هل من فرصة لتطبيع العلاقات المغربية ــ الجزائرية؟

03 اغسطس 2022
ملك المغرب في الرباط، مارس 2019 (ألبيرتو بيزولي/فرانس برس)
+ الخط -

ألقى خطاب العاهل المغربي، الملك محمد السادس، في الذكرى الـ23 لجلوسه على عرش البلاد، السبت الماضي، حجراً في مياه العلاقات الجزائرية المغربية التي تعيش منذ أكثر من سنة على إيقاع توتر غير مسبوق، كان أبرز فصوله إعلان الجزائر في 25 أغسطس/آب 2021، قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.

وبينما تلقي عقود من التوتر والخلافات المزمنة والقطيعة الدبلوماسية بظلالها على علاقات البلدين الجارين، حمل خطاب العاهل المغربي، في طياته دلالات خاصة، ورسائل قوية، بعدما أعرب عن تطلعه إلى "العمل مع الرئاسة الجزائرية، يداً بيد، لإقامة علاقات طبيعية بين شعبين شقيقين، تجمعهما روابط تاريخية وإنسانية، والمصير المشترك".

وأكد حرص المغاربة على "الخروج من الأزمة الحالية التي تمر منها العلاقات الثنائية، وتعزيز التقارب والتواصل والتفاهم بين الشعبين".

حرص على العلاقات المغربية ـ الجزائرية

وبدا لافتاً تشديد الملك محمد السادس على أن "الحدود التي تفرق بين الشعبين الشقيقين، المغربي والجزائري، لن تكون أبداً حدوداً تغلق أجواء التواصل والتفاهم بينهما".

وأضاف: "بل نريدها أن تكون جسوراً، تحمل بين يديها مستقبل المغرب والجزائر، وأن تعطي المثال للشعوب المغاربية الأخرى".

وفيما كان لافتاً حرص العاهل المغربي على توجيه رسائل ودّ ودعوة لطيّ ماضي الخلافات ورأب الصدع بين البلدين وتطبيع العلاقات، إلا أن تساؤلات عدة تطرح بشأن مستقبل هذه العلاقات بين البلدين، وإن كانت هناك من فرصة حقيقية لتطبيعها وإحداث اختراق إيجابي بعد سنوات من الصراع والتنافس اللذين وصلا إلى حد العداء؟


محمد بودن: الخطاب الملكي يؤكد أن الرباط قررت ترك مرحلة المواجهة مع الجزائر وراءها

ولم تكن هذه المرة الأولى التي يتوجه فيها العاهل المغربي بدعوة للمصالحة ودفن ماضي الخلافات إلى الجانب الجزائري، وإن كان هذه المرة يأتي في وقت تجتاز العلاقات بين البلدين امتحاناً صعباً جعل المنطقة على شفير حرب إقليمية وقاب قوسين أو أدنى من الانزلاق إلى مواجهة أوسع.

ومنذ عام 2018 شكّلت سياسة "اليد الممدودة" المغربية تجاه الجزائر ثابتاً بنيوياً في مختلف الخطب الملكية، فدعا الملك محمد السادس في خطاب ذكرى المسيرة الخضراء، في 6 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، إلى إنشاء آلية سياسية للحوار والتشاور بين البلدين تروم، وفق رؤية الملك، تحقيق 3 أهداف هي: طرح القضايا الثنائية العالقة على الطاولة بشفافية ومسؤولية، والتعاون الثنائي في المشاريع الممكنة، بالإضافة إلى كيفية التنسيق حول بعض القضايا الكبرى المطروحة كمشاكل الإرهاب والهجرة.

لكن الاقتراح المغربي لم يلق استجابة، بعدما ووجِه بصمت جزائري أرجعه مراقبون حينئذ إلى ارتباك الوضع السياسي في الجزائر، حين كان البلد تحت حكم الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة الذي كان يعاني أزمة صحية استغلتها تيارات من داخل الجيش ومحيط بوتفليقة للصراع على الحكم.

وفي 30 يوليو/ تموز 2021، كان لافتاً أن جزءاً كبيراً من خطاب العرش توقف طويلاً عند الوضع غير الطبيعي للعلاقات بين البلدين، معتبراً أنه "من غير المنطقي بقاء الحدود مع الجزائر مغلقة. وأن ما يمسّ أمن الجزائر يمسّ أمن المغرب والعكس صحيح".

وقال العاهل المغربي بلهجة مؤثرة: "المغرب والجزائر أكثر من دولتين جارتين، إنهما توأمان متكاملان، وإن الوضع الحالي لهذه العلاقات لا يرضينا، وليس في مصلحة شعبينا، وغير مقبول من طرف العديد من الدول. فقناعتي أن الحدود المفتوحة هي الوضع الطبيعي بين بلدين جارين، وشعبين شقيقين".

وعلى الرغم من كل الضمانات التي قدمها الملك من خلال تأكيده أن الشر والمشاكل لن تأتي "الأشقاء في الجزائر أبداً من المغرب، كما لن يأتيهم منه أي خطر أو تهديد، لأن ما يمسّ الجزائر يمسّ المغرب، وما يصيب الجزائر يصيب المغرب"، إلا أن الجزائر اختارت بعد ثلاثة أسابيع على الدعوة المغربية لتجاوز الخلافات المستمرة منذ عقود، التصعيد بإعلان قرارها إعادة النظر في علاقتها مع الرباط وتكثيف المراقبة الأمنية على الحدود الغربية، جراء ما سمتها "الأفعال العدائية المتكررة من طرف المغرب".

وباءت كل المحاولات والمبادرات الساعية إلى إصلاح العلاقات المغربية الجزائرية بالفشل.

وحول ذلك، اعتبر رئيس "مركز أطلس لتحليل المؤشرات السياسية والمؤسساتية"، محمد بودن، أن "الخطاب الملكي يؤكد أن الرباط قررت ترك مرحلة المواجهة مع الجزائر وراءها، وأنها متمسكة بدعمها لخيار تطوير اندماج إقليمي ذكي، من منطلق تقدير الحوار والاحترام كطريق لبناء المستقبل المشترك".

وأشار في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "الأمر يتعلق بتأكيد ملكي لليد الممدودة تجاه الجزائر وعلى أهمية الحوار، لأن المرحلة التي تمرّ بها العلاقات الثنائية ينبغي معها تصور المستقبل بشجاعة وسعة نظر".

وأضاف: "قد تكون النكسات جزءاً من رحلة العلاقات بين البلدين في مرحلة معينة، لكن إهمال الحلول أمر غير ذي جدوى، وإن التواصل بين الشعبين المغربي والجزائري لا يمكن أن ينتهي بقطع الحدود".

ورأى بودن أن "خطاب الملك عبارة عن مبادرة بناءة وإرادية من المغرب يلزمها ما يشبهها من الجزائر لإحياء روح التضامن بين توأمين"، معتبراً ذلك خياراً استراتيجياً "سيمكّن البلدين معاً من مواجهة الجيل الجديد من الأعباء والتحديات واستثمار الإمكانات البشرية واللامادية والمستقبلية للبلدين، وصهرها في مجهود جماعي يمكن أن ينعكس إيجاباً على الفضاء المغاربي".


بوبكر أونغير: النظام الجزائري الحالي بنى استراتيجيته على معاداة المغرب

وشدّد بودن على أن "التفاعل الجزائري الإيجابي لن يكون إلا في مصلحة المنطقة المغاربية والمجموعة العربية في أفق انعقاد القمة العربية بالجزائر في نوفمبر المقبل"، موضحاً أن "الخطاب الملكي خاطب العقل في الدولة الجزائرية وتمسك بالأخوة مع الشعب الجزائري، لأن الوضع الحالي للعلاقات لا ينبغي أن تكون له علاقة بالماضي، ويمكن الانتقال إلى مساحة جديدة قائمة على القواسم المشتركة للتغلب على عدم اليقين وبدء الحد الأدنى من التعاون".

دعوة لتطبيع العلاقات 

من جانبه، اعتبر الباحث في العلاقات الدولية، بوبكر أونغير، أن الخطاب الملكي، الذي حمل دعوة جديدة للجزائر لفتح صفحة جديدة في العلاقات الثنائية، "خطوة ذكية من العاهل المغربي لجهة إخلاء مسؤوليته ومسؤولية بلاده عن التوتر الحاصل بين البلدين".

وأضاف في حديثٍ لـ"العربي الجديد": "وإذا كان جواب حكام الجزائر إيجابياً فذلك ما يريده البلدان والشعبان تحديداً. أما إن كانت الاستجابة سلبية، فسيتبين حينها للشعبين الشقيقين من المسؤول عن الانحباس الحاصل في العلاقات بين البلدين".

وأشار أونغير إلى أن "دعوة الملك تبقى إشارة ضمنية لجهود المغرب لتلطيف أجواء العلاقات بين البلدين قبل انعقاد القمة العربية بالجزائر، والتي يسعى المغرب لإنجاحها إذا ما أبدى الجزائريون استعداداً لفتح صفحة جديدة في العلاقات".

لكن أونغير توقع عدم استجابة الجزائر لليد المغربية الممدودة لاعتبارين رئيسيين: أولهما أن "النظام الجزائري الحالي بنى استراتيجيته على معاداة المغرب، وأنه من الصعب عليه التراجع عن ذلك بناء على دعوة مغربية".

والاعتبار الثاني هو أن "الالتزامات الإقليمية والدولية للجزائر مع أطراف معادية للمغرب ستجعلها غير قادرة على الاتجاه نحو المصالحة وطيّ صفحة التوتر".

وتشهد العلاقات المغربية الجزائرية، منذ أكثر من سنة، أزمة غير مسبوقة، كان أبرز فصولها إعلان وزير الشؤون الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، في 25 أغسطس 2021، قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، جراء "استفزاز المغرب للجزائر الذي بلغ ذروته، وتخليه عن الالتزامات الأساسية للعلاقات مع الجزائر".

في المقابل، وصفت الخارجية المغربية قرار السلطات الجزائرية قطع العلاقات الدبلوماسية مع الرباط بـ"أحادي الجانب" و"غير المبرّر تماماً"، معبّرة عن "رفض المغرب القاطع المبررات الزائفة، بل العبثية التي بُني عليها".

المساهمون