طالبت البعثة الأممية في ليبيا جميع الأطراف بـ"تفادي التصعيد والامتناع عن أي عمل يمكن أن يهدد وحدة البلاد ومؤسساتها وسلامة الشعب الليبي"، فيما كشفت مصادر ليبية رفيعة عن قلق كبير يسود الأوساط الليبية حيال بيان "ممثلي برقة" في الحكومة، وإمكانية رجوع سيناريو مقاربات الحل على أساس الأقاليم الليبية.
وهاجم النائب الأول لرئيس الحكومة حسين القطراني رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، متهما إياه بـ"خرق بنود الاتفاق السياسي وخارطة الطريق في قضايا توحيد المؤسسات، والتوزيع العادل لشاغلي مناصبها بين أقاليم ليبيا الثلاثة (طرابلس وفزان وبرقة)"، مهددا باتخاذ "إجراءات تصعيدية يتحمل رئيس الحكومة مسؤولية تبعاتها الخطيرة أمام الشعب الليبي ووحدته، وأمام المجتمع الدولي".
وحمل البيان، الذي أصدره القطراني مساء أمس الأحد، توقيع عدد من وزراء ووكلاء الوزراء وعمداء البلدات بالحكومة، بالإضافة للقطراني، وصدر تحت مسمى "مسؤولي برقة بالحكومة"، واعتبر أن الحكومة "وقعت في مسالك الإدارة الديكتاتورية الفردية والحسابات الشخصية، وإضعاف العمل المؤسسي والتنفيذي"، واتهمها بـ"الفشل في إدارة الاختلاف السياسي"، وإصدار الدبيبة قرارات بـ"شكل فردي دون عرضها باجتماع مجلس الوزراء"، وعدم التزامه تحديد اختصاصات نوابه في رئاسة الحكومة، بالإضافة لـ"احتفاظه بوزارة الدفاع وعدم اتخاذه الإجراءات اللازمة لتسمية وزير للدفاع".
طالبت البعثة الأممية في ليبيا جميع الأطراف بـ"تفادي التصعيد والامتناع عن أي عمل يمكن أن يهدد وحدة البلاد ومؤسساتها وسلامة الشعب الليبي"
وفيما شدد البيان على ضرورة "إعادة المؤسسات والوحدات الإدارية المركزية التي كانت قائمة ببرقة فورًا"، اعتبرت البعثة الأممية البيان بأنه يمكن أن "يعرقل، بشكل مباشر أو غير مباشر، إجراء الانتخابات في 24 ديسمبر".
وقالت البعثة، في بيان لها ليل أمس، إنها أحيطت علما بالإشكاليات الواردة في البيان، ودعت الحكومة إلى "السعي في معالجتها دون تأخير"، كما طالبت جميع الأطراف بـ"الدخول في حوار مباشر وبنّاء بغية إيجاد حلول لجميع المخاوف المستجدة، ومواصلة الالتزام بخارطة الطريق التي أقرّها ملتقى الحوار السياسي الليبي".
وفيما ذكرت البعثة بقرارات مجلس الأمن بشأن "إمكانية النظر في تدابير محتملة بحق الأفراد أو الكيانات التي تعرقل اكتمال الانتقال السياسي في ليبيا"، قالت مصادر ليبية مسؤولة إن المجلس الرئاسي بدأ في اتصالات كثيفة مع القطراني ووكيل وزير الداخلية فرج قعيم، لكونهما أبرز الشخصيات التي كانت وراء بيان "مسؤولي برقة في الحكومة"، بهدف خفض حدة التصعيد، كونه ينسف جهودها الحالية الرامية لعقد مؤتمر دولي لطرح مبادرة استقرار ليبيا، بالإضافة لسعيه لوساطة بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة بشأن التوافق على القوانين الانتخابية.
وأكدت المصادر أن القلق يسود مختلف الأوساط الليبية منذ ليل أمس، مشيرة إلى أن محمد المنفي، رئيس المجلس الرئاسي، والذي يتحدر من الشرق الليبي، سيستضيف لقاء بين الدبيبة ونائبه القطراني في طرابلس قريبا.
وسبق بيان القطراني بيان تداولته وسائل إعلام ليبية يحمل توقيع 12 نائبا في مجلس النواب، طالبوا فيه الحكومة بوقف تدفق النفط وتصديره إذا لم تدفع الحكومة مرتبات مسلحي مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، لكن الناطق الرسمي باسم مجلس النواب عبد الله بليحق لم يؤكد لـ"العربي الجديد" صحة صدور البيان، وعلاقة رئاسة مجلس النواب به.
تقوية وضع حفتر
ولا يرى الصحافي الليبي سالم الورفلي في بيان القطراني "سوى رسالة لتقوية وضع حفتر وشركائه في نظر المجتمع الدولي"، مؤكدا أن ممثلي برقة في الحكومة "ما هم إلا أنصار حفتر بالأساس". ولفت الورفلي إلى أن بيان الـ12 نائبا المطالب بوقف تدفق النفط قد يكون الخطوة التصعيدية القادمة.
ويرى الصحافي الليبي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، البيان خطوة استباقية من جانب معسكر حفتر "ربما لعلمهم بأن الانتخابات لن تنعقد بعد الانسداد الحاصل في المسار الانتخابي، ولذا هم يسعون للحفاظ على مراكز أقوى بالحكومة إذا استمرت في المشهد، خصوصا أن البيان ركز على وزارة الدفاع التي تعد مطلبا أساسيا لحفتر"، مشيرا إلى أن البيان "لا يعدو مجرد محاولة لكسب مواقع في الحكومة والتهديد بورقة الأقاليم والفدرالية".
ويرى أستاذ العلوم السياسية بالجامعات الليبية عيسى الغزوي من جانبه أن "تحركات القطراني ومن ورائه حفتر وأنصاره فرضت معادلة جديدة في المشهد، وهي إما أن ينحاز المجتمع الدولي للحكومة ورئيسها الدبيبة، وإما القبول بحفتر كشريك أساسي في الحكومة". وقال لـ"العربي الجديد" إن "كلا السيناريوهين يشيران إلى أن الانتخابات لن تنعقد".
ويواجه المسار الانتخابي انسدادا كبيرا منذ إصدار مجلس النواب قانوني الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بشكل أحادي، دون إشراك المجلس الأعلى للدولة الذي أصدر من جانبه قوانين انتخابية أخرى.
ولم يعلق مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة على الخلاف الحاصل بين قادة الحكومة، إلا أن الغزوي يعتبر أن الخطوة "تكشف عن عودة الإمارات للمشهد ووقوفها وراءها لإعادة المشهد السياسي الى حالة الانقسام وتحويل حكومة الدبيبة إلى حكومة خلافية، كما كان العهد في حكومة الوفاق برئاسة فائز السراج"، متسائلا: "لماذا غابت مواقف العواصم الكبرى المعنية بليبيا حيال بيان القطراني حتى الآن".
الخطوة تكشف عن عودة الإمارات للمشهد ووقوفها وراءها لإعادة المشهد السياسي الى حالة الانقسام
وأكد الغزوي مساعي المجلس الرئاسي لرأب الصدع داخل الحكومة، مشيرا إلى أن "حفتر وشركاءه، خصوصا عقيلة صالح رئيس مجلس النواب، يسعون لتأزيم المشهد وتعقيده لفرض مصالحهم وضمانها قبل الانتخابات، أو فرص الحالة الفدرالية لتكون أساسا للانتخابات المقبلة أو حل سياسي جديد"، مشيرا إلى أن تصريحات الرئيس الجزائري، عبدالمجيد تبون، بعد لقائه برئيس مجلس النواب عقيلة صالح، الذي يزور الجزائر حاليا، بشأن اقتراحه على الليبيين تنظيم انتخابات مناطقية متباعدة، مبررا ذلك بـ"ضيق الوقت"، هي "خطوة جزائرية متقدمة تعكس وعيها بعمق الأزمة بين الأطراف الليبية".