استمع إلى الملخص
- تشمل التعديلات تعزيز سيطرة الحكومة على الإعلام والتعليم وتقليص دور المحكمة العليا، مما يمنح الائتلاف حرية أكبر في تحديد القوائم والمرشحين، ويهدف إلى تقويض الديمقراطية.
- تتضمن المقترحات إقصاء الأصوات المعارضة، مثل منع من يدعو لمقاطعة إسرائيل من الترشح، وتعديل القوانين لضمان استمرار حكم "الليكود"، مما يعزز قبضة الائتلاف الحاكم.
تكشف سلسلة من القوانين التي يدفع بها الائتلاف الإسرائيلي الحاكم، والتي تتمحور معظمها حول أنظمة الانتخابات البرلمانية، عن الطريقة التي تحاول من خلالها الحكومة الحالية ضمان بقائها السياسي مستقبلاً عبر تفريغ الديمقراطية التي يتغنّى بها الاحتلال من مضمونها.
وفي هذا الإطار، سلّط موقع "شومريم" (الحرّاس)، وهو موقع عبري متخصص في التحقيقات الاستقصائية، في تقرير حديث له، الضوء على الاحتمالات غير المستبعدة لذلك، مشيراً إلى أن ملامح هذه التحولات بدأت منذ الأيام الأولى لإقامة حكومة "معسكر المؤمنين"؛ إذ دعمت الأخيرة توجهاً للجنة الانتخابات المركزية، طالبَ بأن تُنظّم انتخابات الكنيست كل خمس سنوات وليس كل أربع كما هو منصوص عليه في القانون.
وعلى الرغم من أن رئيس اللجنة، القاضي نوعام سولبرغ، عرقل المحاولة في حينه، لم تتوقف المحاولات عند ذلك؛ إذ استأنف الائتلاف تحركاته مؤخراً لتعزيز سطوته ولكي يضمن فوزه في الانتخابات المقبلة، إمّا من طريق الدفع بقوانين ترمي لإضعاف الإعلام والتعليم الحكومي، بحيث لا يتعرض الجمهور من خلالها لمضامين تنتقد الحكومة وتنقص من شرعيتها، أو من خلال مقترحات تشريعية لتغيير القوانين المتعلقة بالانتخابات، ومن بينها تعديل قانون "أساس الكنيست" بهدف "توسيع أسباب منع الترشح للانتخابات والمشاركة فيها"، والتي بادر إلى طرحها رئيس الائتلاف، عضو الكنيست أوفير كاتس (الليكود)، وسرعان ما رُوّجت في الأيام الأخيرة في لجنة الكنيست التي يرأسها كاتس نفسه.
باستخدام ستار "الحرب على الإرهاب"، يسعى مقترح كاتس إلى تسهيل استبعاد القوائم العربية ومرشحيها، وبالتالي إعادة توزيع كعكة المقاعد من جديد. الأمر الذي سيضيف نحو خمسة إلى سبعة مقاعد لأحزاب الائتلاف الحاكم. أمّا مقترح القانون الثاني فيسعى إلى توسيع إمكانية إقصاء أعضاء المجالس في السلطات المحلية على خلفية "دعم الإرهاب" والذي قدمه عضو الكنيست حانوخ ميلفيتسكي (الليكود) ومرّ بقراءة تمهيدية في نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، ومن خلاله ضمنت المنظومة السياسية قبضة أكثر إحكاماً على عملية الإقالة والإقصاء.
هذه المناورة بين الحكومة والمجالس المحلية "ليست مصادفة"، والسبب، بحسب "شومريم"، هو أن مشروع القانون الذي سيُقر سيشكل سابقة ستسهل تمرير الثاني، خصوصاً عندما يفرض طرحها قبولاً في وعي الإسرائيليين. وما سبق هو طريقة العمل في الوقت الحالي، كما تصف البروفيسورة تامار هوستوفسكي-براندز، وهي خبيرة في القانون الدولي والقانون الدستوري في كلية "أونو" الأكاديمية، وباحثة في معهد "الفكر الإسرائيلي". وطبقاً لما توضحه في مقابلة مع الموقع، فإن "ثمة محاولة لتطبيع هذه الأفكار، التي نُظر إليها ذات يوم باعتبارها وهمية، فيما باتت تطرح اليوم في الخطاب العام كبالونات اختبارية لقياس رد الفعل تجاهها"، مشيرةً إلى أنها "ستجد طريقها في نهاية الأمر للخطاب العام عندما يتم تداولها لوقت طويل بما يكفي".
وفي ما يتعلّق بإعداد الأرضية لجعل الخطاب مقبولاً لدى الرأي العام، يوضح عضو الكنيست وليد الهوشلة (القائمة الموحدة)، وهي قائمة عربية يستهدفها القانون المذكور، أن "أعضاء الكنيست العرب لا يدعمون الإرهاب. لكن هذا لا يمنع أعضاء الائتلاف من اتهامنا بذلك، لأن تكرار الاتهام يُعبّد الطريق أمام طرح القانون وسنّه، واعتباره شرعياً". وبحسبه فإن كاتس يهدف من خلال طرحه إلى تحديد مصير الانتخابات المقبلة في صناديق الاقتراع؛ إذ كما أوضح: "هم ليسوا أغبياء، إنهم (الائتلاف) يرون نتائج استطلاعات الرأي ويدركون أنهم لن يتمكّنوا من تشكيل حكومة. في عام 2015، قال نتنياهو إن العرب يتدفقون إلى صناديق الاقتراع، والآن يسعى إلى استبعاد القوائم والمرشحين بهدف خفض نسبة التصويت لدى العرب"، في إشارة إلى ضمان مقاعد أكبر للائتلاف.
وعلى الرغم من أنّ قانون منع الترشح ليس الأداة الوحيدة، إلا أنه "الفرصة الكبرى للائتلاف للبقاء في السلطة بعد الانتخابات" كما يوضّح البروفيسور يانيف روزناي، وهو نائب عميد كلية الحقوق في جامعة "رايخمان"، مضيفاً أنه حتّى في الحالات التي قد تحبط فيها العليا إمكانية استبعاد مُرشحين، سيكون ذلك نقطة في صالح الائتلاف؛ حيث سيتهمها الأخير بـ"دعم الإرهاب"، ليمنح نفسه مزيداً من المبررات للمضي في "الإصلاحات القضائية"، الموصوفة بـ"الانقلاب القضائي".
من جهة ثانية، قد ينجح كاتس في إضافة المزيد من البنود المدرجة في "المادة أ" من قانون "أساس الكنيست"، لاستبعاد قوائم أو مرشحين بينها بند يهدف إلى تقليص نطاق تدخل العليا في تحديد مصير القوائم أو المُرشحين المتهمين بـ"دعم الإرهاب"؛ حيث خلافاً لما هو متبع اليوم، ستُحدد لجنة ذات تركيبة سياسية ما الذي يُعد دعماً للإرهاب من عدمه، وهذه اللجنة ستتألف من ممثلي الأحزاب في الكنيست وفقاً للحجم النسبي لكل حزب، والتي يملك فيها الائتلاف أغلبية بطبيعة الحال.
على المقلب الآخر، صيغ القانون بشكل لا يتطرق لمن يدعمون "الإرهاب اليهودي"، فهو يشير فقط إلى "الإرهاب ضد المواطنين الإسرائيليين"، وليس ضد الآخرين، ولذلك لن يُستبعد ترشيح شخصيات مثل وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، المُدان بدعم حركة إرهابية، ولا عضوة الكنيست ليمور سون هار ميلخ، التي دعمت قاتل عائلة الدوابشة الفلسطينية حرقاً، الإرهابي عميرام بن أوليئيل. ولذلك فإن جوهر القانون كما يراه البروفيسور آدم شنعار من كلية الحقوق بجامعة "رايخمان"، هدفه "زرع اليأس" في نفوس المواطنين العرب، حيث سيشعرون بحسبه "بأنه لا جدوى من الخروج للتصويت، وبالتالي فإن أصواتهم، التي ضَعُفَ تمثيلها أساساً، ستنخفض أكثر، ما سيحسّن وضعية الأحزاب اليمينية وسطوتها".
من جهته، يلفت منتدى "علماء وعالمات الدولة من أجل الديمقراطية" إلى مشروع قانون آخر، يعتبر أكثر تطرفاً من القانون الذي طرحه رئيس الائتلاف؛ حيث ينفي المشروع المشار إليه تماماً سلطة المحكمة العليا للتدخل في قرارات لجنة الانتخابات المركزية في ما يتعلق بالموافقة أو عدمها على المرشحين والقوائم. ففي القانون الحالي، يخضع قرار لجنة الانتخابات للموافقة النهائية من قبل المحكمة العليا، فيما اقتراح عضو الكنيست نيسيم فاتوري (الليكود) يقضي بأن قرار اللجنة، التي تتمتع بها أحزاب الائتلاف بالأغلبية، ستكون "نهائية وحاسمة وغير قابلة للطعن". مما سيمنح اللجنة حرية كاملة في تقويض حق الانتخاب. وإذا تم إقراره، إلى جانب توسيع أسباب رفض الترشح، فستكون الديمقراطية الإسرائيلية، بحسب المنتدى، إزاء مسارين من "كش الملك"، في إشارة إلى الخطوة التي تنتهي بها لعبة الشطرنج.
كل ما تقدّم، يُضاف له اقتراحان قانونيان يهدفان إلى تفريغ الكنيست من "اليساريين" والعرب على حدٍ سواء، وقد قدّمهما عُضوا الكنيست إلياهو رافيفو، وبوعز بسموت (الليكود)، ويسعيان إلى حرمان من يدعو إلى مقاطعة إسرائيل من الترشح لانتخابات الكنيست. وفي حال لم يُستبعد هؤلاء، فعلى الأقل سيُرفض تمويل أحزابهم.
ويستند المشروعان إلى "قانون منع الإضرار بدولة إسرائيل من خلال المقاطعة"، والذي يشمل "المناطق الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية"، بحيث يطاول كذلك أعضاء كنيست أو أحزابا تدعو لمقاطعة منتجات المستوطنات احتجاجاً على الاحتلال، أو أولئك الذين يدعون إلى المقاطعة للضغط على إسرائيل لإنهاء الحرب على غزة وإطلاق سراح الأسرى.
التعديلات على القوانين الأساسية للحكومة والكنيست التي قدمها رافيفو وشركاؤه تسعى أيضاً إلى إدامة حكم "الليكود"؛ حيث يقترح هؤلاء أن يُعهد بتشكيل الحكومة إلى رئيس الحزب الأكبر، وأن الفشل في إقرار الميزانية لن يؤدي بعد الآن إلى حل الكنيست، وأن حل الأخير في السنة الأولى سيتطلب أغلبية 70 عضواً من الكنيست وليس 61 كما هو مطلوب اليوم.
فضلاً عما تقدم، ثمة اقتراحان آخران يعززان هذا التوّجه، أحدهما طرحه عضو الكنيست ألموغ كوهين (قوّة يهودية)، ويدعو إلى إطالة فترة الراحة لعناصر الأجهزة الأمنية الذين يرغبون في الاندماج بالمنظومة السياسية، من ثلاث سنوات إلى خمس. وما سبق بحسب "شومريم" يفيد الأحزاب الحاكمة لأنه سيقلل من اضطرارها لمنافسة عناصر جديدة في الساحة السياسية. أمّا الاقتراح الآخر فقدمته عضوة الكنيست غاليت ديستيل-أتبَريان (الليكود)، ويدعو إلى حظر الإضرابات خلال الـ30 يوماً التي تسبق انتخابات الكنيست وانتخابات المجالس المحلية. وسيسهم المقترح الأخير في تعزيز صورة الائتلاف، لأنه إن مر سيحظر عملياً استخدام الأدوات الاحتجاجية ضد المنظومة الحاكمة في الأيام التي تُعد الأكثر حسماً في تشكيل ملامح الخريطة السياسية، وتحديد سلوك الناخبين.
وتعليقاً على مجمل هذه القوانين، اعتبر البروفيسور شنعار أنها "تحركات شعبوية تكاد تكون دكتاتورية"، موضحاً أن الأشخاص الذين يحوزون السلطة الآن يقولون بوضوح إنه لن نسمح لأي كان أن يحل محلنا"، واصفاً ذلك بأنه "مناهضة للديمقراطية، لأن جوهر هذه الأخيرة برمته هو أنه لا ينبغي أن تكون هناك انتخابات فحسب، بل أنه يجب أن تكون هناك انتخابات فيها فرصة لاستبدال الحزب الحاكم، أي فرصة عادلة للأقلية في الحكم لكي تصبح أغلبية".