هل يعمّق انتخاب بايدن الخلاف الأوروبي حول استراتيجية "فك الارتباط" عن الولايات المتحدة؟

17 نوفمبر 2020
نقاش في ألمانيا بشأن أهمية التعاطي المستقبلي مع الساكن الجديد للمكتب البيضاوي (فرانس برس)
+ الخط -

مع الإعلان غير الرسمي لفوز الديمقراطي جو بايدن في الانتخابات الرئاسية الأميركية في وجه منافسه الرئيس الحالي دونالد ترامب، يثار نقاش في ألمانيا بشأن أهمية التعاطي المستقبلي مع الساكن الجديد في المكتب البيضاوي، صاحب الباع الطويل في الحياة السياسية والعلاقات عبر الأطلسي، وحيث يبدو أنه راغب في إعادة تعزيز نفوذ بلاده من خلال التعاون الدولي، وبالأخص في السياستين الأمنية والاقتصادية مع أوروبا.

وتدار المداولات بين المسؤولين السياسيين على عدة مستويات وضمن جملة من المعايير، بين من يرى أن الديمقراطي بايدن سيطالب بمزيد من الأموال والالتزام لحلف الناتو، والأموال تعني زيادة الإنفاق الدفاعي، فيما الالتزام زيادة المساهمات العسكرية الألمانية، ويمكن ربط ذلك بأنه من المرجح أن يبقى بايدن حذرا بشأن التدخلات العسكرية، خاصة في محيط أوروبا، وعليه قد يترجم الأمر بمزيد من الاعتماد على الاتحاد الأوروبي وألمانيا.

هذه التصورات فرضت نفسها على الائتلاف الحاكم في برلين، ففي حين ترى المستشارة أنجيلا ميركل مع زعيمة حزبها "المسيحي الديمقراطي" ووزيرة الدفاع أنغريت كرامب كارنبور، أنه قد يصار إلى مساهمات ألمانية أكبر في السياسة الخارجية والأمنية، أرسل الحزب الاشتراكي الديمقراطي إشارات مختلفة، وفق ما أشارت صحيفة "تاغس شبيغل" الألمانية، ما دفع بالأمين العام للحزب المسيحي الديمقراطي بول زيمياك إلى التحذير من أن "العداء اللاشعوري لأميركا من جانب الاشتراكي يضر بألمانيا وأوروبا".

 في المقابل، اعتبر رئيس كتلة "الاشتراكي الديمقراطي" في البرلمان رولف موتزينيتش، أنه من المنطقي "أن نسعى إلى فك ارتباط الاتحاد الأوروبي عن أميركا".

وفي السياق، أشارت الصحيفة نفسها (تاغس شبيغل)، نقلاً عن خبراء أمنيين، إلى أن الاتحاد الأوروبي لن يكون قادرا على فرض نفسه عسكريا، وهذا ما أبرزه أيضا الباحث السياسي في جامعة كولن توماس ياغر، أنه وفي عهد ترامب "يمكنك تجاهل مطالب الولايات المتحدة، إلا أن ذلك لن يكون مجديا بعد الآن في ظل الرئيس بايدن، لأن أي شخص يتحدث ضد التزام 2% على الإنفاق الدفاعي لم يعد ضد ترامب، بل ضد دول الناتو الأخرى، وعلى أي مسؤول يتحدث عن أهمية فك الارتباط عن أميركا أن يشرح من يجب أن يحل محلها ضامنا للأمن".

 بدوره، اعتبر الأستاذ في جامعة هاليه يوهانس فارويك أن "إشارات الشريك في الائتلاف الحاكم الاشتراكي الديمقراطي تمثل عبئا محرجا للعلاقة بين البلدين، ولن ينجح الأمر إلا إذا اتخذت ألمانيا المبادرات"، مشيراً إلى أنه "من دون شراكة موثوقة، وخاصة في السياسة الأمنية، سينهار الناتو".

هذا الجدل، توسع أوروبيا مع انتقاد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أخيرا لوزيرة الدفاع الألمانية، التي كتبت أن "أوهام استقلال أوروبا الاستراتيجي عن الولايات المتحدة يجب أن تنتهي"، واصفا في مقابلة مع مجلة "غراند كونتينيت"، الصادرة في باريس، هذا التفسير "بالخاطئ"، مضيفا أنه "ولحسن الحظ المستشارة لا تتبع هذا المنحى".

 وأشار ماكرون في مقابلته إلى أنه "وفي ضوء النتائج التي تتحدث عن فوز بايدن، يجب أن نستمر في بناء استقلاليتنا "، قبل أن يشدد قائلا إن الولايات المتحدة "لن تقبل الأوروبيين كحلفاء إلا إذا أخذنا أنفسنا على محمل الجد، وإذا كنا سياديين في دفاعنا عن أنفسنا "، وهو الذي طالما دعا لإنشاء جيش أوروبي.

ومع العلم أن الوزيرة الألمانية كانت قد نشرت أخيرا عبر صحيفة بوليتيكو مقالا بعنوان "أوروبا لا تزال بحاجة لأميركا"، مبرزة أن الأوروبيين "لن يتمكنوا من استبدال الدور الحاسم لأميركا كمزود للأمن".

وزيرة الدفاع الألمانية: "أوروبا لا تزال بحاجة لأميركا"

وفي تعليق للمتحدث باسم الحكومة شتيفن زايبرت على تصريحات ماكرون، أكد أن "المرء يشارك فرنسا في سعيها من أجل العمل المستقل لأوروبا، ومع ذلك فإن العلاقة بين أوروبا وألمانيا والولايات المتحدة مهمة للغاية".

 وأشار، وفق ما ذكرت شبكة "إيه آر دي" الإخبارية، إلى أن "هناك قناعة لدى ألمانيا وأوروبا بأنه وإذا ما أردنا مواجهة التحديات الكبرى في عصرنا بفعالية، يجب أن نتصدى لها مع الولايات المتحدة".

في المقابل، أبرزت الشبكة الإخبارية نفسها تصريحات مؤيدة من قبل حزب الخضر لماكرون وتبريرات لانتقاداته لكرامب كارنبور، وقالت المتحدثة باسم الكتلة للشؤون السياسة الأوروبية فرانسيسكا برانتنر إنه "يجب ألا نحرم أنفسنا من أية سيادة، وعلينا أن نعمل بنشاط على ذلك، وهذا هو بالضبط ما تطلب منا الولايات المتحدة، ويجب أن تعمل الحكومة الاتحادية مع فرنسا من أجل تطوير أوروبا من دون أي تباطؤ".

المساهمون