تفصل إيران عن استحقاقها الرئاسي الـ13 لانتخاب رئيسها الثامن نحو سبعة أشهر. لكن النشاط الانتخابي بدأ، منذ فترة، يركّز عليه التيار المحافظ أكثر من غيره، فيما لم يبد الإصلاحيون اهتماماً كبيراً، إلا أنهم أيضاً بعد فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن بالرئاسة الأميركية أصبحوا يولون اهتماماً بالأمر ولو بشكل أقل من المحافظين. وذلك وسط توقعات بأن مجيء بايدن من شأنه أن يترك أثراً على المعادلة الانتخابية في إيران، وتحديداً إذا أرادت الدخول مرة أخرى في المفاوضات مع أميركا، وهو احتمال مرجح.
إلى ذلك، فإن موضوع الانتخابات الرئاسية المقبلة في إيران، المزمع إجراؤها في 18 يونيو/حزيران 2021، بات حديث الساعة في الأوساط الإعلامية الإيرانية، أصولية (محافظة) كانت أو إصلاحية. وأحد أهم المواضيع الساخنة هو ترشح العسكر في هذه الانتخابات، إثر تكهنات مرجحة بمشاركة عدد من قادة الحرس الثوري في السباق.
لم يدخل دهقان السباق الانتخابي من بوابة الاصطفافات السياسية المألوفة في البلاد، بين المحافظين والإصلاحيين
وعليه، بينما كان الإعلام الإيراني، المحافظ والإصلاحي، منشغلاً بسجال وتراشق حول هذا الموضوع، فجّر مستشار المرشد الإيراني للصناعات الدفاعية، الجنرال حسين دهقان، قنبلته، الثلاثاء الماضي، بالإعلان أنه يعتزم الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، وهو أول شخصية إيرانية تعلن هذا الأمر. وهنا ليس واضحاً بعد إن كان هذا الترشح يحمل في طياته رسائل ضغط معينة من إيران إلى الرئيس الأميركي الفائز.
دهقان، البالغ من العمر 64 سنة، عمل مع ثلاثة رؤساء إيرانيين، إصلاحيين ومحافظين و"معتدلين". وكان نائباً لوزير الدفاع في عهد الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي، ورئيس مؤسسة "الشهيد والفدائيين" في حكومة الرئيس المحافظ محمود أحمدي نجاد، ووزيراً للدفاع في الولاية الأولى للرئيس "الاعتدالي" حسن روحاني. وفضلاً عن أنه كان أيضاً أحد أبرز قادة الحرس الثوري الإيراني، فقد تولى لفترة قيادة السلاح الجوي في الحرس، وشغل أيضاً منصب نائب رئيس الأركان العامة لهذه المؤسسة العسكرية، علاوة على توليه مناصب أخرى. كما كان له دور مهم أيضاً في تطوير الصناعات العسكرية الإيرانية، قبل أن يصبح مستشار خامنئي للصناعات الدفاعية منذ عام 2017.
الجنرال دهقان أكاديمي حاصل على الدكتوراه في الإدارة من جامعة طهران، وعمل في سلك التدريس في عدة جامعات عسكرية ومدنية، خلال العقد الأخير. وأدرجته الخزانة الأميركية، إلى جانب 9 أشخاص آخرين من المقربين لخامنئي، على قائمة العقوبات في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2019. واتهمت الإدارة الأميركية دهقان بالضلوع في تفجير مقر المارينز في بيروت عام 1983، عندما كان قائد قوات الحرس الثوري في لبنان وسورية، بحسب البيان الأميركي.
لم يدخل دهقان السباق الانتخابي من بوابة الاصطفافات السياسية المألوفة في البلاد، بين المحافظين والإصلاحيين، فلم يتبن ترشحه أي تيار سياسي في البلاد بعد، رغم ترحيب التيار المحافظ بترشيح العسكريين. كما قدّم دهقان، في مقابلته المتلفزة التي أعلن فيها عن ترشحه، نفسه "رجلاً وطنياً وثورياً" جاء لتحقيق "أهداف ومصالح النظام والثورة"، مؤكداً أنه لا ينتمي إلى العناوين السياسية الأصولية والإصلاحية.
ترى تيارات محافظة متنفذة أن وجود رئيس بخلفية عسكرية من شأنه أن يحل مشاكل البلاد
وسخّن إعلان الجنرال الإيراني ترشحه سوق الحديث عن ترشح العسكريين في إيران، لتركز عليه مجدداً الصحافة الإيرانية، خلال اليومين الأخيرين. علماً بأن دهقان ليس العسكري الوحيد الذي يترشح للرئاسة الإيرانية، حيث سبق أن ترشح خلال الدورات السابقة، ثلاثة عسكريين كبار، هم الأميرال علي شمخاني وزير الدفاع السابق وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي راهناً، والجنرال محسن رضائي القائد العام الأسبق للحرس وأمين مجلس تشخيص مصلحة النظام حالياً (ثلاث مرات)، ورئيس البرلمان الحالي محمد باقر قاليباف (ثلاث مرات) الذي كان القائد السابق لقوات الأمن الداخلي وقيادياً بارزاً في الحرس. لكن المرشحين العسكريين الثلاثة لم يفوزوا في أي من الدورات، مع احتمال كبير أن يترشح قاليباف مجدداً للرئاسة المقبلة.
تدافع تيارات محافظة متنفذة عن ترشح العسكريين في الانتخابات الرئاسية، لترى أن وجود رئيس بخلفية عسكرية من شأنه أن يحل مشاكل البلاد، ولذلك تدفع تيارات محافظة بهذا الاتجاه، رغم تراجع حظوظ المواجهة العسكرية بين إيران والولايات المتحدة بعد فوز بايدن. وقال النائب المحافظ مالك شريعتي، في تغريدة على "تويتر" قبل الانتخابات الأميركية بشهرين، إن "حكومة 1400 (2021) تستدعي أن تكون كابينت حرب"، مشيراً إلى أن "الحرب الاقتصادية اليوم أعقد بكثير من الحرب النظامية العسكرية".
لكن الإصلاحيين وشرائح في المجتمع غير مرحبين بذلك، منتقدين هذه المشاركة، ليتهم التيار المحافظ الإصلاحيين ومنابرهم الإعلامية بتخويف الشارع من ترشح العسكريين. وتساءل القيادي البارز في الحرس الثوري والبرلماني السابق، إسماعيل كوثري، في مقابلة مع موقع "خبر أونلاين"، في العشرين من الشهر الحالي، "ماذا فعل العسكريون لتخوفون الشارع منهم؟"، معتبراً أن الحديث عن "الرئيس العسكري حرب نفسية تشن ضد رجال الحرس الثوري".
غير أن الإصلاحيين و"الاعتداليين" يرون في وجود رئيس عسكري "أمراً غير طبيعي" و"هو لزمن غير اعتيادي"، حسب مدير صحيفة "جمهوري إسلامي"، مسيح مهاجري، في افتتاحية الصحيفة، رداً على تصريحات كوثري. وقال معترضاً عليها: "إذا كنا نريد إشعار الرأي العام العالمي أن جمهورية إيران الإسلامية تعيش وضعاً غير طبيعي، والبلاد تعيش ظروف الأزمة، فيجب أن نتجه نحو العسكر ونطلب منهم استلام السلطة. وحينئذ لا حاجة للانتخابات أيضاً، حيث إن العسكريين عادة يستلمون الحكومة والدولة عبر طرق غير الانتخابات".
وفي السياق أيضاً، دعا نائب رئيس البرلمان السابق مرتضي مطهري، الأحد الماضي، العسكريين الراغبين في الترشح للانتخابات الرئاسية بالاستقالة قبل خوض غمارها. وقال إنه "حينئذ يمكنه الترشح، لكن إذا ما ترشح، وهو لا يزال عضواً رسمياً في القوات المسلحة وفاز في الانتخابات، وأصبح لدينا رئيس عسكري، فذلك لا يقدم صورة جيدة عن البلاد". واعتبر أن "مشاركة العسكريين في السياسة، خصوصاً تولي منصب الرئاسة، ليست في مصلحة البلاد".
يرى الإصلاحيون في وجود رئيس عسكري أمراً غير طبيعي
غير أن هناك من ينتقد من الإصلاحيين اتخاذ موقف حاد ضد ترشح العسكر للانتخابات الرئاسية، حيث يقول هؤلاء إن الحرس الثوري أقوى لاعب في الداخل الإيراني، وله تأثيره الكبير في رسم السياسات من خلف الكواليس. وفي ظل هذا الواقع، يتساءل هؤلاء عن سبب رفض تولي رجل عسكري الرئاسة المقبلة. ووسط السجال بين الإصلاحيين والمحافظين في إيران، حول ترشح العسكريين، فيرى المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي أن "علاج مشاكل إيران هو في وجود حكومة شابة وثورية". والمقصود هنا من الحكومة الشابة لا يعني أعمار رئيسها وأعضائها، وإنما أن يكونوا نشطين، لديهم معنويات شبابية، حسب قوله خلال مايو/أيار 2020.
من السابق لأوانه الحديث عن المشهد الانتخابي الرئاسي في إيران، حيث إن الصورة لم تتضح بعد، وأن تطورات الشهور السبعة المقبلة، حتى الانتخابات الرئاسية، هي التي ستكون لها كلمتها الفاصلة في رسم هذا المشهد. والعامل المهم في ذلك، هو وجهة التوتر الإيراني الأميركي خلال هذه الشهور بعد فوز بايدن. وفي حال حصول انفراجة خلال الفترة المتبقية لولاية حكومة روحاني، في العلاقات بين الطرفين وعادا إلى التفاوض، فمن شأن ذلك أن يترك أثره الكبير على المعادلات الانتخابية الإيرانية. إذ إن أمرا كهذا على الأغلب يدفع صناع القرار الإيراني نحو تقديم وجوه معتدلة إلى الأمام، لا يكون لديها موقف ضد التفاوض.
وعموماً، تكتسب الانتخابات الرئاسية الإيرانية عام 2021 أهمية قصوى للجمهورية الإسلامية لاعتبارات عديدة، أهمها الظروف الصعبة التي تواجهها بسبب الأزمة الاقتصادية، وتسجيل أدنى نسبة مشاركة في الانتخابات التشريعية التي أجريت في فبراير/شباط الماضي، وصلت إلى 42.57 في المائة. فضلاً عن أن تركة الرئيس دونالد ترامب أعادت الصراع مع الغرب إلى سابق عهده، قبل الاتفاق النووي المبرم عام 2015، ووضعت الإدارة الأميركية الجديدة أمام واقع صعب لا يمكنها تجاوزه بسهولة إن أرادت. وفيما يهم إيران اليوم رفع العقوبات الشاملة، يبدو أن الأولوية بالنسبة للأوروبيين والأميركيين، حتى في عهد بايدن، هي التوصل إلى اتفاق شامل بديل عن الاتفاق النووي، قبل رفع العقوبات، يلامس جميع الملفات والقضايا العالقة مع إيران، أي البرنامج النووي والبرنامج الصاروخي والدور الإقليمي. غير أن طهران غير مستعدة لهذا الاتفاق الشامل، وترفض أي تفاوض على برنامجها الصاروخي.