هل تصمد الكويت بوجه ضغوط واشنطن للتطبيع مع إسرائيل؟

13 أكتوبر 2020
الكويت ستكون آخر دولة تطبّع مع إسرائيل (فرانس برس)
+ الخط -

على الرغم من توقيع كل من الإمارات والبحرين اتفاقيتي سلام وتطبيع مع تل أبيب، وما أعقب ذلك من حضّ أميركي لباقي دول المنطقة للسير على الدرب نفسه، إلا أن تطبيع الكويت للعلاقات مع إسرائيل يبدو بعيد المنال. مواقف الكويت لافتة للانتباه إلى حد أن الإدارة الأميركية وصفتها بـ"المنحازة للفلسطينيين"، و"المتشددة" و"غير البنَّاءة"، وهو ما اعتبره مراقبون كويتيون مؤشراً إلى نيّة واشنطن ممارسة الضغوط على الكويت للاعتراف بإسرائيل.

رسّخت دولة الكويت، على مدى عقود طويلة، سياسة خارجية تقوم على أساس مبدأ الحياد والاتزان، كما على مبدأ الحوار والمحافظة على أواصر الروابط والتعاون مع مختلف الأطراف خصوصاً دول الجوار. وقد ساهم الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح في تدعيم هذه الثوابت، والتي تأخذ بالاعتبار حجم الدولة واقتصادها، وبنيتها القبلية والاجتماعية وموقعها كدولة صغيرة، محصورة بين ثلاث دول كبيرة، هي العراق والسعودية وإيران. فهناك شريحة كبيرة من المجتمع الكويتي ترفض أي نوع من التطبيع مع إسرائيل من منطلق ديني وأيديولوجي، وتعلن موقفها هذا صراحة وعلانية ومن موقع حضور قوي سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. وبالتالي فإن أي قبول بأي نوع من التطبيع مع إسرائيل سيؤدي إلى تشقق داخلي. كما أن البرلمان يمتلك سلطة مراقبة الحكومة والتحكّم في سياساتها ومواقفها عبر آلية الاستجواب وسحب الثقّة من أعضائها، ما يجعل الموقف الكويتي غير مرتبط جوهرياً بالأمير الراحل.


القبول بأي نوع من التطبيع مع إسرائيل سيؤدي إلى تشقق داخلي

لا تعترف الكويت بما يُسمى "صفقة القرن" (أثناء كلمته أمام المؤتمر الطارئ للاتحاد البرلماني العربي الذي عقد في عمّان - الأردن في فبراير/شباط الماضي، رمى رئيس مجلس الأمة الكويتي مرزوق الغانم نسخة من صفقة القرن في سلة المهملات قائلاً إن تلك الصفقة "ولدت ميتة ومكانها مزبلة التاريخ"). الكويت اليوم ملتزمة رسمياً بمقررات القمة العربية في بيروت 2002 وبالمبادرة السعودية يومها التي تحولت إلى مبادرة عربية للسلام، تقوم على تطبيع علاقات الدول العربية مع إسرائيل مقابل انسحاب الجيش الإسرائيلي حتى حدود يونيو/حزيران 1967، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وتسوية مسألة اللاجئين الفلسطينيين.

أخيراً، عاد شعار "لا للتطبيع مع إسرائيل" من جديد وبقوة إلى الساحة الكويتية، على وقع إعلان مبادرتي كل من الإمارات (13 أغسطس/آب) والبحرين (11 سبتمبر/أيلول) تطبيع علاقاتهما مع إسرائيل، وما تلاه من تصريحات أميركية حول الكويت. فقد أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عقب لقائه في 18 سبتمبر/ أيلول 2020 بنجل أمير الكويت الراحل، الشيخ ناصر صباح الأحمد الجابر الصباح، لمناسبة منح الشيخ صباح وسام الاستحقاق العسكري الأميركي من الدرجة الأولى، أن "الكويتيين متحمسون جداً بخصوص ما يحدث في منطقة الشرق الأوسط، وبخصوص مساهمتنا في توقيع أول دولتين خليجيتين على التطبيع مع إسرائيل. (...) الكويت قد تصبح قريباً البلد التالي ليطبع علاقاته مع إسرائيل".

وقبله كان صهره وكبير مستشاريه جاريد كوشنر قد انتقد الموقف الكويتي الرافض للتطبيع، ووصفه بـ"المتشدد وغير البنّاء والمنحاز للفلسطينيين". وقال "إن من الحتمي أن تطبّع كل دول الشرق الأوسط مع إسرائيل". واعتبر كوشنر أن من مصلحة العديد من دول المنطقة، ولا سيما من الجانب الاقتصادي، أن تعترف بإسرائيل وتقيم علاقات معها، والحصول على "ثقة أميركا".

"لا" دستورية للتطبيع مع إسرائيل
اعتبر الكويتيون هذه التصريحات "تدخلاً سافراً" في شؤونهم الداخلية. وكان البرلمان الكويتي أول من سارع لانتقاد الإمارات والبحرين ولإعلان موقف قوي وداعم للقضية الفلسطينية التي اعتبرها "قضية العرب والمسلمين الأولى"، وذلك من خلال بيان أصدره في 18 أغسطس الماضي 41 نائباً من أصل 50 يشكلون مجلس الأمة الكويتي، بينهم رئيس المجلس مرزوق الغانم، داعين في الوقت ذاته الحكومة الكويتية إلى تأكيد موقف البلاد الثابت، وهو ما فعلته الأخيرة في 21 سبتمبر الماضي.


الكويت اليوم ملتزمة رسمياً بمقررات القمة العربية في بيروت 2002

كذلك سارع الشارع الكويتي للتعبير عن غضبه وموقفه، وأطلق كويتيون هاشتاغ (#كويتيون_ ضد_ التطبيع) الذي لاقى انتشاراً واسعاً، حتى إن بعض الأحياء السكنية في العاصمة الكويتية تسابقت إلى نصب مجسمات لخريطة فلسطين الطبيعية ورفعت لافتات تناصر الفلسطينيين وتدين الاحتلال. وفي المباراة الأخيرة لتصفيات كأس الأمير لكرة القدم في 21 سبتمبر الماضي، رفع اللاعبون والمشجعون لافتة ضخمة كتب عليها "لا للتطبيع مع إسرائيل". كذلك تسابقت أكثر من 31 جمعية ورابطة إلى إصدار بيانات استنكار وتنظيم وقفة احتجاجية أمام السفارة الفلسطينية.

لم يتغير موقف الكويت الرسمي تجاه القضية الفلسطينية على مدى عقود من الزمن: "فلسطين قضية مركزية في السياسة الكويتية" (الجملة تلخص الموقف الرسمي والشعبي في الكويت، وترد كثيراً في الخطابات الرسمية وغير الرسمية). لا تعترف الكويت بوجود دولة إسرائيل، وتطلق عليها وصف الكيان الصهيوني أو فلسطين المحتلة، وتعتبر أي دعوة للتطبيع خيانة وجريمة بحكم القانون. فوفقاً لدستور الكويت 1962، وللمرسوم الأميري الصادر في 25 يونيو/حزيران 1967 "بإعلان قيام الحرب الدفاعية بين دولة الكويت والعصابات الصهيونية في فلسطين المحتلة"، ووفقاً للقانون التشريعي رقم 31 لسنة 1971، تُعتبر إسرائيل بالنسبة للكويت "دولة أجنبية ومعادية"، والتعامل معها تترتب عليه عقوبة بالسجن المؤبد أو السجن المؤقت (5–10سنوات) والأشغال الشاقة والغرامة المالية". المرسوم الأميري والقانون التشريعي لا يزالان ساريين ونافذين حتى الآن. كما أن المادة الثالثة من الدستور الكويتي تمنع "المواطن أو الوافد المقيم بصورة دائمة أو مؤقتة، وكل شخص طبيعي أو اعتباري في دولة الكويت، من أن يتعاطف أو يشارك أو يطالب بالتعامل أو التطبيع مع إسرائيل ومنظماتها". بينما تحظر المادة الرابعة على كل مواطن كويتي أو وافد مقيم إقامة مؤقتة أو دائمة السفر إلى إسرائيل، سواء بجواز السفر أم دونه.

"الكويت آخر من يطبع مع إسرائيل"
مقاومة الكويت للتطبيع مع إسرائيل لها تاريخ طويل منذ عام 1948. ففي عام 1957 تأسس مكتب مقاطعة إسرائيل. كما أن مواد المرسوم بقانون الذي أصدره أمير البلاد آنذاك الشيخ عبد الله السالم الصباح (1964) تحظر حيازة وتداول السلع الإسرائيلية بكل أنواعها. وتحظر على "كل شخص طبيعي أو اعتباري أن يعقد بالذات أو بالواسطة اتفاقاً مع هيئات أو أشخاص مقيمين في إسرائيل، أو منتمين إليها بجنسيتهم أو يعملون لحسابها أو لمصلحتها أينما أقاموا". والتعهد الذي كرره الشيخ جابر أكثر من مرة منذ منتصف التسعينيات من القرن الماضي، بأن الكويت ستكون آخر دولة عربية تطبع مع إسرائيل، أبقى الكويت، حتى الآن، بعيداً عن الضغوط التي تمارسها الإدارة الأميركية تقليدياً من أجل التطبيع مع إسرائيل.


انتقد كوشنر الموقف الكويتي الرافض للتطبيع، ووصفه بـ"المتشدد وغير البنّاء والمنحاز للفلسطينيين"

وفي عهد الأمير الراحل الشيخ صباح تأكدت مقاومة الكويت للتطبيع من خلال إنشاء العديد من لجان مقاطعة الصهاينة، وإقامة العديد من الملتقيات الرسمية والشعبية المقاومة للتطبيع، ومُنع الإسرائيليون من ركوب طائرات الخطوط الجوية الكويتية، وقاطع اللاعبون الكويتيون أي مباريات مع اللاعبين الصهاينة. وكذلك تُمنع البضائع الإسرائيلية من دخول الكويت، ويمنع المواطنون الكويتيون من زيارة دولة الاحتلال. ولا تزال الكويت تسمي في القنوات التلفزيونية الرسمية الخاصة إسرائيل بـ"الاحتلال الإسرائيلي" أو "الصهيوني"، وتسمي من يُقتل من الفلسطينيين بـ"الشهداء" والدفاع الفلسطيني بـ"المقاومة الفلسطينية"، وكل تحرك إسرائيلي ضد الفلسطينيين بـ"الاعتداءات الصهيونية". كما تم إنشاء "المؤتمر الشعبي لمقاومة التطبيع مع إسرائيل" ومقره الكويت، وهي مبادرات ترتبت عليها هبة وحركة شعبية واسعة لمقاومة التطبيع والتحذير من مخاطره.

تثبيت الموقف الرسمي لسد الثغرات
على الرغم من هذه التشريعات، تقدّم خمسة من أعضاء مجلس الأمة الكويتي في 18 أغسطس الماضي باقتراح بقانون "لحظر كل أنواع وأشكال العلاقات مع إسرائيل، ومنع أي تطبيع أو توقيع اتفاقية سلام مع الكيان الصهيوني مهما كانت الأسباب". وهو اقتراح ليس بجديد، ففي 18 إبريل 2018، تقدم أربعة نواب بمقترح قانون مماثل (كان ذلك عقب استقبال سلطنة عُمان لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ومشاركة فرق رياضية إسرائيلية في بطولتين في الإمارات وقطر).

معظم مواد هذا المقترح تتضمن وضعاً قانونياً متحققاً بالفعل في مواد القانون رقم 31 لسنة 1971، لكنه يضيف تعديلات ركزت على الشق التجاري (العادي والإلكتروني) والمستجدات الخاصة بالعصر بالنسبة لوسائل الاتصالات والتواصل الإلكترونية، إذ أنه "يحظر على الأشخاص الاعتباريين والطبيعيين من مستخدمي شبكة الإنترنت ووسائط الاتصال الإلكترونية التعامل والتعاقد الإلكتروني مع المواقع والخدمات الإلكترونية المنشأة في إسرائيل أو التابعة لها، أو الشركات المتواطئة والداعمة للاحتلال. وتحجب الجهة المختصة في الكويت المواقع والخدمات الإلكترونية الإسرائيلية كافة".

يقول النائب أسامة الشاهين، وهو واحد من النواب الخمسة الذين تقدموا بمقترح القانون الجديد، لموقع أوريان 21: "لدينا هدفان: هدف معنوي ويتمثل في إرسال رسالة تضامن من شعب الكويت وممثليه المنتخبين وحكومته تقول إننا نقف مع الحقوق الفلسطينية، ونرفض الخضوع لأي ضغوط تدعو لمتغيرات غير شرعية وغير منصفة، وهدف مادي لسد أي ثغرات قد تكون موجودة في القوانين الجزائية وقد يتسلل منها أتباع المؤيدين للتطبيع وأعوان الاحتلال، فبوجود هذا القانون لن تستطيع الحكومة الموافقة على التطبيع حتى لو أرادت ذلك لسبب أو لآخر". ويضيف الشاهين: "وأيضاً بما يتناسب مع مستجدات اقتراب الاحتلال منا باعتباره قد دخل عقر دارنا"، في إشارة غير مباشرة إلى الإمارات والبحرين.

الأسباب التاريخية لثبوت الموقف
تاريخياً، يذكر أحمد الديين، الأمين العام للحركة التقدمية الكويتية وأحد مؤسسيها، أن الجيش الكويتي كان موجوداً على ساحات القتال ضد الكيان الصهيوني: "سقط لنا شهداء على الجبهة المصرية في الحرب التي اندلعت بين مصر وإسرائيل على ضفتي قناة السويس في يونيو/حزيران 1967. كذلك على الجبهة السورية، خلال الحرب التي اندلعت في هضبة الجولان بين سورية وإسرائيل في 6 أكتوبر/تشرين الأول 1973. وعلى مستوى الشعب الكويتي هناك من شارك في القتال الى جانب الشعب الفلسطيني في كثير من المعارك داخل فلسطين وعلى حدودها".

ويضيف الديين: "يجب الأخذ بالاعتبار أن الوضع الجغرافي السياسي للكويت يشكل عنصراً مساعداً لثبات موقف الكويت الرافض للتطبيع، لناحية الجوار مع العراق وإيران والسعودية. فإيران منذ الثورة الإسلامية عام 1979 وحتى اليوم تمثل محور الممانعة المعادي لإسرائيل. والعراق عملياً قبل وبعد عام 2003 ضد إسرائيل. كما أن السعودية لم تعلن، حتى الآن، بأنها ذاهبة في اتجاه التطبيع. هذا الامتداد للمحيط الرافض للتطبيع مع إسرائيل لا شك يدعم الموقف الكويتي في الداخل".


الوضع الجغرافي السياسي للكويت يشكل عنصراً مساعداً لثبات موقفها الرافض للتطبيع

بدوره، يقول الدكتور جوهر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت: "لا يمكن لدولة أن تتفهم وجوب تأييد الحقوق الفلسطينية أكثر من الكويت. نحن بلد جربنا ماذا يعني الاحتلال. جربنا الغزو. جربنا ماذا يعني أن نكون تحت سلطة دولة معتدية ومنتهكة للقانون الدولي ولكل مبادئ حقوق الإنسان والمواثيق الدولية. أثناء الغزو العراقي للكويت عام 1990 سقط شهداء وضحايا، وصار عدد كبير من الكويتيين لاجئين في الخارج، وآخرون أسرى أو مفقودين، فكيف لنا مع كل ذلك أن نتخذ مواقف مناقضة للقضايا التي تشبه قضيتنا (على الرغم من وجود أبعاد إقليمية ودولية ووجدانية للقضية الفلسطينية)؟ لولا تضافر جهود المجتمع الدولي واستخدام القوة لما تحررت الكويت. ومن دون هذين الشرطين لن تحل القضية الفلسطينية، بشكل عادل".

يُشار هنا إلى أن بعضهم يراهن على أن "الشرخ" في العلاقات بين الكويت والسلطة الفلسطينية، جراء تأييد الأخيرة قرار غزو الكويت من قبل عراق صدام حسين "كفيل" بجعل الكويت قابلة للتطبيع مع إسرائيل. حتى أن بعض الكويتيين، وفي سياق تبرير معارضتهم تشريع قانون جديد لمنع التطبيع مع إسرائيل قالوا "لن يجدينا الوقوف مع هذا الطرف أو ذاك إذا ضاعت بلدنا. موقف منظمة التحرير الفلسطينية أيام الغزو الصدامي لم يكن مشرفاً ولا مطمئناً" (4).

يُذكر أنه خلال الغزو العراقي للكويت في العام 1990 تدهورت العلاقات الكويتية الفلسطينية، وقطعت الكويت علاقتها بمنظمة التحرير والسلطة الفلسطينية نتيجة تأييد بعض القيادات في المنظمة لهذا الغزو ودعمها صدام حسين، ما أدى إلى نتائج وخيمة على المنظمة وأبناء الشعب الفلسطيني المقيمين في الكويت (كان يقدر عددهم حتى عام 1991 بحوالي 400 ألف مقيم، تقلص اليوم لأقل من 60 ألف مقيم فقط، أي أن قرابة 85 في المائة من الفلسطينيين غادروا الكويت لأسباب مختلفة منها الخوف من الاضطهاد والظروف الأمنية والاقتصادية. كما خسرت المنظمة دعماً لوجستياً ومادياً خليجياً استمر لعقود، حتى رجعت إلى دفئها بإعادة افتتاح السفارة الفلسطينية في الكويت في العام 2013. لكن حتى أثناء الغزو، عندما سأل صحافي أميركي أمير البلاد آنذاك عن تطبيع الكويت مع إسرائيل أكد الشيخ جابر الأحمد الصباح: "أننا سنكون آخر دولة تطبّع مع إسرائيل".

وعن هذا الأمر يقول الدكتور جوهر: "اختلافنا كان مع السلطة الفلسطينية وبعض الفصائل الفلسطينية بسبب موقفها السلبي من الغزو العراقي. لكن الموقف من القضية الفلسطينية يبقى موقفاً أخلاقياً ومبدئياً". وتتميز الكويت، على خلاف بقية بلدان الخليج، بوجود رأي عام شعبي حرّ، قادر على أن يلعب دور الداعم لأي قرار تتخذه حكومته بما في ذلك رفض التطبيع مع إسرائيل، مهما اشتدت الضغوط الخارجية.

ضغوط إسرائيلية وأميركية
بدوره، يقول أحمد الديين إن الولايات المتحدة بدأت بالفعل تمارس أشكالاً من الضغوط على الكويت لدفعها نحو التطبيع، في إشارة إلى تصريحات ترامب "الاستفزازية" وتعمد كوشنر أن يستثني الكويت من جولته الخليجية، ومن ثم وصفه مواقف الكويت تجاه الفلسطينيين بـ"الراديكالية وغير البنّاءة".


تتميز الكويت، على خلاف بقية بلدان الخليج، بوجود رأي عام شعبي حرّ

وعلى الرغم من أن كوشنر قال في التصريح ذاته إن "لا ضغوط أميركية على الكويت ودول مجلس التعاون الخليجي لإقامة علاقات مع إسرائيل"، يرى الديين أن "لدى الولايات المتحدة أنواعاً أخرى من الضغوط غير المُعلنة يمكن أن تمارسها على الكويت في حال رغبت في ذلك، على المستوى السياسي أو الأمني أو الاقتصادي، نظراً للعلاقات الثنائية الخاصة بين البلدين، ولكون الكويت حليفاً رئيسياً خارج الناتو معيناً لواشنطن".

من جهته، يحذر الشاهين من أن اللوبي الصهيوني العالمي سيمارس شتى أنواع الضغوط على الكويت، إذ "لا يخفى على أحد كيف أن أجهزة هذا اللوبي تمارس، بين الحين والآخر، نوعاً خاصاً من الضغوط من أجل تحقيق أجندة سياسية معينة. مثلما تفعل مع بعض النواب والمشرعين العاملين في البرلمانات الغربية عندما تجبرهم، وتحت ضغوط معينة، على الانخراط في قضايا والتوقيع على قرارات وإجراءات قانونية ضد هذه الدولة أو تلك، أو العكس إجبارهم على غض الطرف عن قضايا قد تكون مشابهة وربما أسوأ لحماية نظام ما أو مشروع سياسي معين. بالأمس غير البعيد رأينا كيف أن هذا اللوبي قاد وموَّل حملة دعائية في الصحافة الغربية للتشهير بالكويت على أنها دولة تمارس التمييز العنصري ضد اليهود، عندما رفضت الخطوط الجوية الكويتية صعود راكب إسرائيلي على متن إحدى رحلاتها في ألمانيا العام 2018 (المسافر الإسرائيلي أراد السفر من ميونخ إلى سريلانكا على أن تتوقف طائرته في الكويت "ترانزيت"). الشركة الكويتية ألغت الحجز للراكب لأنه ليس مسموحاً له بدخول الكويت بسبب "القانون الموحد لمقاطعة إسرائيل". وعلى الرغم من أن الكويت ربحت الدعوى القضائية التي رفعها ضدها الراكب الإسرائيلي، إلا أن اللوبي الصهيوني أراد توظيف تلك الدعوى لتحقيق دوافع سياسية ضد الكويت. ومثل حملات التشهير هذه شهدناها في مواضيع أخرى عندما يجري استغلال قوانين العمل والأسرة في الكويت لتمرير أجندات سياسية معينة".

وإذ يعترف الديين بقوة ما يسميه "الإعصار الترامبي"، إلا أنه يشير في الوقت نفسه إلى أن ولاية ترامب تقترب من نهايتها "ومحاولة استخدام التطبيع الخليجي مع الكيان الصهيوني كورقة انتخابية هو نوع من العصف الذي سينتهي مداه قريباً ومعه تنتهي لعبة عض الأصابع. ليس بالضرورة أن تكون الإدارة الأميركية الجديدة مناصرة للقضية الفلسطينية، لكنها بالتأكيد ستكون أقل هوجاً. المراهنة تبقى على الصمود".

هوامش:
(2)- ذعار الرشيدي، جريدة الأنباء الكويتية، 23 يناير/كانون الثاني 2019.
(4)- الدكتور عايد المنَّاع، كاتب سياسي وإعلامي كويتي، حديث لإذاعة بي بي سي العربية.


ينشر بالتزامن مع موقع "أوريان 21".

المساهمون