هل يختم قيس سعيّد ولايته بلا المحكمة الدستورية التونسية؟

هل يختم قيس سعيّد ولايته بلا المحكمة الدستورية التونسية؟

20 مارس 2024
تقترب ولاية سعيّد من الانتهاء (محمد مسارة/Epa)
+ الخط -
اظهر الملخص
- تواجه تونس تحديات دستورية مع اقتراب الانتخابات الرئاسية، بسبب عدم تشكيل المحكمة الدستورية وتأخير غير مبرر يعكس غياب الإرادة السياسية، مما يسمح للرئيس قيس سعيّد بممارسة حكم فردي منذ انقلاب يوليو 2021.
- غياب المحكمة الدستورية يعرض البلاد لفراغ دستوري يؤثر على الرقابة القضائية والدستورية، ويمكن الرئيس من التفرد بالسلطة وتأويل النص الدستوري لصالحه، مما يهدد التوازن بين السلطات.
- الدستور الجديد يسهل تشكيل المحكمة الدستورية، لكن الرئيس والبرلمان لم يتخذا خطوات نحو ذلك، مما يعرض دولة القانون واحترام الدستور للخطر ويعزز الحكم الفردي بدون رقابة.

لم يبق على إجراء الانتخابات الرئاسية التونسية في الخريف المقبل، ونهاية ولاية الرئيس قيس سعيّد سوى أشهر معدودة، من دون أي بوادر لتركيز المحكمة الدستورية، التي بقيت حبراً على ورق في دستور يوليو/تموز 2022، ما اعتبره خبراء تأجيلاً غير مبرر، سببه غياب الإرادة السياسية.

ومرت أربع سنوات ونصف السنة منذ انتخاب قيس سعيّد رئيساً للبلاد، في سبتمبر/أيلول 2019، منها نحو ثلاث سنوات من الحكم الفردي منذ انقلاب يوليو 2021.

وتعيش البلاد فراغاً دستورياً في مجالات الرقابة على المراسيم والتشريعات، منذ صدور دستور 2022، الذي صاغه قيس سعيّد بمفرده، ليمنح نفسه صلاحية اختيار وتعيين أعضاء المحكمة الدستورية بنفسه.

اعتبر خبراء أن غياب المحكمة الدستورية قبل 2021 يعد أحد أسباب تمكن سعيّد من التفرد بالسلطات

واحتفى البرلمان التونسي منذ أيام بمرور سنة على انطلاق عمله في 13 مارس/آذار العام الماضي، من دون أن تتم مناقشة قانون أساسي ينظم المحكمة الدستورية، رغم ما يخوّله الدستور للبرلمانيين من صلاحية اقتراح القوانين، بحجة انتظار مبادرة من رئيس الجمهورية لم تأت بعد.

ورأى خبراء قانونيون أن عدم تركيز المحكمة الدستورية حتى اليوم، على الرغم من امتلاك قيس سعيّد كل الصلاحيات لذلك، غير مبرر، ويتناقض مع غالبية خطاباته التي عابت البرلمانات والحكومات قبل انقلابه على السلطة في 25 يوليو 2021.

غياب المحكمة الدستورية يمكن قيس سعيّد من التفرد بالسلطات

واعتبر الخبراء أن غياب المحكمة الدستورية قبل 2021 يعد أحد أسباب تمكن قيس سعيّد من التفرد بالسلطات وتأويل النص الدستوري، عبر تعليق العمل بدستور 2014، وإقراره حل الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين (المحكمة الدستورية الوقتية).

واستغرب أستاذ القانون العام رابح الخرايفي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، "عدم إصدار القانون المنظم للمحكمة الدستورية الذي سيضبط عملها ومهامها".

وبرأيه "هناك تأخر غير مبرر لتركيز المحكمة الدستورية لأن هناك يسراً في تكوين المحكمة من حيث العضوية، لأنه لم يعد هناك إشكال على مستوى التجاذبات والانتخابات كما كانت في دستور 2014 وقانون 2015، فقد أصبح تعيين القضاة بالصفة، وهم معلومون حسب الأقدمية وصفاتهم".
وتساءل إن كان "عدم مبادرة النواب بتقديم مشروع قانون للمحكمة يعود إلى جهل أو تقاعس أو عدم إدراك لقيمة المحكمة الدستورية".

أهمية المحكمة الدستورية

وشدد على أن "قيمة المحكمة الدستورية تتلخص في الرقابة على القوانين الصادرة بعد تركيزها، والقوانين المناقشة في البرلمان لا تصدر إلا إذا كانت دستورية، ومن جهة أخرى كل القوانين التي يُطعن فيها عن طريق الدفع بعدم دستوريتها سيتم النظر فيها".

وأعرب الخرايفي عن اعتقاده بأن "المرسوم 54 (مكافحة المعلومات والشائعات الكاذبة على الإنترنت) سيكون أكثر النصوص التي سيُطعن فيها أمام المحكمة الدستورية، بالإضافة إلى إمكانية الطعن بقوانين أخرى مثل مرسوم الانتخابات، والمرسوم المنظم لهيئة الانتخابات".

وينص البند 125 من دستور 2022 على أنّ "المحكمة الدستورية تتركب من تسعة أعضاء، ثلثهم الأول من أقدم رؤساء الدوائر بمحكمة التعقيب، والثلث الثاني من أقدم رؤساء الدوائر التّعقيبية بالمحكمة الإدارية، والثلث الثالث والأخير من أقدم أعضاء محكمة المحاسبات".

بدوره، اعتبره أستاذ القانون الدستوري، مبروك الحريزي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه "كان يمكن للمحكمة الدستورية أن تنظر في القرارات والتعديلات التي أدخلها الرئيس على القانون الانتخابي، والتي مست تركيبة هيئة الانتخابات وطريقة عملها، وهي تؤثر بطريقة غير مباشرة على الانتخابات الرئاسية المقبلة".

وقال: "كانت المحكمة الدستورية ستنظر، لو كانت موجودة، في دستورية القوانين. وفي غيابها، وبسبب عدم تنقيح القانون الانتخابي بخصوص شروط الانتخابات الرئاسية، سيتم تطبيق الدستور مباشرة، وستنظر المحكمة الإدارية في الطعون التي تخص القرارات التي تصدرها هيئة الانتخابات في علاقة بتطبيق الدستور". وأضاف: "للأسف تصرف المحكمة الإدارية بعد 25 يوليو أصبح ضعيفاً ومرتبكاً، وليست المحكمة الإدارية التي تعودنا عليها".

مبروك الحريزي: الرئيس يخشى وجود محكمة دستورية حتى لو كانت ضعيفة أو معيّنة

وقال الحريزي: "انطلاقاً من المنظومة القانونية بعد الانقلاب نتبين التناقض بين الشعارات التي كانت مرفوعة في السابق في علاقة بالمحكمة الدستورية وفق (دستور) 2014، فقد كانت مجرد سبب لخرق دستور 2014، واليوم الرئيس يريد العمل خارج أي رقابة".

لا شيء يمنع الرئيس من تعيين قضاة المحكمة الدستورية

وأضاف أن "طريقة تشكيل المحكمة الجديدة مبسطة وطريقة تعيينها يسيرة من القضاة بصفاتهم، ولا شيء يمنع الرئيس، الذي يسيطر على كامل المنظومة، من تعيين قضاة المحكمة وبالسرعة المطلوبة".

واعتبر أنه في "دراسة لشخصية الرئيس فهو يريد فرض رؤية ذات بعد واحد، وبالتالي يخشى وجود محكمة دستورية حتى إذا كانت ضعيفة أو معيّنة، فكل قوى الضغط التي كانت موجودة قام بإضعافها وحلها".

من جهته، استغرب أستاذ القانون الدستوري خالد الدبابي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، عدم "تقدم الرئيس أو البرلمان بأي خطوة في اتجاه تركيز المحكمة الدستورية، التي لم يعد تركيزها يمر بإجراءات معقدة مثلما كان في دستور 2014، فلا وجود لانتخابات أو ترشحات أو محاصصة حزبية، بل أصبح أعضاؤها معلومين ومعيّنين بصفتهم".

واعتبر أن "الأمر يحتاج إلى التصويت على قانون أساسي يتعلق بالمحكمة الدستورية من قبل مجلس نواب الشعب لتنظيم عملها. وبالرغم من مرور سنة على انطلاق عمل المجلس، فإنه لم يبادر أو يُعبر عن جدية في هذه المسألة".
وأشار الدبابي إلى أن "آثار غياب المحكمة الدستورية خطيرة على دولة القانون واحترام علوية الدستور. ففي غياب المحكمة الدستورية تغيب أي رقابة قضائية ودستورية، ويمكن للسلطات الأخرى أن تخرق الدستور دون رقابة".

وفسر الدبابي أن "غياب المحكمة الدستورية خطير على التوازن بين السلطات، والنتيجة الفعلية والمباشرة لهذا في دستور 2022 أن السلطات وعلى رأسها رئاسة الجمهورية تحتكر لوحدها سلطة تأويل الدستور، في حين أن رئاسة الجمهورية، باعتبارها سلطة مُؤسَّسَة بالدستور، عليها أن تخضع للرقابة الدستورية، لا أن تتحول هذه المؤسسة السياسية إلى قاضٍ دستوري يحتكر التأويل الرسمي والأخير للقواعد الدستورية، وهو ما يعد أمراً خطيراً على دولة القانون وعلى احترام علوية الدستور والفصل بين السلطات".

المساهمون