مع توقيع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أول من أمس الجمعة، على مشروع قانون تمديد معاهدة الحد من الأسلحة الهجومية الاستراتيجية (نيو ستارت) المفترض أن تنتهي في 5 فبراير/شباط المقبل، لمدة خمس سنوات، يتوقع خبراء روس أن تساعد هذه الخطوة في منع احتدام سباق التسلح بين أكبر قوتين نوويتين: روسيا والولايات المتحدة. ومن المفترض أن يحقق تمديد المعاهدة المزيد من الأمن والاستقرار الدوليين، ولكن من دون إحداث تطبيع كامل في العلاقات الروسية الأميركية المتأزمة.
ومن اللافت أن الانفراجة في مصير "نيو ستارت" جاءت بعد أيام معدودة على تنصيب الرئيس الأميركي الجديد، جو بايدن، واقتراحه تمديد المعاهدة. وهو أمر حظي بترحيب موسكو ومصادقة البرلمان الروسي بمجلسيه (الدوما والاتحاد) وبوتين، لتنتهي حالة الغموض التي خيمت في الأشهر القليلة الماضية.
تمديد "نيو ستارت" يصب في مصلحة موسكو وواشنطن
في السياق، اعتبر الخبير في مركز بحوث قضايا الأمن التابع لأكاديمية العلوم الروسية، قسطنطين بلوخين، في حديثٍ لـ"العربي الجديد" أن تمديد "نيو ستارت" يصب في مصلحة موسكو وواشنطن على حد سواء. وعزا حرص إدارة بايدن على تسوية الأمر إلى خط الحزب الديمقراطي الرامي إلى الحفاظ على المعاهدات الدولية في مجال منع انتشار الأسلحة، وذلك على عكس الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي كان يصر على الانسحاب منها واحدة تلو الأخرى. وأضاف أن "المعاهدة أُبرمت في عهد إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، ونظيره الروسي آنذاك دميتري ميدفيديف. ويختلف موقف الديمقراطيين في هذا المجال بشكل جذري عن الجمهوريين الذين انسحبوا من معاهدة الدرع الصاروخية في عهد الرئيس جورج بوش (الابن)، ومن معاهدتي تقليص الصواريخ المتوسطة وقصيرة المدى والأجواء المفتوحة في عهد ترامب". وحول مصير المعاهدة في حال أعيد انتخاب ترامب، لفت إلى أن "ترامب كان يصر على إشراك الصين في مفاوضات تمديد المعاهدة، وكان يبحث عن مختلف الذرائع للانسحاب منها، بينما لا ينظر بايدن إلى الصين على أنها خصم".
وفيما يتعلق بتأثير تمديد المعاهدة على وضع العلاقات الروسية الأميركية بشكل عام، توقع بلوخين أن "تشهد العلاقات بين موسكو وواشنطن حالة من الاستقرار بلا بوادر لتحسنها بشكل كبير، إذ ستتسم سياسات بايدن تجاه روسيا بالجمع بين الردع والحوار في آن معا". ورأى أن "تمديد نيو ستارت لا يفتح مجالاً لإعادة تفعيل الاتفاقيات الأخرى، لأن التجربة التاريخية تؤكد أن الديمقراطيين لا يعودون إلى العمل بما انسحب منه الجمهوريون، مثلما لم يقم أوباما بإعادة تفعيل معاهدة الدرع الصاروخية، وعلى الأرجح لن يحدث ذلك في عهد بايدن أيضاً". ومع ذلك، أقر بلوخين بأن تمديد "نيو ستارت" سيردع سباق التسلح غير الخاضع لأي رقابة، وسيزيد من الثقة بين البلدين، وقد يشكل أرضية للحوار المستقبلي.
وعلى الرغم من الفتور السائد في العلاقات الروسية الأميركية، إلا أن بوتين بادر يوم الثلاثاء الماضي، إلى إجراء أول اتصال هاتفي مع بايدن لتهنئته بتولي مهام منصبه والتأكيد على رضا البلدين عن تمديد "نيو ستارت".
لا ينظر بايدن إلى الصين على أنها خصم
واعتبر مدير مركز الدراسات العسكرية - السياسية في معهد الولايات المتحدة وكندا التابع لأكاديمية العلوم الروسية، فلاديمير باتيوك، أن اتصال الرئيسين الذي توج بالاتفاق على تمديد "نيو ستارت" يشكل إشارة إيجابية لمستقبل العلاقات الروسية الأميركية. وقال باتيوك في حديث لوكالة "نوفوستي": "إن الحديث بين الرئيسين إشارة إيجابية جداً. وفي إطار هذا الحوار، لم تتم مناقشة تمديد نيو ستارت فحسب، بل قضايا أخرى عدة متعلقة بالعلاقات الروسية الأميركية. بالتالي إن الحديث لم يقتصر على تبادل الآراء، بل أسفر أيضاً عن اتخاذ قرارات محددة". ولفت الخبير الروسي إلى أنه لم يكن من المتوقع أن يجري مثل هذا الاتصال بعد تنصيب بايدن بأسبوع فقط، مقللاً في الوقت نفسه من واقعية حدوث اختراق وشيك في العلاقات الروسية الأميركية، بسبب مجموعة من المشكلات الثنائية المتراكمة.
يذكر أن مدفيديف وأوباما وقّعا في إبريل/نيسان 2010 على معاهدة "نيو ستارت"، وسط تحسنٍ ملحوظ لم يدم طويلاً في العلاقات بين بلديهما، لتبقي على ترسانتي البلدين عند مستوى يقل كثيراً عما كانت عليه الحال خلال الحرب الباردة (1947 ـ 1991) في حقبة الاتحاد السوفييتي. ونصّت "نيو ستارت" على تقليص عدد الرؤوس الحربية النووية لدى كل من روسيا والولايات المتحدة إلى 1550 رأساً نووياً، والصواريخ البالستية العابرة للقارات، والصواريخ البالستية التي تطلق من الغواصات والقاذفات الثقيلة إلى 700 قطعة، وعدد منصات الإطلاق والقاذفات الثقيلة إلى 800 قطعة، وذلك خلال سبع سنوات بعد دخول المعاهدة حيّز التنفيذ.