بعد إعلان قادة مجموعة "بريكس"، أول من أمس الخميس، والمؤلفة من البرازيل وجنوب أفريقيا وروسيا والهند والصين، عن انضمام 6 دول جديدة إلى التكتل الاقتصادي، من بينها مصر، اعتبر مراقبون أن الإعلان يمكن أن يمثل طوق نجاة للقاهرة في ظل الأزمة الاقتصادية التي تواجهها.
ووافقت "بريكس" في جوهانسبرغ بجنوب أفريقيا التي استضافت القمة الـ15 للمجموعة، للمرة الأولى منذ عقدها أول قمة في 2009، على ضم 6 دول جديدة هي السعودية والإمارات وإيران وإثيوبيا والأرجنتين ومصر.
وقال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في بيان أول من أمس الخميس، إن مصر تتطلع للعمل على "إعلاء صوت دول الجنوب إزاء مختلف القضايا والتحديات التنموية التي تواجهنا، بما يدعم حقوق ومصالح الدول النامية".
وأضاف: "أثمن إعلان تجمع بريكس دعوة مصر للانضمام لعضويته اعتباراً من يناير/كانون الثاني 2024، ونعتز بثقة دول التجمع كافة التي تربطنا بها علاقات وثيقة، ونتطلع للتعاون والتنسيق معها خلال الفترة المقبلة".
الانضمام إلى "بريكس" وعلاقات مصر الاستراتيجية
وفي الوقت الذي لقي فيه الإعلان عن انضمام مصر إلى المجموعة، ترحيباً وتفاؤلاً، ثارت بالمقابل تساؤلات حول مدى تأثيره على علاقات الدول التي انضمت حديثاً ومنها مصر، على علاقاتها الاستراتيجية مع الدول الغربية، خصوصاً الولايات المتحدة. يأتي ذلك في ظل وجود روسيا والصين في "بريكس"، والصراع الدائر حالياً بين المعسكرين الشرقي والغربي، سواء في أوكرانيا والقرم أو في تايوان.
ميريت مبروك: مصر لن تسمح لأي شيء بأن يؤثر على علاقتها بأميركا
وفي هذا الإطار قالت مديرة برنامج مصر بمعهد الشرق الأوسط في واشنطن ميريت مبروك، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "يجب أن نضع في اعتبارنا أن مثل هذه التجمع يمكن أن يؤدي إلى نوع من التوازن في العلاقات الدولية الاستراتيجية في ما بعد".
وأضافت من جهة أخرى أنه "من المهم أيضاً أن لا ننسى أن مصر لن تسمح لأي شيء بأن يؤثر على علاقتها بالولايات المتحدة الأميركية. فالعلاقة بينهما مهمة واستراتيجية وعميقة. ولكن فيها (بريكس) من المساحة لمصر والدول الأخرى أيضاً، نطاق وحرية أوسع للتحرك".
في الوقت نفسه لا تعتقد مبروك أن مصر ستضحي بعلاقتها بالولايات المتحدة قائلة إن "مصر تبذل جهداً كبيراً جداً لكي تحافظ على هذه العلاقة، ولكنها ومنذ بضعة أعوام، تحاول توسعة نطاق علاقتها الدولية، كي لا تكون معتمدة بشدة على دولة واحدة".
وقالت مبروك إنها "لا تتفق مع الرأي القائل بأن روسيا والصين هما اللتان تسيطران على مجموعة (بريكس)"، مشيرة إلى أن "الهند أيضاً قوية جداً ووزنها لا يقل عن روسيا حالياً". وأضافت أنه لو أن هناك مقارنة ستتساوى الهند مع الصين وليس مع روسيا، لافتة إلى أن "الهند لها علاقات جيدة جداً مع مصر لأسباب متعددة".
وعن أهمية الانضمام لـ"بريكس" بالنسبة إلى مصر، قالت مبروك إنه كان من الواضح في الفترة الأخيرة "أن عضوية مصر سيتم قبولها في بريكس، وذلك بالنظر إلى أن معاملاتها مع الهند قوية جداً، وأن الأخيرة سوف تساعدها، إلى جانب أن مصر من ناحية التجارة الدولية مهمة جداً نظراً لموقعها الجغرافي الاستراتيجي".
أهمية توفير بديل للدولار في مصر
وأشارت إلى أن "هناك احتمال أن يوفر التجمع بديلاً للدولار في التجارة الدولية، خصوصاً لو أسنده، لأنه عادة يتم استخدام الدولار في التجارة الدولية".
وشدّدت مبروك على أهمية دخول مصر في المجموعة في ظل ما تعانيه القاهرة من نقص شديد في العملة الأجنبية منذ نحو عام ونصف العام، مضيفة أن استخدام عملة بديلة للدولار سيكون مفيداً للبلاد لا سيما "أن مصر منذ أشهر تم قبولها من بنك بريكس الذي يتيح التعامل بالعملات المحلية، وأيضاً من الممكن أن يفتح التنوع الموجود داخل التجمع الأبواب للاستثمارات في مصر".
ولفتت مبروك إلى أن التجارة ما بين مصر ودول "بريكس" زادت بنحو 50 بالمائة خلال العام الماضي، وقالت "المؤسسات الاقتصادية الكبرى مثل صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، كلاهما في الولايات المتحدة الأميركية، وكلاهما غربيان، فعندما يكون هناك بديل موجود من بلدان نامية - تعرف مشاكل البلاد النامية الأخرى-، فهذا مهم جداً".
من جهته لا يرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، عصام عبد الشافي، أن انضمام مصر إلى بريكس سيؤثر مرحلياً على علاقتها مع الولايات المتحدة، خصوصاً من الناحية العسكرية. ويعود السبب بحسب عبد الشافي في حديث لـ"العربي الجديد" "لأن أميركا تتعامل مع الجيش المصري، على أنه أحد أهم شركائها الاستراتيجيين في الشرق الأوسط، وتراهن عليه، وتتعاطى معه باعتباره من أهم أدواتها لتنفيذ مصالحها الاستراتيجية في الشرق الأوسط".
مصر مهمة للولايات المتحدة وروسيا
وأضاف عبد الشافي: "لا أعتقد أيضاً أن الولايات المتحدة تفرّط في مصر، ولا تخرجها من دائرتها، لأن مصر لا تقف عند مكانة جيشها في المعادلة الاستراتيجية، وإنما هناك تحكّم مصر بممر قناة السويس، والبعد الاستراتيجي بين مصر والاحتلال الإسرائيلي".
وأشار في هذا السياق إلى أنه "يمكن لأميركا أن تتجه لاستخدام أوراق ضغط في المشهد المصري لمنعها من التقرب من روسيا والصين".
عبد الشافي: يمكن لأميركا أن تضغط لمنع مصر من التقرب من روسيا والصين
واعتبر عبد الشافي أن دخول مصر في التكتل لا يمكن أن يكون مقياساً نظراً لوضعها الاقتصادي السيئ، وباعتبار أنها لا تقدم شيئاً، بحسب تعبيره.
لكنه قال إن "الأمر له أبعاد أخرى، منها تأثير روسيا والصين، وحرصهما على جذب الكثير من القوى الإقليمية في الشرق الأوسط، بعيداً عن الولايات المتحدة بالإضافة إلى البعد الاستراتيجي في ظل الصراع على قمة هرم النظام الدولي بين روسيا والصين وأميركا، وحرص روسيا والصين على أن تكون مصر والسعودية والإمارات -على الأقل ما لم تكن إلى جانب روسيا في مواجهتها مع أميركا- على الحياد في هذا الصراع".
إلى ذلك، قالت الباحثة المتخصصة في الشؤون القانونية والاستراتيجية، لارا الذيب في حديث لـ"العربي الجديد" إنه "يمكن الإشارة إلى أن موقع مصر الاستراتيجي والدقيق جيوسياسياً بالنسبة للغرب، يفرض على واشنطن مصلحة الحفاظ على علاقات استراتيجية حسنة وطويلة الأمد مع القاهرة".
ولفتت إلى أن "مصر بدورها سوف تحرص على أن تحافظ على علاقات دبلوماسية واقتصادية متوازنة مع جميع الأطراف على النحو الذي يعزز دورها السياسي في المنطقة".