هل يدفع اتحاد الشغل التونسي سعيّد إلى الحوار؟

هل يدفع اتحاد الشغل التونسي سعيّد إلى الحوار؟

17 نوفمبر 2021
دعا الطبوبي الرئيس لوضع سقف زمني للفترة الاستثنائية (ياسين قائدي/الأناضول)
+ الخط -

شكلت المحادثة الهاتفية التي جرت بين الرئيس التونسي قيس سعيّد والأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي، الأحد الماضي، مفاجأة للساحة السياسية التونسية، حيث أشار بيان مقتضب جداً للاتحاد إلى أن الحديث "تناول الوضع العام في البلاد، وأهمية الإسراع بمواصلة مسار 25 يوليو/تموز (الماضي)، ليكون فعلاً فرصة تاريخية للقطع مع عشرية غلب عليها الفشل".
توقيت المكالمة وشكلها ومضمونها بدا مهماً للغاية، فقد حدثت عشية خروج آلاف التونسيين إلى الشارع استجابة لدعوة حملة "مواطنون ضد الانقلاب"، طارحين خريطة طريق جديدة تتركز حول انتخابات مبكرة. كما أن هذه المحادثة جرت بعد مدة من الجفاء بين الرجلين، ولخصت موقف الإتحاد المبدئي في الواقع من الأحداث، العودة إلى 25 يوليو واستثماره لمشهد جديد لا يعود لما قبله.

قاسم الغربي: مبادرة الاتحاد، والدعوة لانتخابات مبكرة، تلتقي فيها مع أغلب مكونات الساحة السياسية التونسية

الرئاسة التونسية لم تعلق على هذا الموضوع لغاية عشية أمس الأول، ولم تبيّن موقفها من نقاشات تتواصل منذ يومين، وهذا سيكون موضوع انتظار للساحة التي بدأت تقطع مع حالة الجمود حتى الآن، وهو ما يطرح السؤال المهم، هل سينجح اتحاد الشغل في دفع الرئيس إلى القطع مع إجراءات 22 سبتمبر/أيلول الماضي، التي جمع فيها كل السلطات، والعودة إلى 25 يوليو؟ وهل سيقبل بالذهاب إلى انتخابات مبكرة بقانون جديد يتم إنجازه بطريقة تشاركية؟ وهل يقبل سعيّد بالتنازل لمعارضيه والذهاب إلى حوار، وهل سيقبل الآن بحوار وطني كان يرفضه منذ أشهر؟
الطبوبي كان واضحاً الإثنين الماضي، حيث دعا إلى انتخابات تشريعية مبكرة وصياغة قانون انتخابي جديد، داعياً رئيس الجمهورية إلى ضرورة وضع سقف زمني للفترة الاستثنائية. وشدد الطبوبي، عقب لقاء جمع الحكومة بالاتحاد، على أنه "لا عودة لما قبل 25 يوليو"، مؤكداً أن "القرار لا بد أن يكون تونسياً وتشاركياً، والحل اليوم ليس في الشارع وإنما في قوة النباهة والاقتراح والتفاعل، لأن المرحلة هي مرحلة رصانة وحكمة". وشدد على أن "الاتحاد لا يعطي صكاً على بياض. نحن مع إجراءات 25 يوليو، ومع تبني قراءة نقدية في نفس الوقت، وسنتفاعل مع ما سيُطرح من قبل مؤسسة الرئاسة بنفس القراءة النقدية". وأكد ضرورة قيام رئاسة الجمهورية بتوحيد كل العائلات رغم الاختلاف بينها. وقال: "قدر رئاسة الجمهورية كقدر رب العائلة، وهو توحيد كل التونسيين حول مشروع وطني".

وكان الطبوبي قال، في تصريح لقناة "الجزيرة" الأحد الماضي: ''وجدت من رئيس الجمهورية الإصغاء والانفتاح لإيجاد مخرج حتى تبقى تونس منارة في الممارسة الديمقراطية والتظاهر السلمي وحرية التعبير''، مضيفاً: ''لا خوف على تونس طالما فيها إرادة شعبية حقيقية تنبذ العنف، وتلتقي على قاعدة الاختلاف في الرأي ومنفتحة على الحوار الجاد والمسؤول". وتابع: "نتعامل مع ما بعد 25 يوليو بطريقة نقدية إيجابية، من أجل أن تبقى تونس ديمقراطية ذات مؤسسات، من خلال التعجيل، في إطار التشاركية، بسن قانون انتخابي جديد، ثم الذهاب إلى انتخابات تشريعية مبكرة".
وأضاف الطبوبي: ''لا رجوع إلى ما قبل 25 يوليو، لكن نرى المستقبل بقراءة نقدية لتوجهات الرئيس التي لم يفصح عنها إلى حد الآن، وهو ما فتح باب التأويلات، وعلينا إيجاد فرصة للإصلاح والتركيز على الخروج من الأزمة". وتابع: ''العديد من النواب أصبحوا يعتبرون أن العودة إلى البرلمان الحالي أمر مستحيل، وبالتالي العودة إلى الوراء مضيعة للوقت".
واستطاع الطبوبي، بهذه التصريحات، إعادة المبادرة السياسية للمنظمة النقابية، لكنها ستبقى معلقة إلى حين تبيّن موقف سعيّد، وبنفس الوضوح، إن كان سيقبل صراحة أن يقدم تنازلات لساحة سياسية وصف بعض أفرادها في نفس اليوم، الأحد الماضي، بأنهم "يزرعون الفتنة" وستأتي عليهم "ريح عاتية"، بينما هو "يزرع شجرة مباركة" بمناسبة الاحتفال بعيد الشجرة في تونس.
وقال المحلل السياسي قاسم الغربي، لـ"العربي الجديد"، إن مبادرة الاتحاد، والدعوة لانتخابات مبكرة، تلتقي فيها مع أغلب مكونات الساحة السياسية التونسية، وحتى معارضو سعيّد ومنظومة حكم ما قبل 25 يوليو لم تعد تطالب بالعودة لما قبلها. وأوضح الغربي أن "الاتحاد منذ البداية يقف في منطقة وسط، وربما يرى أن الرئيس الآن قد يقبل تحت هذه الضغوط بشروط الاتحاد وخريطته". واعتبر أن "الجميع الآن مقتنع باستحالة العودة إلى ما قبل 25 يوليو، وسعيّد هو الذي أبعد الجميع عنه بقرارات 22 سبتمبر تحت ما يعرف بالأمر 117. كان يمكن استثمار تحول 25 يوليو بشكل أفضل، ولكن سعيّد ذهب في خيار مخالف، والاتحاد اليوم يهدف بوضوح الى إلغاء الأمر 117 والعودة إلى 25 يوليو، لأن سبب الأزمة هو الأمر 117".

زهير المغزاوي: حركة الشعب تختلف مع سعيّد في نقاط عديدة
 

وقال الغربي إن "سعيد يمكن أن يقبل تحت هذه الضغوط الحالية بالعودة إلى 25 يوليو، دون أن أخفي تشاؤمي الشخصي بهذا الخصوص. أعتقد أنه يمكن وضع شكل من الحوار يؤدي إلى انتخابات سابقة لأوانها بقانون جديد، يتم وضعه بشكل تشاركي". وأشار إلى أن دخول الاتحاد على الخط "سيشكل أيضاً فرصة لإنقاذ سعيّد سياسياً، بسبب كل هذه المعارضة التي تتزايد". وقال إن "ما يبدو أنه تقارب بين الحكومة والاتحاد بخصوص الملفات الاجتماعية لا يمكن أن يجد طريقاً للتنفيذ بحكم الظروف الاقتصادية الصعبة للحكومة، التي لا يمكنها الاستجابة لطلبات النقابة، وهذا سيثير مشاكل بالتأكيد".
يشار إلى أن زهير المغزاوي، الأمين العام لحركة "الشعب"، القريبة من سعيّد، قال، أخيراً، إن "الحركة لا تسعى للتقرب من رئيس الدولة قيس سعيّد مثل ما يروج له البعض، وتلتقي معه في مشروع وتصورات تعود حتى إلى ما قبل 25 يوليو". واعتبر المغزاوي، في حديث لإذاعة "موزاييك"، أن الحركة تختلف مع سعيّد في نقاط عديدة على غرار حالة العزلة التي اختارها، وترفض المس بالحريات الفردية وتطالب بأن لا تطول الفترة الاستثنائية، مشيداً، في الوقت ذاته، "بإسقاط سعيّد لمنظومة الإسلام السياسي". وقال: "هدفنا هو حماية الديمقراطية، وهناك جبهة واسعة في البلاد لا يمكن تجاهلها، وسعيّد غير قادر على شق الطريق بمفرده، خاصة أن هناك حالة من القلق بخصوص إجراءات 25 يوليو". وشدّد على أن "حركة الشعب تتمسك بالديمقراطية التمثيلية رغم هناتها العديدة، ولن تساند الرئيس في حالة إصراره على نموذج البناء القاعدي".

المساهمون