جدّد "مجلس سورية الديمقراطي"، والمعروف اختصاراً بـ"مسد"، والإدارة الذاتية الكردية في شمال وشرق سورية، الرغبة في حوار سياسي مع النظام "يفضي لنتائج حقيقية"، في خطوة ربما تفتح الباب أمام مفاوضات برعاية روسية لحسم مصير منطقة شرقي نهر الفرات.
وبعد اجتماع لـ"مسد"، الذي يعد بمثابة الجناح السياسي لـ"قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، عقد أمس، الثلاثاء، في بلدة الدرباسية في ريف الحسكة الشمالي، عبّر المجتمعون، في بيان، "عن أهمية الحوار بين السوريين كافة شرط أن يفضي لنتائج حقيقية".
ووفقاً للبيان، أشار المجلس إلى أنه و"الإدارة الذاتية" "منفتحون للحوار إذا كانت لدى روسيا خطة عملية حقيقية للتعامل مع موضوع العلاقة بين الإدارة الذاتية والحكومة المركزية في دمشق".
وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قد دعا، منذ أيام، أكراد سورية إلى إبداء اهتمام بالحوار مع حكومة دمشق، وعدم الرضوخ لمحاولات فرض نزعات انفصالية عليهم.
وأكد لافروف، خلال مؤتمر صحافي، أنّ "موسكو منذ بداية النزاع السوري تشجع على إجراء اتصالات مباشرة بين الأكراد وحكومة دمشق، بهدف التوصل إلى اتفاقات بشأن كيفية التعايش معاً في دولة واحدة"، لافتاً إلى أنّ العراق المجاور "يشكل مثالاً جيداً يمكن الاستفادة منه في هذا الصدد".
وهذه ليست المرة الأولى التي تحاول فيها موسكو جمع النظام و"الإدارة الذاتية" و"مجلس سورية الديمقراطي" على طاولة حوار يرقى إلى مستوى التفاوض.
وسبق أن استضافت قاعدة حميميم الروسية على الساحل السوري، أكثر من اجتماع لهذا الهدف. كما عقدت في العاصمة السورية دمشق عدة جلسات حوار بين قياديين أكراد من "حزب الاتحاد الديمقراطي"، أبرز أحزاب "مسد"، و"الإدارة الذاتية"، لكنها لم تفض إلى نتيجة بسبب رفض النظام تقديم تنازلات حقيقية للجانب الكردي.
وفي الشأن، أوضح الرئيس المشترك لـ"مسد" رياض درار، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "الحوار مع النظام للوصول إلى نتائج مسألة لم تنقطع في سياسة مجلس سورية الديمقراطي"، مشيراً إلى أنّ "الإدارة الذاتية منفتحة على الحوار". إلا أنه استدرك قائلاً إنّ "النظام يعرقل الحوار على الدوام"، لافتاً إلى أنّ "مجلس سورية الديمقراطي سجّل، الثلاثاء، تأييده للدعوة الروسية، على أن تكون لدى موسكو قدرة على وضع تصورات حقيقية لحوار يفضي لنتائج، والضغط على النظام لاستمرار الحوار وليس مجرد مشاورات تنتهي بجولة واحدة".
وحول ثوابت "مجلس سورية الديمقراطي" في أي حوار يمكن أن يعقد مع النظام، قال درار إنّ "ثوابتنا هي أن تكون هناك شراكة حقيقية، وألا يكون هناك استئثار بالسلطة من قبل الحكومة السورية".
وأوضح أنّ "المشاركة تعني أن يحكم الشعب نفسه عبر إدارات ذاتية بوسائل ديمقراطية من خلال مفهوم اللامركزية، والمركز تكون لديه سلطات سيادية في وزارات معينة، كالخارجية والدفاع والمالية والاقتصاد".
وأردف: "لدينا ثابت مهم وهو القرارات الدولية التي رسمت الحل في سورية، وأبرزها القرار 2254 الذي يعترف به الجميع، ومن ثم لا بد من تفعيل مقررات هذا القرار في أي حوار أو مفاوضات مع النظام السوري، لأنه من دون ذلك لا يمكن العمل على تحقيق نتائج إيجابية".
وحول موقف الولايات المتحدة الأميركية، وهي الداعم الرئيسي لـ"الإدارة الذاتية"، بشأن فتح قنوات حوار مع النظام، قال درار إنّ "واشنطن لم تقف يوماً في وجه الحوار مع النظام"، مستطرداً "كانت دائماً تسأل عن النتائج جراء جولات الحوار التي بدأت مع النظام منذ منتصف عام 2018".
ولفت إلى أنّ الولايات المتحدة الأميركية "لم تعترض سبيل هذا الحوار لأنه يأتي ضمن مسار جنيف"، مبيناً أنّ "لواشنطن وجهة نظر معروفة وهي أنّ تغيير سلوك النظام يمكن أن يؤدي إلى قبول التفاوض معه، ومن ثم نحن نتحرك ضمن هذه الدائرة وبدون إثارة مشاكل مع الحلفاء".
بدورها، أكدت المتحدثة باسم "حزب الاتحاد الديمقراطي" سما بكداش، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ حزبها "جاهز لأي حوار مع النظام يحمي حقوق أهالي منطقة شرقي نهر الفرات ومراعاة طبيعة هذه المنطقة"، مشددة على أنه "يجب أن تكون هناك ضمانات دولية لتنفيذ ما يُتفق عليه في هذا الحوار".
وتسيطر "قوات سورية الديمقراطية"، منذ عدة سنوات، بدعمٍ أميركي كبير ومباشر، على منطقة شرق الفرات التي تعادل ثلث مساحة سورية، أي نحو 60 ألف كيلومتر مربع، وتضمّ غالبية ثروات البلاد المائية والزراعية والنفطية.
ويريد النظام استرجاع المنطقة ذات الغالبية العربية من السكان من دون شروط، بينما تصر القوات الكردية على أن تكون جزءاً من الجيش السوري، مع إدارة ذاتية للمناطق التي تسيطر عليها.
ومنذ خروج منطقة شرقي نهر الفرات عن سيطرة النظام يعاني اقتصاده من تراجع كبير سبب له الكثير من الأزمات، لذا يبدو النظام هو المستفيد من أي تفاهمات مع "الإدارة الذاتية" برعاية روسية.
ويعتبر المحلل السياسي فريد سعدون، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "لا يمكن القول إنه جرى حوار كردي مع النظام"، موضحاً أنّ "ما جرى هو لقاءات حزبية لجهة محددة لا تخص الشعب الكردي بالمعنى الدقيق".
وبيّن أنّ عدة جهات تقترح فتح قنوات حوار بين "الاتحاد الديمقراطي" والنظام لحسم مصير شرقي الفرات، معرباً عن اعتقاده بأنه "ليس هناك عوامل لإنجاح هذا الحوار".
وأوضح أنه "ليست لدى الحكومة السورية نية للاعتراف بالإدارة الذاتية التي ترفض عودة النظام إلى المنطقة من دون اعتراف بها". وأكد في المقابل، أنّ "الإدارة لن تقدم تنازلات من دون مقابل، خاصة أنّ التهديد التركي يتراجع"، مجدداً تأكيده أنّ "أي حوار قادم يمكن أن يخفف الاحتقان، ولكنه لن يؤدي إلى حل سياسي لمسألة شرقي نهر الفرات".
ومنذ عام 2011، مرت العلاقة بين الأكراد السوريين والنظام بمنعرجات متعددة، حيث تراوحت ما بين تنسيق كبير بين قواته ووحدات "حماية الشعب"، الذراع العسكري لـ"حزب الاتحاد الديمقراطي"، في السنوات الأولى من الثورة، إلى ما يشبه القطيعة السياسية خلال العامين الأخيرين.
وكان رأس النظام السوري بشار الأسد قد أنكر، في مارس/آذار من العام الفائت، وجود "قضية كردية" في سورية، متهماً ما سماها "مجموعات كردية" بـ"العمل تحت السلطة الأميركية".
وادّعى أن هذه المجموعات أتت إلى شمال سورية "خلال القرن الماضي فقط بسبب القمع التركي لها واستضفناهم في سورية".
كما أشار الأسد، في تصريحات تلفزيونية، إلى أنّ هذه المجموعات "بدأت بطرح طروحات انفصالية منذ عقود عدة وبشكل أساسي في بداية الثمانينيات"، مضيفاً أنه "عندما قامت الدولة التركية في مراحل مختلفة بقمع وقتل الأكراد في تركيا، نحن وقفنا معهم، لم نقف ضد قضيتهم إذا كانوا يسمونها قضية".
وفي عام 2017 اتهم الأسد نفسه أكراد سورية بـ"الخيانة"، بسبب تلقيهم دعماً من الولايات المتحدة الأميركية.