هل تتفق المعارضة التونسية على مرشح رئاسي موحد بديلاً عن قيس سعيّد؟

22 ديسمبر 2022
أكد متابعون وخبراء أن توحيد المعارضة صعب إلا أن هزيمة سعيّد ليست مستحيلة (فرانس برس)
+ الخط -

بعد النتائج الهزيلة التي سجلتها الانتخابات التشريعية التونسية والتي اعتبرت بمثابة الحسم الشعبي في مسار الرئيس قيس سعيّد، وخاصة سقوط سردية الدعم الشعبي لمشروعه، توالت دعوات المعارضة بتنحي الأخير لإنقاذ البلاد من الأزمة الخطيرة التي تتجه إليها.

وصدرت أولى الدعوات ليلة انتهاء الانتخابات مباشرة، السبت الماضي، عن رئيس جبهة الخلاص الوطني أحمد نجيب الشابي، الذي دعا الرئيس إلى "الرحيل فوراً، وتولي شخصية وطنية محايدة، يمكن أن يكون قاضيا كبيرا، إدارة فترة انتقالية".

واعتبر الشابي أن نتائج الانتخابات تؤكد أنّ "92 بالمائة من التونسيين أداروا ظهورهم للعملية غير القانونية التي تنتهك الدستور". ودعا المنظمة النقابية والأحزاب السياسية الأخرى إلى الالتقاء سريعا من أجل إنقاذ البلاد.

بدوره، دعا رئيس حزب آفاق تونس، فاضل عبد الكافي، إلى وضع خريطة طريق تقوم على إيقاف المسار الانتخابي والسياسي الحالي وتركيز حكومة طوارئ اقتصادية وتنظيم انتخابات رئاسية سابقة للأوانها، مؤكدا أن تونس "تتغير بجرة قلم".

وفي تدوينة على صفحته عبر "فيسبوك"، اعتبر عضو جبهة الخلاص، جوهر بن مبارك، أن "الوقت حان، ونضجت الشروط لتشديد الخناق على الانقلاب ووضعه في زاوية العزلة والعزل". 

وأضاف: "نضجت شروط التصعيد السياسي والميداني، ونحتاج لخلق نقطة تمركز وتكثيف مقاوم، تدار من خلالها عمليّة سياسية مركّزة بهدف فرض أجندة وخريطة تقود إلى عودة البلاد إلى النظام الديمقراطي تنطلق من إجراء انتخابات رئاسية مبكّرة".

وقال بن مبارك إنه " في أفق 14 يناير/كانون الثاني القادم، يجب إعداد العدّة لتثبيت مركز ثابت للمقاومة تحت شعار (ارحل)، لا ينفضّ إلّا باعلان خريطة طريق جديدة تمضي فيها البلاد على درب استئناف العملية الديمقراطية بعد إغلاق قوس الانقلاب الفاشل، واقتلاع تاريخ ثابت ومتّفق عليه لانتخابات رئاسية تكون بداية لعملّية إصلاح شاملة تحت راية الوحدة الوطنية وبرنامج رئاسي للوئام الوطني".

هل تتفق المعارضة على مرشح موحد؟

وأمام هذا الإلحاح من أغلب الأطراف على الذهاب إلى انتخابات رئاسية سابقة لأوانها، وعلى ضوء الخلافات والانقسامات الكبيرة التي تشهدها المعارضة التونسية، تطرح أسئلة كثيرة حول وجاهة هذه الدعوات وجاهزية المعارضة لطرح بديل سياسي فعّال يمكن أن يقدم مشروعا سياسيا جديدا.

ويتساءل كثيرون: هل يمكن لهذه المعارضة أن تتفق على مرشح رئاسي موحد؟ وإذا حدثت انتخابات جديدة قريبة يشارك فيها سعيّد، هل تضمن عدم صعوده مجددا؟ ومن سيدير عملية التفاوض على خريطة طريق جديدة؟ وهل يتأكد قبول الاتحاد العام التونسي للشغل تبني حوار وطني جديد؟

وقال مدير الديوان الرئاسي الأسبق ومدير مركز الدراسات الاستراتيجية حول المغرب العربي عدنان منصر، في تصريح لـ"العربي الجديد": "ينبغي أولا فهم رسائل الانتخابات، حيث إن هناك حالة استقالة كاملة تجاه السياسة، وهذا العزوف يؤكد ظاهرة الهروب من السياسة التي كان يفترض أن قيس سعيّد قد قطع معها، وكان يتوقع أنه يمثل استثناء وسيعيد الناس بطريقة أو بأخرى للسياسة بعد الموقف من الأحزاب".

 وأضاف: "سعيّد كان يعرف أن هناك غضبا على الأحزاب واستغل تلك الموجة، والدستور والاستشارة والاستفتاء والبناء القاعدي كانت بهذا الهدف، لتغيير الواقع السياسي وإحداث واقع جديد".

وبين منصر أن العزوف عن السياسة تأكد بطريقة لا يمكن أن تؤول على أساس أنها موافقة على البرنامج الذي وضعه قيس سعيّد، مشيرًا إلى أن التحول الكبير الذي تم يوم السبت 17 ديسمبر/ كانون الأول أكد أن الناخب ألحق قيس سعيّد بالطبقة السياسية، وعبّر عن غضب يساوي أو يتجاوز ما كان يعبر عنه سعيّد تجاه الطبقة السياسية، مبينا أن "هذا يضع مشروع سعيّد تحت تهديد حقيقي".

هل يفوز سعيد في الانتخابات الرئاسية القادمة؟

ولكن منصر يؤكد لـ"العربي الجديد" أن قيس سعيّد مع ذلك ما زال قادراً على الفوز في انتخابات رئاسية قادمة، لعدم وجود جهة قادرة على حشد ما يمكن أن يحشده في التصويت، مشيراً إلى أن نسبة الـ92% التي لم تصوت في الانتخابات، كانت ضد موقف قيس سعيّد وليست بالضرورة مع المعارضة.

ولفت إلى أن "الأحزاب المعارضة التي انتقدت نتائج الانتخابات تعوّل على مرحلة تقودها المنظمات الوطنية واتحاد الشغل، لذلك هناك حديث عن حوار وطني، ولكن رغم الضربة التي تلقتها مشروعية سعيّد، فإنه لن يسمح بذلك، ثم إنه لا توجد آلية دستورية لذلك، ونحن في مأزق قانوني في صورة تنحية سعيّد".

وتابع أن "المعارضة تعتبر أن التصويت يوم السبت كان تصويتا على مشروع سعيّد، ومن حق المعارضة أن تعتبر أن سعيّد بفشله بالانتخابات قد فقَدَ مشروعه"، مؤكدا أن "النسبة القياسية الضعيفة غير مسبوقة عالميا.. المعارضة ترى أن مشروع سعيّد ضُرب ضربة قاصمة".

وبحسب ما أفاد منصر، فإن الأزمة ستتصاعد في الفترة القادمة، وقد تكون الظروف سانحة لدور أكبر للمنظمات الاجتماعية، وأضاف: "لا أظن أن الأحزاب فقط في يدها الحل، هناك عمل يمكن أن تكون فيه المنظمات والأحزاب معا بهدف تحقيق الاستقرار ومواجهة تداعيات الأزمة المالية، وسيصبح الأمر مقبولا أكثر من الوقت الحالي، فظروف نضج مبادرة اجتماعية تتراكم تدريجيا، ولكن لا يزال الوقت مبكرا لذلك".

"ليست مسؤولية المعارضة فقط"

من جهته، يعتبر الوزير الأسبق ورئيس المعهد العربي للديمقراطية، خالد شوكات، أن المسؤولية في إيجاد بديل تقع على الشعب التونسي وليس على المعارضة فقط.

وأضاف: "من قاطع الانتخابات بهذا الشكل الصارخ والواضح هو صاحب السيادة والكلمة الفصل له، وهو من يجب أن يعود إليه الرئيس سعيّد ويردّ إليه الأمانة ويعرض عليه نفسه من جديد إن أراد.. هكذا يفعل الرئيس في الأنظمة الديمقراطية التي تحترم نفسها كلّما تأزّمت الأمور وعجزت عن حل الأزمات وإيجاد البديل.. وأما التذرّع بعدم قدرة المعارضة على توفير بديل، فيدخل في باب الذرائع المتهافتة التي تكشف تمسّكا مرضيا بالسلطة ورغبة في مواصلة الهروب إلى الأمام، وهي الرياضة التي ما فتئ الرئيس سعيّد يمارسها منذ انقلابه على مسار الانتقال الديمقراطي وقبضه على جميع السلطات".

ويؤكد شوكات: "في حال ردّ سعيّد الأمر للشعب، ونظمت انتخابات رئاسية سابقة لأوانها، فيقيني أن الشعب لن ينتخب سعيّد مجددا، كما رفض الشعب الأميركي التجديد لترامب ورفض الشعب البرازيلي التجديد لبولسونارو، فالشعب لا يلدغ من جحر واحد مرتين.. والشعب التونسي كشف عن هذا التوجه في جميع المناسبات الانتخابية التي جرت في ظل سعيّد.. وفي النهاية، أرى أن مسؤولية الشعب هي التعبير بكل حرية عن رأيه.. فإن تمكّن سعيّد من هزم جميع القوى السياسية والحزبية في انتخابات حرة ونزيهة وديمقراطية، فتلك إرادته وعليه أن يتحمل نتيجة خياراته".

وفيما يؤكد شوكات أن وحدة المعارضة مسألة صعبة، يشير إلى أن إمكانية هزيمة سعيّد ليست مستحيلة. وأضاف: "إن لم تتوحد المعارضة في الدور الأول من الانتخابات الرئاسية الممكنة، فعليها أن تتوحد في الدور الثاني، وهذا متاح".

المساهمون