- السعودية تظهر كمرشح لاستضافة اجتماعات اللجنة الدستورية، مع ترحيب من النظام والمعارضة السورية، لكن تعنت النظام قد يعيق الجهود السعودية في حل الأزمة.
- روسيا ترحب بفكرة استضافة الرياض للاجتماعات، مما يعكس رغبتها في تعزيز العلاقات مع السعودية وتسوية القضية السورية، بينما يبقى موقف إيران غير واضح.
بحث المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسن مع وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان هاتفياً مستجدات الأوضاع في القضية السورية، في مؤشر جديد على أنّ الأمم المتحدة قد تقبل بتأدية الرياض دوراً جديداً في التوصل إلى حلّ سياسي لهذه القضية من بوابة اللجنة الدستورية.
واكتفت وكالة الأنباء السعودية (واس) بالقول إنّ بن فرحان تلقّى اتصالاً من غير بيدرسن، أمس الأربعاء، شهد "مناقشة الجهود التي تُبذَل إزاء حلّ الأزمة السورية". ويبدو أن اتصال المبعوث الأممي يأتي في سياق المحاولات الأممية لعقد جولة تاسعة من اجتماعات اللجنة الدستورية السورية، المشكّلة من النظام والمعارضة لوضع دستور جديد للبلاد، والمتوقفة منذ منتصف عام 2022.
ويرفض الجانب الروسي عودة الاجتماعات إلى مقرّ الأمم المتحدة في جنيف السويسرية، لأنها لم تعد "منصة حيادية" وفق زعم موسكو التي تتخذ من الملف السوري وسيلة مناكفة سياسية للغرب، في ضوء الصراع المحتدم بسبب الحرب الأوكرانية.
خيار الرياض لاحتضان اجتماعات اللجنة الدستورية
ربما تُعدّ الرياض حلاً لمعضلة مكان عقد الاجتماعات، خصوصاً أن النظام والمعارضة معاً، كما يبدو، يرحبان بدور سعودي فاعل لحلّ القضية السورية من خلال بوابة اللجنة الدستورية. وكان وزير خارجية النظام فيصل المقداد قد زار الرياض منتصف الشهر الحالي، قبيل زيارة قام بها المبعوث الأممي إلى العاصمة السورية دمشق، لم ينجح خلالها في إقناع النظام بعقد جولة جديدة من اجتماعات اللجنة الدستورية.
محمد سالم: تعنّت النظام ربما لا يشجع المملكة على الانخراط في جهود مرتبطة بسورية
وحول ذلك، أكد رئيس هيئة التفاوض السورية (التابعة للمعارضة) بدر جاموس، في حديثٍ لـ"العربي الجديد" الأسبوع الماضي، أن المعارضة السورية طرحت الرياض مكاناً لعقد اجتماعات اللجنة الدستورية، موضحاً أنه "إلى الآن لم يُتوافق على مكان محدد لاستئناف اجتماعات اللجنة الدستورية، بانتظار انتهاء مشاورات المبعوث الدولي إلى سورية مع الأطراف المعنية، بما في ذلك أخذ رأي السعودية إن كانت راغبة في انعقاد جولة المفاوضات على أراضيها".
ويبدو أن الرياض مترددة في العودة مجدداً إلى تأدية دور سياسي في القضية السورية، ولا سيما أنها لمست رفض النظام تقديم أي تنازلات لتنفيذ القرار الدولي 2254، على الرغم من أن الجانب العربي، وفي قلبه السعودية، أعاد هذا النظام إلى الجامعة العربية في العام الماضي في سياق تطبيع وعودة للعلاقات الدبلوماسية بينه وبين أغلب الدول العربية.
وأمَلَت الدول العربية أن يدفع التقارب مع دمشق، النظام إلى تسهيل مهمات الأمم المتحدة للتوصل إلى حل سياسي للقضية السورية، إلا أنه بقي على موقفه حيال أغلب الملفات التي طالب العرب النظام التعامل معها بـ"مرونة"، ومنها العملية السياسية، وملفا اللاجئين والمخدرات.
وكانت الرياض قد انخرطت في الملف السوري منذ الأشهر الأولى للثورة السورية في عام 2011، حين حاول المسؤولون السعوديون دفع النظام إلى التجاوب مع مطالب السوريين بالإصلاح السياسي، إلا أنه لم يكترث بكل الجهود العربية لحل الأزمة السورية في مهدها، ما دفع معظم الدول العربية، بما فيها السعودية، إلى قطع علاقاتها مع النظام وإغلاق سفاراتها في دمشق في الربع الأول من عام 2012.
ونشطت السعودية بعد ذلك في دعم المعارضة السورية من خلال "الائتلاف الوطني السوري"، الذي تشكل في عام 2012 في العاصمة القطرية الدوحة، وضمّ الكثير من تيارات المعارضة السورية، ونال اعترافاً دولياً بكونه الممثل الشرعي لقوى الثورة والمعارضة السورية.
ودفعت الرياض هيئات ومجالس وتيارات المعارضة السورية إلى عقد اجتماع في المملكة أواخر عام 2015، عُرف باجتماع "الرياض 1"، انبثقت منه "الهيئة العليا للمفاوضات" التي أشرفت على التفاوض مع النظام السوري في جنيف تحت مظلة الأمم المتحدة. وفي نهاية عام 2017، دعت وزارة الخارجية السعودية إلى اجتماع "الرياض 2"، الذي استبعد شخصيات معارضة عدة، وأبرزها رياض حجاب، الذي كان قد ترأس "الهيئة العليا للمفاوضات" في دورتها الأولى.
وفي مطلع عام 2021، تفاقمت الخلافات داخل "هيئة التفاوض"، وهو ما دفع الجانب السعودي إلى "تعليق عمل موظفي الهيئة"، التي تتخذ من الرياض مقراً لها منذ تأسيسها عام 2015.
طه عبد الواحد: موسكو ترحب باستضافة الرياض اجتماعات اللجنة الدستورية
وشهد الموقف السعودي من الملف السوري تبدلاً عميقاً في بدايات العام الماضي، خصوصاً بعد الزلزال الذي ضرب الشمال السوري في مطلع فبراير/ شباط 2023 والذي اتخذت منه دول عربية ذريعة للتطبيع مع النظام السوري.
ولم تمانع الرياض في عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية، وهي التي وقفت منذ عام 2012 بوجه كل محاولات دول عربية لإعادة النظام إلى الحضن العربي، بسبب رفضه التعاطي الإيجابي مع جهود التسوية السياسية. وحضر رئيس النظام السوري بشار الأسد القمة العربية في مدينة جدة في مايو/ أيار 2023، في تدشين واضح لعودة الدفء إلى العلاقات مع الرياض التي أعلنت في الشهر نفسه استئناف العلاقة الدبلوماسية مع النظام السوري بعد قطيعة بدأت في مارس/ آذار عام 2012، "حرصاً على الإسهام في تطوير العمل العربي المشترك".
وفي مقابل الخطوة السعودية، سحب النظام اعترافه بحكومة الحوثيين في اليمن، وطلب من ممثليها مغادرة السفارة اليمنية في دمشق، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
الملف السوري ليس أولوية سعودياً
ورأى مدير وحدة الدراسات في "مركز أبعاد"، الباحث السياسي محمد سالم، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "مجرد عقد اللجنة الدستورية في الرياض لا يعني دوراً أكبر للسعودية في الملف السوري".
وتابع: "حالياً لا يبدو الملف السوري في أولويات السعودية، لكن من الممكن أن تؤدي المملكة دوراً أكبر في التوسط والسعي للحل السياسي، لكن الإشكالية تبقى في تعنّت النظام وعدم رغبته في التجاوب مع هذه الجهود، ولذلك ربما هذا لا يشجع المملكة على الانخراط في مثل هذه الجهود".
إلى ذلك، من المرجّح أن يجد توجه المبعوث الأممي إلى نقل اجتماعات اللجنة الدستورية ترحيباً روسياً، فهذه الخطوة تعني نجاح الجهود الروسية في سحب القضية السورية من تحت المظلة الدولية، لفرض رؤية موسكو في حل يقوم على بقاء بشار الأسد في السلطة، لكونه الضمانة للمصالح الروسية في شرق المتوسط، في خضمّ صراع بعيد المدى مع الغرب.
في هذا الصدد، أبدى المحلل السياسي المختص بالشأن الروسي، طه عبد الواحد، في حديث مع "العربي الجديد"، اعتقاده أن موسكو "ترحب بقوة باستضافة الرياض اجتماعات اللجنة الدستورية السورية". وأضاف أن موسكو تسعى لتعزيز العلاقات الثنائية مع الرياض، ونقل اجتماعات اللجنة الدستورية إلى العاصمة السعودية سيعزز التوجه الروسي.
وأشار عبد الواحد إلى أن "الجانب الروسي يريد تطبيعاً كبيراً بين النظام والسعودية واستضافة الرياض لاجتماعات اللجنة الدستورية يدفع بهذا الاتجاه"، معرباً عن اعتقاده أن النظام "لا يرفض استضافة الرياض لهذه الاجتماعات، لأن ذلك يعزز التقارب مع السعوديين الذي بدأ قبل نحو عام".
وتساءل عبد الواحد: "ولكن هل ستوافق طهران على نقل الاجتماعات الدستورية السورية إلى الرياض؟ أعتقد أن هذا هو السؤال الآن، خصوصاً أنّ طهران هي شريكة لموسكو وأنقرة في مسار أستانة التفاوضي الخاص بالقضية السورية".