هل توقف الجهود الأميركية "اقتصاد المخدرات" للأسد؟

11 ديسمبر 2022
شحنة مخدرات من سورية مصادرة في تركيا (سيركين أفشي/الأناضول)
+ الخط -

بعدما تحوّل إنتاج المخدرات في سورية إلى أبرز الطرق التي توفّر عوائد مالية كبيرة لنظام بشار الأسد، بعد أكثر من عقد من الحرب، يبرز التحرك الأميركي لمكافحة تجارة المخدرات التي يديرها هذا النظام، عبر قانون خاص في هذا السياق، تم تضمينه في مشروع ميزانية الدفاع الوطني الأميركية لعام 2023، الذي أقره مجلس النواب الأميركي قبل أيام، على أن ينتقل بعدها إلى مجلس الشيوخ، قبل أن يصل إلى الرئيس الأميركي جو بايدن، ليصدره ويصبح ملزماً.

قانون أميركي لتعطيل إنتاج وتهريب المخدرات

وأعلن النائب في مجلس النواب الأميركي فرينش هيل، في بيان نشره عبر موقعه يوم الخميس الماضي، أن قانون "تفويض الدفاع الوطني" للسنة المالية 2023 الذي جرى إقراره يتضمن قانوناً لتعطيل وتفكيك إنتاج وتهريب نظام الأسد للمخدرات. وقال هيل: "أنا فخور بهذا الإنجاز، وسأواصل العمل بلا كلل لمنع نظام الأسد من تعزيز نفوذه عبر نشر الكبتاغون دولياً".

وفي السياق، ذكر الباحث السياسي والمستشار السابق للمجلس السوري الأميركي محمد غانم، على صفحته في "فيسبوك"، أنه بعد تصويت مجلس النواب الأميركي سينتقل المشروع إلى مجلس الشيوخ، متوقعاً أن يتم إقراره من المجلس قبل نهاية العام الحالي، من دون أي تغيير في نصه. وأشار غانم إلى أن القانون يُسمي بشار الأسد صراحة بأنه زعيم عصابة مخدرات وينص على أن شبكة تجارة المخدرات التي يديرها هي خطر على الأمن الدولي.

غانم: القانون الأميركي يُسمي بشار الأسد صراحة بأنه زعيم عصابة مخدرات

ووفق مشروع القانون المسمى "تعطيل وتفكيك شبكات إنتاج المخدرات والاتجار بها المرتبطة بنظام الأسد"، فإنه يجب على وزارات الدفاع والخارجية والخزانة الأميركية، ومدير إدارة مكافحة المخدرات، ومدير الاستخبارات الوطنية، ورؤساء الوكالات الفيدرالية ذات الصلة، أن يقدّموا خلال مدة لا تتجاوز 180 يوماً بعد إصدار القانون استراتيجية مكتوبة إلى لجان الكونغرس ذات الصلة، تتضمن كيفية تعطيل وتفكيك إنتاج المخدرات والاتجار بها، والشبكات التابعة للنظام السوري التي تدعم بشكل مباشر أو غير مباشر عملية تصنيع المخدرات.

كما يطلب الدعم الدبلوماسي والاستخباراتي لهذا القانون ومساندة الدول الشريكة أو المتضررة من مخدرات الأسد من خلال التشاور معها أو مساعدة وتدريب أجهزتها المعنية، إضافة إلى تنظيم حملة إعلامية عامة لتسليط الضوء على ارتباط نظام الأسد بتجارة المخدرات غير المشروعة.

مليارات الدولارات مداخيل من المخدرات

وعلى مدار السنوات الثلاث الماضية، رصدت تقارير إعلامية دولية عديدة، ومراكز أبحاث، آلية إنتاج المخدرات في سورية وخصوصاً الكبتاغون، والجهات التي تقف خلفها وحجم الإنتاج الكلي، وطرق تصريفها محلياً وخارجياً، ومدى اعتماد نظام الأسد على عوائدها، بعد انهيار بنيته الاقتصادية، وتراجع عوائد القطاعات التقليدية، لا سيما النفط.

وقدرت تقارير نشرتها صحيفة نيويورك تايمز الأميركية نهاية العام الماضي، وصحيفة "دير شبيغل" الألمانية، منتصف العام الحالي، أن عوائد المخدرات على نظام الأسد وصلت إلى 5.7 مليارات دولار عام 2021 وحده.

ووفق الصحيفتين، فإن رموز النظام متورطون في تجارة المخدرات التي تتجاوز الحدود السورية وتصب في الخليج وأوروبا، خصوصاً "الفرقة الرابعة" التي يقودها ماهر الأسد، شقيق بشار الأسد، والتي تعد المسؤولة عن تصنيع مادة الكبتاغون بالتعاون مع رجال أعمال تربطهم علاقات وثيقة بالنظام و"حزب الله" اللبناني وأعضاء آخرين من عائلة الأسد.

قضايا وناس
التحديثات الحية

وقال الصحافي السوري المتابع لهذا الملف فؤاد عبد العزيز، في حديث مع "العربي الجديد"، إن تجارة المخدرات ليست جديدة في سورية، لكن البلاد ظلت حتى قبل عام 2011 بلد عبور للمخدرات، وليست منتجاً رئيسياً لها. وأضاف أنه منذ عام 2013، ومع بدء ظهور التصدعات في اقتصاد النظام نتيجة الحرب، بدأ اقتصاد المخدرات يتنامى تدريجياً برعاية مباشرة من جانب أجهزة الأمن والفرقة الرابعة، والتي استحوذت لاحقاً على الحصة الكبرى من هذه التجارة.

عبد العزيز: تحولت سورية اعتباراً من عام 2018 إلى مُنتج كبير للمخدرات

ولفت إلى أن سورية تحوّلت اعتباراً من عام 2018 إلى مُنتج كبير للمخدرات، وكانت شحنة حبوب الكبتاغون التي ضبطت في اليونان منتصف عام 2019 أكبر نشاط علني كبير يتم الكشف عنه يشير إلى تورط نظام الأسد في تهريب المخدرات إلى العالم، وهي الشحنة التي قُدّرت قيمتها حينذاك بنحو 660 مليون دولار، قبل أن تكشف إيطاليا في العام التالي عن شحنة أكبر زادت قيمتها عن مليار دولار.

وأشار عبد العزيز إلى أن لدى النظام وشركائه، خصوصاً "حزب الله"، كل المقومات والدوافع لإنتاج المخدرات، لا سيما الكبتاغون، الأرخص تكلفة والمدر للمال الوفير. وأضاف "لديهم خبراء وعشرات المعامل تحت وفوق الأرض، ومرافئ متصلة بممرات الشحن في البحر المتوسط، وطرق تهريب برية إلى الدول المجاورة، في إطار رعاية رسمية وحماية أمنية من أعلى أجهزة النظام".

وأوضح أن تدمير معظم الاقتصاد المحلي، وخروج حقول النفط والغاز عن سيطرة النظام، إضافة إلى العقوبات الدولية المفروضة على النظام وحليفته إيران، كل ذلك أسهم في تقليل الموارد المالية الشرعية المتاحة أمام النظام، وجعله يفكر في طرق شتى للوصول إلى العملة الصعبة التي يحتاجها بشدة، فضلاً عن دوافع خاصة ببعض رموز النظام الذين يسعون إلى تنمية ثرواتهم الشخصية.

كما أن الضائقة المالية التي مر بها "حزب الله" نتيجة تقليص الدعم المالي من إيران بسبب العقوبات الدولية المفروضة على الأخيرة، جعلت من الحزب شريكاً رئيسياً للنظام في هذه التجارة، وفق قوله.

وتشير تقارير إعلامية إلى أن الحبة الواحدة من الكبتاغون متدني الجودة تباع مقابل دولار واحد داخل سورية، ما يسرع في انتشارها في أوساط الشباب، فيما يبلغ سعر الحبة ذات الجودة العالية في الأسواق الخارجية أكثر من 14 دولاراً، وهو ما يحقق أرباحاً طائلة للقائمين بهذه التجارة.

خيارات نظام الأسد

وحول خيارات نظام الأسد إذا تم تفعيل الجهود الدولية، لا سيما الأميركية ضده، وهل يمكن أن تسهم تلك الجهود في ضعضعته وإسقاطه، رأى الباحث شادي عبد الله، في حديث مع "العربي الجديد"، أن تجارة المخدرات باتت خياراً استراتيجياً لنظام الأسد، بسبب ضيق الخيارات الأخرى أمامه وعدم قدرته على جني الأموال من مصادر إنتاج شرعية في ظل العطب الذي أصاب اقتصاده بعد سنوات طويلة من الحرب والعقوبات الدولية.

وأضاف أنه وفق تقارير دولية، تمت مصادرة كميات من المخدرات مصدرها سورية العام الماضي في أماكن مختلفة من العالم بقيمة لا تقل عن 3.4 مليارات دولار، مقارنة بأكبر تصدير قانوني لسورية وهو زيت الزيتون الذي تبلغ قيمته حوالي 122 مليون دولار في السنة.

وإضافة إلى جني الأموال، فإن هذه التجارة، وفق عبدلله، تستهدف على الصعيد الداخلي ضرب بنية المجتمع السوري، إذ تنتشر هذه الآفة بشكل كبير بين الشباب، خصوصاً الأنواع الرديئة من الحشيش وحبوب الكبتاغون.

ولفت إلى ترافق المخدرات مع أنواع أخرى من الأنشطة غير المشروعة مثل تجارة الأسلحة والخطف والابتزاز والاتجار بالبشر، والدعارة القسرية وتهريب الأعضاء والآثار، وهو ما يؤشر إلى انهيار تام في "منظومة الدولة" ونشوء اقتصاد موازٍ يعمل في الظل، يعتمد كلياً على الأنشطة غير المشروعة.

المساهمون