كشفت مصادر مصرية خاصة عن تباين وخلافات داخل دوائر صناعة القرار المحيطة بالرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، بسبب منح الأخير الضوء الأخضر، مطلع أغسطس/آب الحالي، لزيادة سعر الخبز المدعوم، والذي يستفيد منه 65 مليون مواطن، وفقاً للإحصائيات الرسمية. ورجحت المصادر التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، أن يكون هذا التباين، الذي كانت المؤسسة العسكرية في مستوياتها العليا أحد أطرافه، مثل أحد الأسباب الرئيسية في إرجاء تنفيذ قرار السيسي، على الرغم من تأكيد المصادر أن القرار لم يلغ بعد بصورة نهائية وحاسمة، وأنه قد ينفّذ بطريقة أو بأخرى.
وقالت المصادر، إنه على الرغم من تقديم اثنين من أجهزة المعلومات السيادية في البلاد تقارير حذرت فيها من المساس برغيف الخبز، على الأقل خلال الفترة الراهنة، إلا أنّ دائرة واحدة من الدوائر المحيطة بالسيسي، هي التي شجعته على اتخاذ ذلك القرار، كاشفةً عن أنّ هناك حالة من عدم الرضا داخل المؤسسة العسكرية بسبب اتخاذ القرار، معتبرة أن القوات المسلحة ستكون المتضرر الأكبر على المستوى الشعبي إذا جرى تنفيذه. وأوضحت المصادر أنّ هناك حالة من التململ وعدم الرضا تتنامى في الشارع تجاه أفراد القوات المسلحة، بسبب ما يتردد من حماية الجيش للرئيس ودعمه في القرارات التي أغضبت الطبقات الفقيرة من المصريين، ولا سيما تلك المتعلقة بزيادة الأسعار، وإزالة المباني المخالفة، وتلويح السيسي في أكثر من مناسبة بدعم الجيش لكافة قراراته.
هناك حالة من التململ وعدم الرضا تتنامى في الشارع تجاه أفراد القوات المسلحة
وأوضحت المصادر، أن "حالة عدم الرضا، التي ترتفع للغضب أحياناً، لدى المؤسسة العسكرية، تكمن في كون إعلان السيسي عن خطوة زيارة سعر الخبز المدعوم، في 3 أغسطس/آب الحالي، جاء خلال مناسبة متعلقة بالقوات المسلحة، وهي افتتاح المدينة الغذائية المملوكة للجيش، والخاصة بإنتاج سلع غذائية موجهة للسوق المصري"، مؤكدةً أنّ حالة الربط بين التلويح بالعصا الغليظة للقوات المسلحة، والقرارات المثيرة للغضب الشعبي، تضع المؤسسة العسكرية في وضع حرج.
وأشارت المصادر إلى أنّ حالة "عدم الرضا" من قبل القيادات العسكرية، لم يخفف منها كثيراً أن قرار السيسي بإلغاء الدعم تدريجياً عن رغيف الخبز، يستهدف تدبير 7.7 مليارات جنيه (490 مليون دولار) بصورة مبدئية، لتوفير وجبات غذائية للتلاميذ في المدارس الرسمية، مع انطلاق العام الدراسي الجديد في 9 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، إذ اجتمع السيسي أخيراً لهذا الغرض مع اللواء وليد أبو المجد، المدير العام لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية، التابع للقوات المسلحة، من أجل تولي الجهاز مسؤولية تدبير الوجبات المدرسية بالتنسيق مع وزارتي التربية والتعليم والزراعة.
وأضافت المصادر أنّ السيسي حدد سعر الوجبة بسبعة جنيهات عن الطفل الواحد، بحيث تتضمن "بسكويت" سادة، وآخر محشوا بعجوة، وفطيرة مدرسية، مع العلم أنّ تكلفة هذه الوجبة تقل كثيراً عن المبلغ المحدد، ما يدر أرباحاً طائلة على جهاز الخدمة الوطنية مع كل عام دراسي.
وبحسب المصادر، فإنّ السيسي يرغب منذ فترة في الإقدام على خطوة تخفيض الدعم الموجه إلى رغيف الخبز، إلا أنّ التحفظ من جانب المؤسسة العسكرية كان يتسبب في تعطيل القرار، خشية انفجار الأوضاع شعبياً. وأضافت: "خلال أكثر من مناسبة، طالب وزير الدفاع الفريق أول محمد زكي، السيسي، بتأجيل القرار، نظراً للانشغال بمراقبة تنفيذ عمليات الإخلاء للمناطق العشوائية، وتنفيذ إزالات لتوسعة الطريق الدائري المحيط بالقاهرة والمحاور المرورية الجديدة، والتي بلغ عددها آلاف الإزالات، وسط حالة من عدم الرضا لدى السكان بسبب انخفاض قيمة التعويضات وعدم مناسبة المساكن البديلة المقترحة لنقل إليها غير الراغبين في الحصول على التعويض المالي".
وقالت المصادر، إن الرئيس وجّه وزير الدفاع برفع درجة الاستعداد في نطاق المناطق العسكرية والمنطقة المركزية، مع تكثيف إظهار العربات العسكرية وقوات الانتشار السريع على الطرق السريعة ومداخل المحافظات والمدن الكبرى، مشيرةً في الوقت ذاته إلى أنّ وزير الدفاع حصل على إذن من السيسي بتوزيع مساعدات غذائية باسم القوات المسلحة على عدد من المناطق الفقيرة في المحافظات والقاهرة، في محاولة لتحسين صورة الجيش وتقليل حدة الاحتقان الشعبي.
خلال أكثر من مناسبة، طالب وزير الدفاع محمد زكي، السيسي، بتأجيل القرار
وفي الثالث من أغسطس الحالي، قال السيسي إنه "حان الوقت لزيادة سعر رغيف الخبز المدعوم، وإعادة تسعيره مرة أخرى". وأضاف، خلال افتتاح المدينة الصناعية الغذائية "سايلو فودز"، بمدينة السادات بمحافظة المنوفية، أنّ "رغيف الخبز يباع بـ5 قروش، ومن غير المعقول أن يكون 20 رغيف خبز بثمن سيجارة واحدة"، موضحاً أن "رغيف الخبز يكلف الدولة 65 قرشاً، وهذا الأمر لا بدّ له أن يتوقّف".
وتعمل وزارة التموين المصرية حالياً على دراسة لتحديد زيادة سعر رغيف الخبز، لترفع نتائجها إلى مجلس الوزراء لمناقشتها، بعد أن ظلّ سعر رغيف الخبز بعيداً عن المساس به، على الرغم من إقدام الحكومة المصرية على رفع الدعم عن الوقود والكهرباء وتحرير سعر صرف الدولار وزيادة أسعار تذاكر مترو الأنفاق.
وفي الوقت الذي رفعت فيه الحكومة مخصصات دعم الخبز للمواطنين خلال 4 سنوات، تراجع عدد المستفيدين نتيجة لعمليات التنقية المستمرة. ووفقاً لبيانات الموازنة العامة للدولة، كانت قيمة الدعم على رغيف الخبز في العام المالي 2018-2019 نحو 42.3 مليار جنيه، وبلغ عدد المستفيدين 74 مليون فرد. وتطورت قيمة الدعم المخصص لرغيف الخبز خلال السنوات المالية التالية، حتى وصلت في العام المالي الحالي إلى 44.9 مليار جنيه، فيما بلغ عدد المستفيدين 66.7 مليون فرد.
وتعدّ مصر أكبر مستورد للقمح في العالم. ووفقاً لتقرير رسمي للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري، تراجعت الواردات المصرية من القمح إلى 240.3 مليون دولار مطلع 2021، مقابل 347 مليون دولار خلال الفترة ذاتها من 2020، بانخفاض بلغت قيمته 106.7 ملايين دولار. ورفعت مصر طاقة الطحن محلياً إلى 3.4 ملايين طن، وتهدف لبلوغ 5 ملايين طن، تكفي احتياطيات البلاد من القمح ستة أشهر ونصف الشهر من الاستهلاك. يذكر أنه في عهد الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات، تسبب قراره خفض دعم الخبز في خروج تظاهرات حاشدة انتهت بتراجعه عن قراره.