تصاعد الحديث أخيراً، خصوصاً على لسان مسؤولين أميركيين وأوروبيين، عن إنشاء ممر بحري من قبرص لإيصال المساعدات إلى قطاع غزة، وهو ما سارعت مصر إلى التشديد على أنه يجب ألا يكون بديلاً عن معبر رفح البري، الذي يعتبر المنفذ الوحيد للقطاع مع العالم الخارجي.
وكان منسق الاتصالات في مجلس الأمن بالبيت الأبيض جون كيربي أعلن، في مؤتمر صحافي أمس الأول الأربعاء، أن بلاده تحاول اكتشاف طرق جديدة لإيصال المساعدات إلى غزة، بما في ذلك عبر البحر. وقال: "نحن ندرس الخيارات العسكرية والتجارية لنقل المساعدات عن طريق البحر"، لافتاً إلى إمكانية استخدام قبرص كجزء من ممر بحري إلى غزة.
مصدر مصري: أية خطوات دولية لإدخال المساعدات لغزة يجب ألا تكون بديلة عن معبر رفح البري
بدوره، أوضح المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، رات رايدر، الأربعاء الماضي، أن واشنطن تقوم بالتنسيق مع شركائها بمراجعة بعض الخيارات لإيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة، بما في ذلك الممر البحري والخيارات التجارية المحتملة.
وتزور رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين قبرص اليوم الجمعة لإجراء محادثات لإنشاء ممر بحري لنقل المساعدات الإنسانية من الجزيرة إلى غزة.
لا بديل عن معبر رفح مع مصر
بموازاة ذلك، أكد مصدر مصري رفيع المستوى أن "أية خطوات دولية لإدخال المساعدات إلى قطاع غزة، الذي يعاني سكانه تحت وطأة الحرب الإسرائيلية الهمجية، منذ أكثر من 5 أشهر، باستخدام الجو أو البحر، مرحب بها، لكنها يجب ألا تكون بديلة عن معبر رفح البري، رئة القطاع الوحيدة مع العالم الخارجي"، على حد وصفه.
وقال المصدر إنه "مهما كانت كميات المساعدات التي ستدخل القطاع، سواء عبر البحر أو الجو، فإنها لا تغني ولا تسمن من جوع، ولن تعوض حاجات قطاع غزة الأساسية التي كانت تدخل عبر معبر رفح البري". وشدد على أن "حكومة الاحتلال الإسرائيلية، هي التي تتحمل مسؤولية منع دخول المساعدات عبر المعبر".
وشكك مراقبون في فرص نجاح إقامة "ممر إنساني" مُحتمل عبر قبرص لدعم أهالي قطاع غزة، والتي طرحت أسئلة حول الهدف من ورائها، كما طرحت تكهنات بأنه في حال نجح هذا "المسار" في توفير احتياجات قطاع غزة، فإنه سيؤثر على دور معبر رفح وأنه من الممكن أن يفقد مصر، ورقة لعب مهمة في ملف غزة والقضية الفلسطينية.
وفي السياق، قال الكاتب والمحلل الفلسطيني، حسام شاكر، لـ"العربي الجديد"، إنه "في ما يتعلق بمعبر رفح، فإن مصر عطلت ورقة رابحة في يدها، بأن تكون على مستوى الحدث الجاري، وأن تفرض كسر الحصار المفروض على غزة، مع توفر غطاء عربي وإسلامي ودولي لخطوتها"، مشيراً إلى "قرارات القمة العربية الإسلامية الطارئة التي عقدت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، والتي شملت كسر الحصار عن غزة فوراً".
مسار قبرص محاولة أميركية لتبرئة نفسها
وحول الأسباب التي تقف وراء فكرة إنشاء مسار بحري من قبرص إلى قطاع غزة، قال شاكر إن "هذا المسار يأتي ضمن خطوات تحاول من خلالها الإدارة الأميركية أن تظهر في هيئة غير الضالعة في حرب التجويع القائمة، وأن تتنصل من الناحية الشكلية من مسؤوليتها عما يجري".
وأشار إلى أن "الولايات المتحدة مارست منذ بداية الحرب على غزة ما يشبه دوراً إشرافياً، وأحياناً إشرافاً عملياتياً، كما أوحي من خلال لقاءات كبار المسؤولين الأميركيين بمجلس الحرب الإسرائيلي، واتصالاتهم المباشرة مع قيادات الجيش، والتواصل عالي المستوى مع عضو مجلس الحرب بني غانتس، بالإضافة إلى الدعم السياسي الممنوح للاحتلال".
واعتبر أن "هذا يجعل الولايات المتحدة، في موقع المسؤولية عما يُقترف في قطاع غزة، فضلاً عن حرب الإبادة الجارية، وعلى هذا الأساس تحاول التعامل إعلامياً مع الموقف من خلال الخطوة الاستعراضية المتمثلة بإلقاء كميات شحيحة من المساعدات جواً، ثم الإعلان عن شق مسار بحري من قبرص إلى قطاع غزة".
رخا أحمد حسن: لمصر دور خاص ومهم للغاية بعيداً عن معبر رفح
وشدد شاكر على أن "هذه الخطوة لا تعبر عن جدية، لانتفاء الإرادة السياسية لوقف حرب التجويع واستخدامها كأداة تفاوضية".
وقال إن "الولايات المتحدة لا تزال حتى اللحظة تربط خطابها في مسألة المساعدات بالعملية التفاوضية الخاصة بصفقة تبادل الأسرى والهدنة الإنسانية كما تسميها. وهذا يعني أن المساعدات هي بمثابة ورقة تفاوضية برعاية أميركية". وتابع: "لو كان لدى واشنطن النية في أن تجعل المسألة الإنسانية محررة من الاستعمال ضمن حرب التجويع، أو ألا تكون ورقة مساومة وابتزاز للشعب الفلسطيني، لما قبلت بهذا المسلك".
في مقابل ذلك، قال المساعد السابق لوزير الخارجية المصري، السفير رخا أحمد حسن، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "مسار المساعدات الإنسانية البحري المحتمل إلى قطاع غزة، كان اقتراحاً لرئيس قبرص (نيكوس كريستودوليدس) في مؤتمر باريس منذ نحو شهرين".
مسار قبرص تحت السيطرة الإسرائيلية
وأشار إلى أن "المشكلة كانت صغر موانئ غزة وعدم ملاءمتها لاستقبال السفن الكبيرة من قبرص، كما أن هذا المسار تحت السيطرة الإسرائيلية ويحتاج إلى تنسيق الدول التي ستستخدمه مع إسرائيل، والاتفاق على أسلوب الرقابة على المساعدات وكيفية توزيعها وعلى أية مناطق في قطاع غزة".
لا تأثير كبيراً على معبر رفح
وأضاف حسن أن "هذا كله، لن يؤثر كثيراً على معبر رفح، لأن كميات المواد الغذائية والأدوية والمعدات الطبية والوقود المطلوب لقطاع غزة، من الضخامة التي تتطلب تشغيل جميع المسارات البرية والبحرية والجوية، سواء على الجانب المصري أو الجانب الإسرائيلي، بما فيها معبر ايرز، لزيادة معدلات إدخال المساعدات عبر الأردن والضفة الغربية وغيرها".
وتابع: "من ثم فإن معبر رفح سيظل له أهميته الكبيرة جداً، سواء لدخول المساعدات الإنسانية أو لخروج المرضى الفلسطينيين ذوي الإصابات الخطيرة والأمراض الصعبة مع مرافقيهم للعلاج في مصر أو في دول أخرى".
واعتبر أن "لمصر دورا خاصا ومهما للغاية بعيداً عن معبر رفح، في تناول شؤون قطاع غزة، سواء من حيث الحرب الحالية وآثارها المدمرة، أو مرحلة ما بعد الحرب، بما فيها من جوانب سياسية وأمنية واقتصادية، لأن إعادة الإعمار قد تستغرق سنوات طويلة".