طرح القانون الانتخابي الجديد في تونس عدة تساؤلات عن مشاركة المرأة وتمثيليتها في البرلمان المقبل، إذ يرى مختصون أن حضورها سيكون ضعيفاً إن لم يكن معدوماً، وأن القانون الجديد أقصى النساء، ما قد يسبّب عزوفهن عن العمل السياسي وعدم مشاركتهن في المشهد المقبل. فيما ذهب البعض إلى حد اعتبار أن الرئيس قيس سعيّد ناقض الدستور نفسه من خلال القانون الانتخابي الحالي، باعتبار أن الدستور يشدد على مبدأ التناصف.
ودعت الديناميكية النسوية (تضم عدداً من الجمعيات المدافعة عن حقوق المرأة)، أمس الجمعة، إلى "مراجعة القانون الانتخابي الجديد واعتماد نظام اقتراع زوجي في جميع الاستحقاقات الانتخابية، بما في ذلك مجلس الجهات والأقاليم والمجالس البلدية، بما يضمن احترام مبدأ التناصف في الترشّح تحقيقاً لمشاركة فعلية للنساء وولوجهن إلى مواقع اتخاذ القرار".
وأكّد البيان أنّ "اعتماد نظام الاقتراع على الأفراد دون اعتماد التناصف في الترشح وإقرار الضمانات القانونية المستوجبة لتحقيق المساواة ونفاذ النساء إلى مواقع القرار، سيفتح الباب أمام إقصاء النساء من الترشح"، معتبراً إياه "خرقاً جسيماً لأحكام الفصل الـ51 من الدستور الجديد".
واستغربت الديناميكية من "توجّه القانون الانتخابي الجديد إلى حصر مبدأ التناصف في التزكيات المعتمدة عند الترشح وليس في الترشحات"، معتبرة ذلك "توجهاً نحو إشراك صوري للنساء والشباب وتعميق التهميش السياسي لهذه الفئات الواسعة".
واعتبرت أنّ القانون الانتخابي الجديد "سيساهم في ترشح أصحاب الوجاهة والمال المبني على علاقات القرابة وعلى العروشية والزبونية، كما سيفرز مشهداً سياسياً لا يختلف كثيراً عن المشهد السياسي الذي أفرزته الانتخابات التشريعية لسنة 2019، إن لم يكن أسوأ منه"، بحسب البيان.
ولفتت الديناميكية، إلى أنّ اعتماد مبدأ التناصف في الترشح في الانتخابات السابقة يعدّ أحد أبرز المكاسب التي حصلت عليها النساء في تونس في اتّجاه التجسيم العملي للمساواة ولتكافؤ الفرص بين الجنسين في مجتمع "أبوي" يحاول إزاحة النساء من الفضاء العام وتحوّلهن إلى مواطنات من درجة ثانية.
تعديل القانون الانتخابي
والخميس، أصدر سعيّد، أمراً بدعوة الناخبين لانتخابات تشريعية يوم 17 ديسمبر/ كانون الأول المقبل، إضافة إلى مرسوم لتنقيح (تعديل) القانون الانتخابي يعتمد التصويت على الأفراد ويعيد تقسيم الدوائر الانتخابية.
وجاء ذلك في الأمر عدد 710 لسنة 2022 تحت عنوان دعوة الناخبين لانتخاب أعضاء مجلس الشعب والمرسوم عدد 55 لسنة 2022 وفق ما نشرته الجريدة الرسمية التونسية "الرائد الرسمي"، مساء الخميس.
ووفق المادة الأولى من الأمر الرئاسي "يدعى الناخبون يوم السبت 17 ديسمبر لانتخاب أعضاء مجلس نواب الشعب، كما يدعى الناخبون المقيمون بالخارج أيام الخميس والجمعة والسبت 15 و16 و17 ديسمبر 2022".
وأجرى سعيد في مرسوم منفصل تعديلات على القانون الانتخابي الصادر عام 2014 باعتماد طريقة الاقتراع على الأفراد عوضاً عن القائمات واعتماد مبدأ سحب الوكالة والتقليص من عدد النواب من 217 في البرلمان المنحل إلى 161 في البرلمان المرتقب منهم 10 نواب عن التونسيين المقيمين بالخارج.
يذكر أن عدد الدوائر الانتخابية في القانون الانتخابي قبل تعديله كانت 33 دائرة منها 6 دوائر للتونسيين بالخارج.
ونصت المادة الـ106 مكرر من المرسوم على تحديد 161 نائباً لـ161 دائرة منها 151 مقعداً/ دائرة في تونس و10 دوائر للخارج.
إضعاف مشاركة المرأة
وحول تعديل القانون الانتخابي، أوضحت نائبة رئيسة رابطة ناخبات، تركية بن خذر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "القانون الانتخابي الحالي يضعف مشاركة المرأة، لأن المرأة في الاقتراع على القائمات كانت محمية، وتم تحفيزها بالتناصف، ولكن الانتخاب على الأفراد سيضعف مشاركتها السياسية".
ولفتت بن خذر إلى أن "جلّ مراسيم سعيد غير مؤنثة وموجهة للناخب والمترشح، ولا يذكر بتاتاً الناخبة والمترشحة"، مبينة أن "القانون ينص على أن كل ناخب يختار مترشحاً واحداً، امرأة أو رجل، ولكن كل مترشح يقدم برنامجه مع شرط حصوله على 400 تزكية، أي 200 رجل و200 امرأة، وفي الظاهر هذا إنصاف للمرأة، ولكن هذا سيعقد الأمر، لأن المرأة ليس لها الإمكانات والنفوذ لجمع التزكيات لنفسها إذا ترشحت، وهذا في أغلبه في صالح الرجال وأصحاب النفوذ المالي والنافذين في دوائرهم".
وأوضحت المتحدثة أن "كل هذا سيعقّد وجود المرأة مستقبلاً وسيضرب حق التناصف الذي يعتبر مكسباً مهماً"، مبينة أن "الدستور ينص على أن الدولة تسعى وتحرص على تحقيق التناصف ولكن للأسف لا توجد إلزامية".
ولفتت إلى أنهن "كناخبات لن يبقين مكتوفات الأيدي، وستكون هناك دورات تحسيسية وتكوينية للنساء لتحفيزهن على المشاركة ومرافقتهن وهناك ندوة في نهاية هذا الشهر سيتم من خلالها تقديم قراءة نقدية للقانون الانتخابي الحالي".
وقالت: "إنهن سيشكلن قوة ضغط لتشارك المرأة وتلعب دورها، وهناك قاعدة نسوية مصرة على النضال والمشاركة في المسارات القادمة"، مبينة "أنهن استبقن القانون الانتخابي وأجرين استبيان لمجموعة من النساء حول موقفهن من 25 يوليو/تموز وحقوقهن الاجتماعية والاقتصادية والسياسية".
وبحسب بن خذر فإن "غالبية النساء المشاركات في الاستبيان أكدن مواصلة المسيرة والنضال من أجل إثبات دورهن، واكتسبت بعضهن الثقة، إذ لهن قواعد جماهيرية سيحاولن من خلالها مواصلة العمل السياسي"، لافتة إلى "تقديم اقتراح أن تكون هناك في كل دائرة امرأة ورجل".
سعيد يواصل التمشي الأحادي الفردي
بدورها، قالت رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات نائلة الزغلامي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "هناك إشكالاً في هذا القانون"، متهمة "سعيد بمواصلة التمشي الأحادي الفردي دون تشريك الجمعيات والمجتمع المدني، ولا المهتمين بالانتخابات، ولا أيضاً أصحاب الشأن السياسي إذ صيغ هذا القانون بطريقة فردية".
وأوضحت الزغلامي أن "إقصاء النساء واضح، لأنه في الانتخاب على الأفراد يظهر وكأنه يكفي أن تكون للنساء الكفاءة والتواجد السياسي ليشاركن، في حين أننا في مجتمع أبوي ومن له المال أكثر يصل حتى لو كان مهرباً أو ترشح بالمحسوبية وبالعروشية والقبيلة، وهو ما سيغذي النعرات الجهوية"، مبينة أنه "في ظل عدم تواجد النساء بقوة القانون في القرار السياسي فسيتم إقصاؤهن".
وبينت المتحدثة أن "من مكتسبات الدستور السابق أن كان هناك تناصف عمودي يضمن الحد الأدنى من تواجد النساء في المجلس النيابي، بينما في دستور سعيّد وتحديداً الفصل الـ51، لا يراعي مشاركة النساء ولا حتى الشباب، إلى جانب تقسيم الدوائر الذي سيزيد من الإشكاليات والصعوبات، وستكون هناك جهات ممثلة أكثر من غيرها، وبالتالي سيكون المشهد أكثر تشتيتاً وخالياً من تواجد النساء وحتى التزكيات، ما قد يؤدي إلى جعل دور المرأة شكلياً".
وأكدت أنه "لا يمكن السكوت عن ذلك، لأن حرمان التونسيين مكاسب تحققت لهم غير مقبول ولا مجال لإقصاء المرأة".
وتابعت: "سيكون هناك سوء تصرف في المال العمومي، فتتالي المحطات الانتخابية وصرف نفقات باهظة على القوانين مع وضع اقتصادي واجتماعي يسوء أكثر فأكثر غير مبرر".
صعوبات أمام مشاركة المرأة
ويرى أستاذ القانون الدستوري، عطيل الظريف، أن "القانوني الانتخابي يمكن أن يقصي المرأة من خلال عدم فرض التناصف مثلما حصل في الانتخابات الماضية، حيث كان الانتخاب على القائمات، سواء كانت ائتلافية أو حزبية أو مستقلة".
وأوضح في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "القانون كان يفرض التناصف العمودي وطالما لا توجد قائمات في القانون الانتخابي الحالي فإن مشاركة المرأة ستتقلص بحكم أن مسؤولي القائمات سابقاً كانوا مطالبين بتشريكها، أما اليوم وبما أن الترشح فردي، فإن النساء عليهن الأخذ بزمام الأمور والترشح بمفردهن".
وتابع أنه بـ"العودة إلى طبيعة المجتمع التونسي، فإن مشاركة المرأة ستصبح محدودة لأن عليها المشاركة والقيام بحملتها وحدها وعليها تحمل كل الخطوات بمفردها، سواء في البحث عن التزكيات 200 نساء و200 رجال وأن تطلب منهم توقيعات وفي بعض المناطق قد يخلق ذلك صعوبة للمرأة، والإشكال أن يكون الإمضاء معرفاً في بلدية أو هيئة انتخابات، وهذا ليس سهلاً".
ولفت إلى أن "هذا يمنع الترشحات العشوائية، ولكن من يترشح عليه أن يدرك الخطوة التي سيقبل عليها"، مؤكداً أن "على المرأة توفير التمويل اللازم وكل هذا لا يخلو من إشكالات".
ومنذ 25 يوليو/ تموز 2021، تعاني تونس أزمة سياسية حادة حين بدأ سعيّد فرض إجراءات استثنائية، منها إقالة الحكومة وتعيين أخرى وحل مجلس القضاء والبرلمان وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية وإقرار دستور جديد للبلاد عبر استفتاء في 25 يوليو الماضي وتبكير الانتخابات البرلمانية.
وتعتبر قوى تونسية أن هذه الإجراءات تمثل "انقلاباً على دستور 2014 وترسيخاً لحكم فردي مطلق".