ما لم يعد موضع جدل أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن عازمة على توظيف ثقل واشنطن لإنجاز صفقة التطبيع بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية. ويبدو أنها تتطلع إلى تحقيق ذلك، لو صحت حساباتها وأثمرت ضغوطاتها، خلال الحملة الانتخابية وقبل الاستحقاق الرئاسي المتبقي له 14 شهراً.
في الأيام الأخيرة تقاطعت وتسارعت تحركات ومبادرات الأطراف المعنية ومنها غير المسبوق، مما حمل على الاعتقاد بأن العملية قد تكون دخلت بداياتها. ومن المؤشرات أنه رافقها خطاب تراوح بين الغموض وبين ما بدا أنه أشبه بتدوير زوايا المطالب والشروط لتسويق أو تجريع الصفقة.
آخر هذه التحركات تمثل في زيارة فريق من المسؤولين المعنيين في الإدارة إلى السعودية، على رأسه بريت ماكغورك المنسق المختص بالمنطقة في مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض ومساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط بربارة ليف، على أن ينضم إليهما تيم لاندركينغ المبعوث الخاص لليمن.
الخارجية الأميركية التي استأنفت أمس الثلاثاء إحاطتها الصحافية اليومية بعد أسبوعين إجازة، لم تأت على سيرة الزيارة إلا عندما سُئلت عنها. مساعد المتحدث الرسمي فيدنت باتيل قال إنها "روتينية للتشاور في قضايا ثنائية وإقليمية"، زاعماً أنها كانت "مقررة منذ فترة".
سبق ذلك صدور بيانين مقتضبين لوزير الخارجية أنتوني بلينكن، واحد حول اتصال أجراه مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وتباحث معه في موضوع "توسيع تكامل إسرائيل الإقليمي" ومن دون إشارة إلى أنه تناول معه موضوع حل الدولتين.
البيان الثاني كان حول اتصاله بالرئيس محمود عباس والذي ذكر فيه موضوع الدولتين. عدم إثارة هذا الموضوع مع نتنياهو، خلافاً للمرات السابقة، طرح علامة استفهام عما إذا كانت الإدارة بدأت تسحب هذا المطلب الذي لطالما زعمت التمسك به، من خطابها مع الجانب الإسرائيلي؟
باتيل ردّ على الاستفسار حول هذا الحذف بأنه "لا تغيير في سياسة الإدارة المتعلقة في هذا الجزء من العالم". في العادة كان أكثر تحديداً لجهة ربط عدم التغيير بحل الدولتين. لماذا اختلف الأمر هذه المرة؟ قال "لا أعرف"، ولو أنه أعرب عن القناعة بأن "التفاوض حول هذا الحل هو الطريق الأفضل". لكن يبدو أن هذا كان صحيحاً فيما مضى وليس بعد الآن. وكأن هناك توليفة جديدة تتطلّب لغة مختلفة، مثل عبارة "تنازلات" مهمة مطلوبة من إسرائيل الآن والتي دخلت التداول في المدة الأخيرة، وكأنها البديل عن مطلب حل الدولتين، أو المدخل إلى تدوير زوايا هذا المطلب.
وفي السياق، يُذكر أن ماكغورك سبق أن رافق المستشار جيك سوليفان في زيارة خلال يوليو/ تموز الماضي إلى الرياض، كانت مخصصة لبحث موضوع التطبيع مع القيادة السعودية. الرئيس بايدن ألمح آنذاك إلى حصول "تقارب" في هذا الخصوص. وقد جرى ربط ملاحظته بما أعقب ذلك من حراك وخطوات غير معهودة، من زيارة وفد فلسطيني عالي المستوى إلى الرياض "لطرح المطالب الفلسطينية" إذا ما تم التطبيع، كما تردد. ثم جاءت خطوة المملكة بتعيين سفير لها غير مقيم، لدى السلطة الفلسطينية.
ومن الجانب الأميركي جرى اختيار سفير أميركي جديد لدى إسرائيل؛ جاكوب لو، ومن المتوقع ألّا يتأخّر مجلس الشيوخ في المصادقة على تعيينه. والمذكور يهودي أرثوذكسي سبق أن شغل منصب وزير المالية في إدارة أوباما، وهو مشهود له بقدرته التفاوضية التي يبدو أن البيت الأبيض يحتاجها في هذا الظرف لانتزاع شيء ما من نتنياهو يجرى تصويره على أنه فرصة نادرة لا يجوز تفويتها.
كل هذا يوحي كأن الطبخة وضعت على النار، ولو ناراً خفيفة، في التقديرات أنها على طريق انضاجها "ولو بعد وقت غير قصير". لكن غير القصير قد يكون أشهراً قليلة. الذي لا خلاف عليه في سائر القراءات أن قطار التطبيع هذا قد انطلق من غير التكهن بسرعته المرهونة إلى حد بعيد بمدى تيسّر أو تعثر حملة بايدن الانتخابية.