتزامن مع قرب موعد الانتخابات الرئاسية الليبية المقررة أواخر العام الحالي، تبدو حظوظ اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر في وضع سيئ بعد نهاية مشروعه العسكري، وفي ظل تراجع واضح في مواقف داعميه السابقين محليا ودوليا، وكذا تصاعد الدعوات لتدويل الملفات الجنائية التي تورط فيها باعتبار عجز السلطات المحلية عن فتحها، فضلاً عن حسمها، بسبب الوضع السياسي المتشابك بتعقيدات المرحلة الحالية الخاصة بتهيئة الأوضاع لإجراء الانتخابات.
وأعلن حفتر، أواخر الشهر الماضي، تكليفه من يسمى "رئيس الأركان العامة" الفريق عبد الرزاق الناظوري بمهام منصب "القائد العام" بالمليشيات التابعة له، وذلك لمدة ثلاثة أشهر حتى 24 ديسمبر/ كانون الأول المقبل (يوماً بعد إجراء الانتخابات الرئاسية المنتظرة)، في خطوة على ما يبدو لتحقيق حلمه القديم بالترشح للانتخابات الرئاسية.
ويحاول حفتر الحصول على الحصانة الرئاسية من خلال الانتخابات، بعدما فشل في ذلك عبر تزوير خطاب حكومي ليبي يشهد بتوليه مهام عسكرية ورئاسية، أكدت وزارة الدفاع بحكومة الوحدة الوطنية عدم صحته في الأول من الشهر الجاري.
ومنذ إطلاق حفتر أولى عملياته العسكرية منتصف عام 2014 في بنغازي، وصولا إلى عدوانه في 4 إبريل/ نيسان 2019 على العاصمة طرابلس، الذي انتهى بالفشل، ظهرت لسطح الأحداث العديد من الجرائم والانتهاكات المتصلة بحروبه وطموحه لحكم البلاد بقوة السلاح.
يحاول حفتر الحصول على الحصانة الرئاسية من خلال الانتخابات، بعدما فشل في ذلك عبر تزوير خطاب حكومي ليبي يشهد بتوليه مهام عسكرية ورئاسية
ويتهم حفتر بمحاصرة حي قنفودة في بنغازي عبر المليشيات الموالية له، وقطع الماء والغذاء عن سكان الحي عدة أشهر حتى قضى المئات منهم، وكذا الجثث التي عثر عليها في شارع الزيت في بنغازي، التي وصل عددها في بعض الحالات إلى 26 جثة في مرة واحدة، ومجازر ارتكبتها مليشياته في براك الشاطئ ومرزق، في الجنوب الليبي.
كما برزت إلى السطح مجازر عنيفة بحق أهالي مدينة ترهونة، جنوبي طرابلس، التي اتخذها قاعدة لانطلاق مليشياته أثناء العدوان على طرابلس، كشفتها عشرات المقابر الجماعية بعد انسحابه منها في يونيو/ حزيران العام الماضي.
كل هذه المحطات في رحلة حفتر العسكرية، يبدو أنها وصلت إلى محطتها الأخيرة مع إقرار مجلس النواب الأميركي"قانون استقرار ليبيا" نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي، وعززها تحريك دعاوى قضائية ضده في محاكم فرجينيا الأميركية، التي كان يقيم فيها حفتر وتحصل خلالها على الجنسية الأميركية، وسط تصاعد دعوات أخرى من داخل ليبيا تطالب بفتح قضية المقابر الجماعية في ترهونة، وإحالتها الى المحكمة الجنائية الدولية إذا لم يمثل مرتكبوها أمام القضاء الليبي.
كما أن القضايا التي رفعتها عدة أسر ليبية أمام القضاء في محاكم فرجينيا تسير في طريقها إلى الحسم، وآخرها رفض المحكمة مزاعم "الحصانة الرئاسية" التي ادعاها حفتر للهروب من مطالبها بالمثول أمامها للتحقيق في اتهامات تورطه في جرائم وانتهاكات جنائية بحق أسر ليبية في حي قنفودة في بنغازي، بل وتهديد المحكمة بالحكم عليه غيابيا إذا تخلف عن طلبها المثول للتحقيق معه.
وبالتزامن مع إقرار مجلس النواب الأميركي "قانون استقرار ليبيا"، تقدم النائبان الأميركيان توم مالينوفسكي وتيد ليو بمشروع تعديل على "قانون تفويض الدفاع الوطني"، يقضي بمطالبة وزارتي الخارجية والعدل الأميركيتين بـ"مراجعة جرائم الحرب والتعذيب التي ارتكبها مواطنون أميركيون في ليبيا من أجل الملاحقة القضائية المحتملة"، بحسب تصريح مالينوفسكي لقناة "الحرة" الأميركية.
وحيال هذا المقترح، نقلت "الحرة" عن الكاتبين الأميركيين ديبرا كاغن وساشا توبريتش توضيحهما أن تمرير مثل هذه التعديلات، بالإضافة لـ"قانون استقرار ليبيا"، "يطاول المواطن الأميركي الليبي خليفة حفتر، قائد مليشيات عسكرية في بنغازي شرقي ليبيا، والذي يتطلع الآن إلى الترشح للرئاسة الليبية".
وفيما أشار الكاتبان الأميركيان إلى بطش حفتر وقبضته الحديدية في الشرق الليبي، أوضحا أن الكونغرس الأميركي "يساعد الليبيين عبر هذا التشريع وعبر قانون استقرار ليبيا، وسيكون لزاماً على الإدارة الأميركية، بعد إقرار القانون، أن تعاقب خليفة حفتر وتهمشه، لأنه يُعيقُ أيّ تقدم نحو الديمقراطية في ليبيا".
في الأثناء، طالب 56 من النواب الليبيين، في بيان مشترك مساء أمس الخميس، بضرورة مثول مرتكبي جرائم المقابر الجماعية في ترهونة أمام القضاء الليبي، وفي حال تعذر ذلك، رفعها أمام المحكمة الجنائية الدولية، في خطوة أخرى توسع دائرة الاتهامات المحيطة بحفتر وتتجاوز جرائمه في حي قنفودة إلى قضايا أخرى، منها قضية مقابر ترهونة.
ووصف النواب واقعة المقابر الجماعية في ترهونة بأنها "أعمال إرهابية"، معبرين عن صدمتهم "مما شاهدوه من أعمال يرقى تصنيفها إلى جرائم ضد الإنسانية". كما أبدوا استغرابهم لما وصفوه بالصمت الدولي "تجاه هذه الجرائم وعدم إدانتها وتتبع مرتكبيها وتوثيقها"، بالإضافة إلى عدم مساعدة "مدينة ترهونة في التعامل مع هذه الحالة الاستثنائية".
كما حمل البيان المسؤولية الأخلاقية والقانونية لكل الجهات المعنية، بمن فيها رئاسة مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة والمجلس الرئاسي والحكومة ومنظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية، مؤكداً أن ما تمر به مدينة ترهونة "أمر جلل وفاجعة بكل المقاييس، ونؤكد أن تتحمل كافة الجهات والمجتمع في ليبيا جريرة هذه الأعمال الإرهابية".
والأربعاء الماضي، أعلنت "الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين" الحكومية الكشف عن خمس مقابر جماعية جديدة، عثر عليها في مكب للقمامة في ترهونة، وانتشال 25 جثة من داخلها، لتضاف إلى سلسلة من المقابر الجماعية التي تم الكشف عنها في السابق، وتجاوز عدد الجثث التي عثر عليها داخلها 150 جثة.
وبعدما فصل مجلس النواب قانون الانتخابات الرئاسية على مقاس حفتر، حذر الصحافي المقرب منه محمود المصراتي من فشل مسبق لهذه المحاولة أيضا.
وخلال فيديو متداول على منصات التواصل الاجتماعي، ظهر المصراتي متهماً من يدير المكتب السياسي في الرجمة (مقر حفتر قرب بنغازي) بـ"الخيانة"، متسائلا: "أين الحملة الانتخابية للمشير حفتر ووقت الانتخابات لم يتبقَّ عليه إلا أقل من ثلاثة أشهر.. لا شيء على الأرض".
وكنتيجة مستبقة لفشل خيار الانتخابات بالنسبة حفتر، كشف المصراتي عن حديث داخل الرجمة حول "خروج آمن" لحفتر، في إشارة إلى وجود مفاوضات بين حفتر وأطراف دولية وإقليمية لتنحيه عن المشهد مقابل نجاته من الملاحقات، لا سيما بعد إقرار مجلس النواب الأميركي "قانون استقرار ليبيا".
وبدت علامات التخلي الدولي عن حفتر واضحة، ليس لدى العواصم الإقليمية والدولية التي قدمت له الدعم العسكري والسياسي طيلة السنوات الماضية وتراجع مواقفها لاحقا، بل خلال مساعيه للاستفادة من شركات الضغط الدولية لتحسين صورته أيضا.
وذكر موقع "أفريكا أنتليجنس" الاستخباراتي، في السادس من الشهر الجاري، أن شركتي ضغط أميركيتين، واحدة تابعة للاني ديفيس مساعد الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون، والثانية لبوب ليفينغستون الجمهوري البارز سابقا، قد تخلتا عن عقود وقعها معها حفتر للترويج له في الدوائر الأميركية من أجل دعمه في الانتخابات الليبية المقبلة، على خلفية ضغوط أميركية تتعلق بضرورة توضيح مصدر أموال حفتر لوزارة العدل الأميركية.