استمع إلى الملخص
- **التدخلات الدولية وتأثيرها**: النزاع داخل الحكومة السودانية والتدخلات الروسية والصينية والإيرانية تعوق التوصل لاتفاق، بينما تواجه الولايات المتحدة تحديات من القوى الدولية الأخرى.
- **فرص التفاوض وآراء متباينة**: هناك آراء متباينة حول فرص التفاوض، مع تأكيد الكتلة الديمقراطية على الالتزام باتفاق جدة والتحفظ على التغييرات في هيكل الوساطة.
أحبطت مواقف الحكومة السودانية الأخيرة جهوداً أميركية تسعى لإنهاء الحرب في السودان، عبر عقد مفاوضات عاجلة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في جنيف، وكان رئيس الوفد الحكومي السوداني قد أعلن عقب اجتماعات جرت، قبل يومين، في مدينة جدة السعودية مع المبعوث الأميركي للسودان، توم بيرييلو، عن فشل المشاورات مع الجانب الأميركي وعن توصية الوفد للقيادة السودانية بمقاطعة مفاوضات جنيف المقررة يوم الأربعاء المقبل. وقال الناطق الرسمي باسم الحكومة السودانية وزير الإعلام، جراهام عبد القادر، في بيان حول نتائج مشاورات جدة، أمس الأحد، إن الولايات المتحدة مصرة على إشراك الإمارات مراقباً في المفاوضات، رغم رفض الحكومة السودانية التي تتهم أبوظبي بدعم قوات الدعم السريع في الحرب الدائرة في السودان منذ إبريل/نيسان من العام الماضي.
وأضاف بيان الحكومة السودانية أن الوفد الأميركي لم يلتزم بدفع "المليشيا المتمردة" للالتزام بتنفيذ إعلان جدة الذي يتضمن الالتزام بحماية المدنيين في السودان، ويستند إلى القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان، وأشار البيان لعدم تقديم الوفد الأميركي ما يبرر إنشاء منبر جديد في جنيف، مؤكداً في الوقت نفسه تمسّك الحكومة بتنفيذ إعلان جدة الموقع في 11 مايو/أيار من العام الماضي، ورفض وجود أي مراقبين أو مسهلين جدد، مع ترحيبها بالمبادرات التي تلبي وتستجيب وتحفظ سيادة البلاد وكرامة الشعب السوداني. وعلى الرغم من عدم الإعلان الصريح عن مقاطعة الحكومة السودانية مفاوضات جنيف أو صدور قرار نهائي، فإن الإحباط سيد الموقف، لا سيما وسط الراغبين في وقف الحرب، التي قتلت حتى الآن ما يزيد عن 15 ألفاً من المدنيين، وشرّدت ما يزيد عن عشرة ملايين شخص ما بين نازح في الداخل ولاجئ في الخارج.
وكان وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، قد وجّه، نهاية الشهر الماضي، دعوة للجيش السوداني وقوات الدعم السريع لحضور مفاوضات في سويسرا تحت وساطتها، وبمشاركة مراقبين هم السعودية ومصر والإمارات والاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة والهيئة الحكومية للتنمية "إيغاد"، وذلك بغية التوصل لاتفاق حول وقف إطلاق النار، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية، والتوافق على آلية لتنفيذ أي اتفاق يجري التوصل إليه. وأعلنت قوات الدعم السريع الترحيب بالدعوة بعد ساعات من استلامها، وأكدت استعدادها للانخراط فيها، وتحقيق أهداف التفاوض، فيما وضعت الحكومة السودانية شروطاً للاستجابة للدعوة منها تنفيذ اتفاق جدة، وإبعاد الإمارات عن المشاركة بصفة مراقب، وأن تكون المشاركة باسم الحكومة السودانية وليس الجيش السوداني.
وقال كمال عمر، الأمين السياسي لحزب المؤتمر الشعبي، لـ"العربي الجديد" إن "ما يحبط هو عدم الاستقرار في اتخاذ القرار السياسي داخل الحكومة" وهو "ناتج عن النزاع داخل المنظومة الحاكمة، حيث إن بعضهم يعمل لصالح المؤتمر الوطني المحلول، ويريدون المساومة ببطاقة الضغط لتمرير أجندتهم، رغم أن حريق الحرب لم يستثن أحداً ولا مجال لانتصار طرف على آخر، وهناك عوامل دولية أخرى"، وأضاف أن التحرك الأميركي ليس بسبب الانتخابات الأميركية، بل "السبب الرئيسي هو التدخل الروسي في السودان، وكذلك التدخل الصيني والإيراني، ما شجع الجانب العسكري على المماطلة، لأنه يعتقد أنه سيجد متكأ دولياً آخر يستند إليه".
ويرى عمر أن "الولايات المتحدة لن تفرط في السودان، وقد حاولت موازنة سياستها مؤخراً بالحديث عن الجيش السوداني بطريقة إيجابية"، مبيناً أن "الحكومة أوصلت مباحثات جدة التشاورية للانهيار، لأنها أرسلت وفداً بمهمة معينة، ولم يكن الوفد يملك أي قرار، بل لم يكن مطلوب منه أصلاً اتخاذ موقف إيجابي، لأن الحكومة لم تكن جادة، ويمكنها أن تناور حتى 14 من الشهر الجاري (موعد انطلاق المفاوضات)"، مؤكداً أنه لا يأمل كثيراً في المفاوضات، لأن روسيا والصين وإيران تلعب دوراً مغايراً، ووجّه عمر رسالة للحكومة طلب فيها النظر بعين الاعتبار لمعاناة السودانيين، والجدية في التوصل لاتفاق ووقف إطلاق النار "ما يقود لفتح مسار سياسي لتوافق السودانيين".
ويبدي صالح عمار، عضو الهيئة القيادية لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية، أسفه لأي مواقف لا تقود طرفي الحرب للجلوس على طاولة التفاوض وإنهاء الحرب، مؤكداً في حديث مع "العربي الجديد" أن "ما يهم الشعب السوداني الآن هو الجلوس على طاولات التفاوض كأولى خطوات الحل، وقد استجاب الدعم السريع للدعوة الأميركية، ويتطلع السودانيون إلى خطوة مماثلة من جهة الجيش"، وأشار إلى أن امتناع الجيش السوداني بينما تستجيب الأطراف الأخرى "سيدفع العالم إما لدعم أو التواطؤ مع الأطراف الأخرى ومنحها الضوء الأخضر لإكمال سيطرتها على ما تبقى من السودان، وفي هذه الحالة سيكون الخاسر هو الشعب السوداني". وأشار عمار إلى أن "هناك إجماعاً على وجود طرف يمنع قيادة الجيش من الجلوس على طاولات التفاوض، وهم عناصر نظام الرئيس عمر البشير البائد"، مبيناً أن الحرب عندما اندلعت كانت محصورة في مناطق محددة لكنها الآن "تدور في الغالبية العظمى من الولايات السودانية"، مؤكداً أن "الدعم السريع ليس بريئاً مما يدور، فهو شريك أصيل في الحرب التي باتت تهدد الجميع".
من جهته، يقلل اللواء المتقاعد، أمين إسماعيل مجذوب، من حجم الاحباط والتشاؤم، ويؤكد أن الفرصة لا تزال قائمة في عودة الأطراف للتفاوض متى لبّت الوساطة الأميركية مطالب الحكومة السودانية، وأوضح لـ"لعربي الجديد" أن "الأصل في عمليات التفاوض هو الاستمرارية والديناميكية، والانتقال من مرحلة لمرحلة"، مبيناً أن ما حدث في جدة كان "اجتماعاً تنسيقياً تشاورياً ونتائجه لا تعني فشل المفاوضات، إنما هناك اختلاف في وجهات النظر حول بعض النقاط التي تريدها الحكومة السودانية ولم تقبلها الوساطة، التي ينبغي عليها تغيير عدد من نقاط مبادرتها، وألا تفرض أي شيء على المتفاوضين، وأن تسعى دوماً لتقريب وجهات النظر"، مشيراً إلى "إصرارٍ من جانب المجتمع الدولي على إيقاف الحرب وهذا يمكن أن يؤدي لنتائج". وأكد أن الحكومة لا ترفض التفاوض من أجل الرفض، وإنما "تطالب بتحضير جيد للأجندة وتمثيل الوفود وتوضيح مهمة المراقبين، وعدم التفريط في الاتفاقيات السابقة لما فيها من مكاسب، وتوقع أن يجري تأجيل تفاوضات يوم الأربعاء لحين اكتمال المشاورات".
ويرى محمد زكريا، الناطق الرسمي باسم الكتلة الديمقراطية المساندة للجيش السوداني، أنه يجب الالتزام باتفاق جدة الذي جرى التوصل إليه بوساطة سعودية أميركية، مشيراً في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أن نقل مقر المفاوضات إلى جنيف "يحمل علامات استفهام عديدة"، متسائلاً حول النية من الدعوة لعقد المفاوضات في جنيف "هل هي محاولة للتنصل من التزامات جدة، لا سيما تلك القاضية بخروج مليشيا الدعم السريع من الأعيان المدنية، أم ستنعقد هذه المفاوضات وفقاً لمرجعيات جدة والتزاماتها"، وأضاف أن إدخال "جهات ضمن هيكل الوساطة بصفة مراقبين يتعارض والموقف المعلن للحكومة السودانية المطالبة باقتصار الوساطة على أميركا والسعودية"، معتبراً أن التحفظ على عدم وضوح مرجعيات التفاوض والتغييرات في هيكل الوساطة وإن بدت مسائل شكلية وإجرائية لكنها "تمثل تحديات كبيرة ومطلوب من الولايات المتحدة إبداء رأي واضح حولها قبل انعقاد المفاوضات لضمان تحقيق تقدم".