هل تفاجأت واشنطن بأحداث السودان؟

18 ابريل 2023
دخلت الاشتباكات في السودان يومها الرابع (فرانس برس)
+ الخط -

كان لافتاً بقاء الإدارة الأميركية متجاهلة لانفجار الوضع في السودان منذ السبت الماضي. وعندما أتت على سيرته الاثنين، جاء موقفها أقرب إلى الباهت بعموميته وتهوينه الضمني للتطورات، مع أنّ التقارير تُجمع على العكس، وكأنّ الأحداث باغتتها، وربما كان لجهات خارجية دور في تفجيرها في هذا الوقت غير المتوقع في أواخر شهر رمضان، الذي فاتها (أي واشنطن) التقاط إشاراته.

فقد كان من اللافت أن يشدد الناطق باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي، في كلامه على الوضع، على سلامة الأميركيين الموجودين في السودان، وأنه "ليس هناك ما يستدعي إجلاءهم في الوقت الراهن". وأضاف، في لقاء بالفيديو مع الصحافة، أنّ واشنطن "تتوقع أن يبقى الأمر كذلك". بذلك، هو يقلل من خطورة الحالة، ويشير إلى محدوديتها العسكرية والزمنية، حسب تقدير الإدارة.

كما كان لافتاً أيضاً أن يشدد وزير الخارجية أنتوني بلينكن الذي كان في طوكيو، في ردّه الأول، على "وجوب عودة العسكر إلى ثكناته". ثم عاد في بيان آخر صادر باسمه، ليدعو الجنرالين، عبد الفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو (حميدتي)، إلى ضرورة "وقف إطلاق النار، وتيسير مرور المساعدات الإنسانية، مع الحفاظ على سلامة المدنيين والدبلوماسيين"، من دون إشارة إلى العسكر.

التغيير في اللهجة، الذي جاء على إثر الاتصال الذي أجراه بلينكن مع الجنرالين، يعكس التراجع عن الغمز المبطّن وعدم الارتياح اللذين أبداهما الوزير في تصريحه الأول، الذي غلب الظن في تفسيره بأنه كان موجهاً إلى حميدتي.

فبحسب التقارير والمعلومات التي نُسبت إلى مصادر مختلفة، فإنّ هذا الأخير تبيّن أنه نقل في الآونة الأخيرة وحدات من "قوات الدعم السريع" التي يرأسها من الأطراف إلى الخرطوم وجوارها، بما أدى إلى تمكينه من الانقضاض المفاجئ يوم السبت على ثكنات الجيش، والمطار، والمواقع العسكرية والحيوية الأخرى بصورة كفلت توسيع دائرة القتال بسرعة. فإذا صحت هذه المعلومات حول حشد قائد "قوات الدعم السريع"، عندئذ يكون كلام بلينكن على العسكر، موجّهاً إليه في الأساس.

وفي هذا السياق، جرى التوقف عند معلومة وردت في أحد التقارير، تقول إنّ حميدتي "قام بزيارة لموسكو مع بدايات حرب أوكرانيا"، كذلك كان قد عمل على "الترويج لبناء قاعدة عسكرية روسية على الشاطئ السوداني للبحر الأحمر". التذكير الآن بهذه القصة يثير تساؤلات عما إذا كان لهذا العامل الخارجي دور ما في اقتتال الجنرالين، وفي هذه اللحظة بالذات، فقط من باب التخمين الجاري في التعرّف إلى الدوافع الحقيقية التي قادت إلى المواجهة التي يرجح المراقبون أنها "من طبيعة حاسمة"، خصوصاً أنّ نار الخصومة بين الرجلين كانت كامنة تحت الرماد منذ فترة، وبالتحديد منذ انقلاب أكتوبر/تشرين الأول 2021، الذي شاركا فيه معاً، وقد تفاقمت وقيل إنها خرجت إلى العلن في الفترة الأخيرة. وذُكر أنّ محاولات عدة أوروبية وعربية وأميركية جرت "لإقناع الجنرالين بضرورة نقل السلطة" إلى المدنيين، لكن من دون طائل.

من جديد، تتحرك نزاعات السودان النائمة والمؤجلة، ويعود معها الحديث عن شتى الاحتمالات والسيناريوهات التي سبق أن ترددت في أثناء أزمة، ثم انفصال جنوب السودان عام 2011، وحرب العشرين سنة في دارفور، وما قد يتناسل عن الصراع الدائر حالياً من تقطيع وحروب أهلية، فضلاً عن خطر انتقال عدواه إلى الجوار "الهش" (تشاد، ودارفور، وأنابيب نفط جنوب السودان التي تمر إلى البحر الأحمر وغيرها)، بحيث تتوسع دائرة عدم الاستقرار من جديد في المنطقة.

غموض الموقف الأميركي يثير من الأسئلة بقدر ما يثير من القلق على القادم من الأيام، الذي تضعه التوقعات في خانة غير واعدة للسودان.