جرّمت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية النظام السوري وأدانته بالأدلة، بالوقوف وراء ثلاث جرائم باستخدام الأسلحة الكيميائية في مناطق متفرقة في أرياف إدلب وحماة ودمشق. كما أن هناك عددا من الهجمات، التي استخدمت فيها الأسلحة الكيمائية، ويُتهم النظام بالوقوف وراءها، لا سيما أكبرها، مجزرة الغوطة في العام 2013، يتم التحقيق بها.
وغير تلك الجرائم، أثبتت تقارير غربية وتحقيقات لمنظمات دولية وحقوقية معروفة، وقوف النظام وراء تغييب وقتل الآلاف من السوريين في أقبية المعتقلات، أو الإعدامات الميدانية على الحواجز، عدا عن القصف الوحشي اليومي، الذي أدى إلى وقوع مجازر.
كل تلك الجرائم، التي كانت السبب في إبعاد النظام عن الدول العربية والغربية، باتت في الأعوام الأخيرة مهددة بالشطب من سجلات إدانته، لا سيما بعد أن بدأت نهاية العام 2018 عمليات التطبيع على المستوى الإقليمي معه، وزادت في العامين الأخيرين.
الزلزال حجة لتسريع التواصل مع الأسد
لكن ذروة التواصل مع النظام، والتي دقت ناقوس الخطر من إعادته إلى المحيط العربي والإقليمي على الأقل، كانت بعد كارثة الزلزال، حين تلقى رأس النظام بشار الأسد، العديد من الاتصالات من رؤساء دول مختلفة، منهم من تحدث معه للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب السورية، فيما زار مسؤولون عرب دمشق للمرة الأولى منذ الثورة. وللمرة الأولى منذ عام 2011 يستقبل وزير الخارجية المصري سامح شكري، في القاهرة، نظيره في النظام السوري فيصل المقداد.
عبد المجيد بركات: لدينا مخاوف من أن ينفذ النظام إلى الحظيرة الدولية
وفي حين تحولت تركيا في السنوات الأخيرة إلى آخر الملاذات للمعارضة السياسية السورية، على المستوى اللوجستي، فإن هذا الملاذ، بما له وما عليه، بات مهدداً، في الوقت الذي تسعى فيه حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان للتقارب مع الأسد، تنفيذاً لأهداف انتخابية وداخلية تتعلق بملف اللاجئين السوريين، الذي بات عبئاً على حكومة أردوغان في مواجهة المعارضة، وحتى المستوى الشعبي التركي.
وتسود خشية من انتقال "عدوى" التقارب والتطبيع إلى المستوى الدولي، لا سيما في الغرب، والتعاطي مع الأسد كونه أمراً واقعاً بعد تعثر إحداث خرق في ملف حل الأزمة يُنصف تطلعات السوريين بالتغيير. وتخشى المعارضة السورية كذلك من استخدام الأسد للقنوات التي فتحت أمامه، إقليمياً وعربياً، للوصول إلى التعويم الدولي، وهذا ما عبر عنه عبد المجيد بركات، عضو الهيئة السياسية في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية.
وقال بركات، لـ"العربي الجديد": "لدينا مخاوف من أن ينفذ النظام عبر تلك الأقنية إلى الحظيرة الدولية، في ظل تضارب المصالح وغياب الرؤية عن المجتمع الدولي الذي يسعى لإيجاد حل في سورية. ولدينا مخاوف أيضاً من أن يستغل حالة الفوضى التي تتعاطى بها الدول معه لإعادة تعويم نفسه".
ونوه بركات إلى أن "النظام بدأ بخطوات فعلية مؤخراً من خلال التواصل على المستوى الثنائي، وبات يبتعد عن المسارات الرسمية للحل، وهذا يشير إلى أنه يسعى لتعزيز وضعه القانوني على المستويين الإقليمي والدولي من خلال التواصل الثنائي".
لكن بركات أشار إلى أنهم في المعارضة، وتحديداً في الائتلاف، يعملون على الملف القانوني والتوثيقي الذي يدين النظام بعديد الجرائم والانتهاكات المثبتة، والتي يمكن من خلالها محاسبته، أو على الأقل الضغط عليه للجلوس حول طاولة الحل بشكل جدي.
ونوه إلى أن لوائح العقوبات والإدانات والقوانين التي أصدرتها العديد من الدول بحق النظام تعتبر أدوات ضغط في الطريق نحو المحاسبة وقطع الطريق أمام التعويم.
لكن بركات أشار إلى أن هذه العقوبات والإدانات غير كافية، وتحتاج إلى آليات محاسبة دولية متماسكة وسلوك سياسي مواز للإدانات والعقوبات، لتؤتي أؤكلها، موضحاً أن النظام قادر على التكيف والاستمرار مع هذه العقوبات والالتفاف عليها، إذا بقيت دون مفاعيل سياسية قوية.
من جهته رأى محمد صبرا، الخبير القانوني وكبير المفاوضين السابق في الهيئة العليا للمفاوضات المعارضة، أن "العلاقات الدولية تحكمها ثنائية تقوم على أساس سيادة الدول في إقامة علاقات دبلوماسية وغيرها مع الدول الأخرى من جهة، ومن جهة أخرى هناك إطار جماعي للعلاقات الدولية، يأخذ بعين الاعتبار بعض القواعد التي لا يمكن تجاوزها".
وأوضح أنه "حتى في الحالة الثانية، أي العلاقات الجماعية، تبقى فكرة سيادة الدول في إقامة علاقاتها الدولية هي الغالبة، ما لم تلتزم طوعياً بمجموعة من التعهدات القانونية الملزمة، كاتفاقية إنشاء المحكمة الجنائية الدولية".
موقف السوريين أقوى من التطبيع
ونوه صبرا، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "هذه المقدمة ضرورية لفهم الحالة السورية"، مضيفاً أن "الجرائم التي ارتكبها النظام، ولا سيما تلك التي ترقى إلى مستوى جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية، على غاية من الأهمية في وصم هذا النظام بصفة النظام المارق، لكنها لا تمنع الدول المختلفة من إقامة علاقات معه". وأوضح أن "هذه العلاقات، سواء على مستوى ثنائي أو جماعي كجامعة الدول العربية، لا تمثل بحد ذاتها تطوراً بارزاً أو مهماً في سياق الحالة السورية".
محمد صبرا: فكرة إعادة تعويم الأسد تفتقد مقومات واقعية تتعلق بقدرته على حكم الجغرافية السورية
واعتبر أن "فكرة إعادة تعويم بشار بحد ذاتها تفتقد مقومات واقعية تتعلق بقدرته على حكم الجغرافية السورية، وبمستوى قبول السوريين له. وبالتالي، حتى لو أعادت كل دول العالم علاقاتها مع بشار فإن ذلك لا يعني شيئاً ما دامت الأغلبية الساحقة من السوريين تعتبره نظاماً مجرماً غير شرعي، ولا يقبلون بالخضوع لحكمه". وتابع: "ما يهمنا في هذا السياق هو التمسك بموقف السوريين وأهدافهم التي ضحوا من أجلها وفي سبيلها بملايين الشهداء والجرحى والمعتقلين".
الحل في الجمعية العمومية للأمم المتحدة
وعن الطريق القانوني لمحاسبة النظام على المستوى الدولي، أعرب صبرا عن أسفه لأن "قواعد العدالة الجنائية الدولية محكومة بمجموعة من المعايير".
وقال: "لا نستطيع المطالبة بتطبيق قواعد العدالة، من دون قبول هذه المعايير، وإحالة جرائم بشار للمحكمة الجنائية الدولية تتطلب قراراً من مجلس الأمن، لأن سورية ليست من الدول المصدقة على ميثاق روما، كما أنها لم تقبل بولاية المحكمة القانونية".
وأضاف أن "هذا لا يعني أنه لا وجود لسبيل آخر، لأن إغلاق مجلس الأمن أمام تحقيق العدالة بسبب الفيتو الروسي والصيني المزدوج، يسمح بتطوير حالة للذهاب إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، لعرض الأمر وفقاً لقاعدة الاتحاد من أجل السلام".
إهمال المعارضة
ونوه صبرا إلى أن "هذا الحل لا يمكن أن يتم من دون عمل وجهد سياسي حقيقي من قبل المعارضة. وللأسف فإن هذا الملف تحديداً لا يتم الالتفات له بشكل جدي من قبل المعارضة، التي تكتفي بمجرد مطالبات إعلامية بإحالة بشار للمحكمة الجنائية الدولية من دون القيام بأي عمل حقيقي ضاغط بهذا الاتجاه".
واعتبر صبرا أنه "يجب في هذه اللحظة استثمار وضع روسيا في المحكمة الجنائية الدولية، والقيام بجهد منظم وفاعل بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني في دول الاتحاد الأوروبي، والتوجه لبرلمانات هذه الدول للضغط على الحكومات الغربية لتبني الدعوة لعقد جلسة للجمعية العامة للأمم المتحدة للنظر بجرائم الحرب السورية، تحت قاعدة الاتحاد من أجل السلام".
وشدد على أنه "من دون هذا الجهد، ومن دون عمل السوريين على هذا الملف، فإن وصولنا للعدالة سيبقى معلقاً على قرار مجلس الأمن، الذي تمسك روسيا بمفاتيحه عبر استخدام حق النقض".
وتطاول رئيس النظام بشار الأسد، والعشرات من أركان النظام من عسكريين وأمنيين ومسؤولين حكوميين عقوبات غربية وأوروبية، علاوة على العقوبات على كيانات للنظام وشركات مرتبطة به، بالإضافة إلى عقوبات على حلفائه لتدخلهم في إطار الحرب السورية لصالحه. ويرى مراقبون ومحللون سياسيون أن العقوبات الأميركية ستمنع أي تعويم حقيقي للنظام عند اللزوم.