دخلت المواجهات بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع"، اليوم السبت، أسبوعها التاسع، بهدنة اختبارية ليوم واحد، فيما يظل السؤال مطروحاً الآن عن نتائج الحرب وجدواها.
واندلعت المواجهات بين الطرفين في الخامس عشر من إبريل/نيسان الماضي، على خلفية خلافات حول تفاصيل دمج "قوات الدعم السريع" في الجيش، أبرزها الخلاف حول مدة الدمج والقيادة والسيطرة، وذلك بعد أن تم الاتفاق على مبدأ الدمج عبر اتفاق إطاري "مبدئي"، تم التوصل إليه في الخامس عشر من ديسمبر/كانون الأول الماضي، وقّع عليه الطرفان، ومعهما مجموعة من الأحزاب السياسية. وتضمّن الاتفاق مبادئ عامة لإنهاء الأزمة السياسية في البلاد، عقب انقلاب قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، المدعوم من قائد "الدعم السريع" محمد حمدان دقلو "حميدتي"، العام قبل الماضي.
وبعد ثمانية أسابيع من الحرب ودخول الاشتباكات شهرها الثالث، يبقى الوضع الميداني كما هو، والذي يتمظهر في سيطرة لـ"الدعم السريع" على مواقع استراتيجية مثل معظم مخارج ومداخل العاصمة الخرطوم وغالبية الكباري والجسور، وانتشارها الميداني في الشوارع بوضع مراكز ونقاط تفتيش، عدا عن سيطرتها المباشرة على القصر الرئاسي بالكامل، وجزء من مقر قيادة الجيش، ومطار الخرطوم، ومقر الهيئة الحكومية للإذاعة والتلفزيون، واستيلائها كذلك على مقر قيادة الدفاع الجوي، وأخيراً مصنع اليرموك للأسلحة التابع للجيش.
وقبل ذلك، استولت "قوات الدعم السريع" على مدينة جياد الصناعية التابعة للجيش، كما أنها تتخذ من عدد من المنشآت المدنية، كالمستشفيات والمدارس والمنازل مقراً لها، خصوصاً بعد أن تمكن سلاح الطيران من تدمير عدد من معسكراتها بالخرطوم، وأكبرها في كرري، شمال مدينة أم درمان، غرب العاصمة.
في المقابل، وفي أكثر من مناسبة، يقلّل الجيش من قيمة النتائج الميدانية التي حققتها "الدعم السريع"، ويبرر ذلك بأنه أفشل الخطة الرئيسة لتمرد "قوات الدعم السريع" بالاستيلاء كلياً على السلطة، واعتقال رئيس مجلس السيادة وأعضائه، مؤكداً أن كلّ مقراته الرئيسة من فرق وألوية لم تتعرض لأي أذى، طبقاً لما جاء في حديث قبل فترة لقائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان، والذي أشار كذلك إلى أن الجيش لم يستخدم بعد القوة المميتة حرصاً على حياة المدنيين.
الوضع خارج الخرطوم
خارج الخرطوم، وخلال فترة الحرب، دارت معارك في معظم مدن إقليم دارفور، المنشأ الأول لـ"قوات الدعم السريع" وفي مدن في إقليم كردفان، غرب البلاد، وفي مدينة مروي شمالاً، بينما كانت الاشتباكات الأعنف والأكثر استمرارية، والتي تأخذ معها بعداً إثنياً، في مدينة الجنينة، مركز ولاية غرب دارفور، حيث لا تزال الاشتباكات مستمرة، في وقت انعزلت المدينة عن العالم، وسط أنباء عن مقتل المئات، ونزوح الآلاف أو لجوئهم إلى دولة تشاد المجاورة.
بالإضافة إلى ذلك، تتأزم الأوضاع بمدينة الأبيض، مركز ولاية شمال كردفان، لتعرضها لحصار من قبل قوات "الدعم السريع" مع قيام قوات الهجانة التابعة للجيش في الدفاع عنها.
هدن فاشلة
وخلال فترة الحرب الممتدة لنحو شهرين، وقّع الجيش وقوات "الدعم السريع" على اتفاق هدنة لأكثر من مرة، تارة لإجلاء الرعايا الأجانب، وتارة أخرى بوساطة دول منظمة الهيئة الحكومية للتنمية المعروفة اختصارا بـ"إيغاد"، وأخيراً برعاية سعودية أميركية، ضمن مبادرة شاملة لوقف الحرب، وجاءت درجة الالتزام بها محبطة للوسطاء، وقبل ذلك للمتضررين من الحرب، حتى اضطر الوسيطان لإعلان تعليق مساعيهما احتجاجاً على عدم جدية الطرفين في الالتزام بوقف إطلاق النار.
وعادت مساعي الوساطة مرة أخرى في اليومين الماضيين، وأفضت لهدنة ليوم واحد، اليوم السبت، وقُصد بها فيما يبدو اختبار جديتهما من جديد، حيث من المنتظر أن يضاعف الوسطاء آليات الرقابة على الهدنة.
هل يعود الطرفان لطاولة التفاوض؟
ومع الصورة العامة تلك لحقائق الأوضاع الميدانية والإنسانية، تعالت الأصوات المطالبة بوقف الحرب، والعودة لطاولة التفاوض لتجاوز الخلافات، والعودة كلياً للمسار التفاوضي السابق القائم على الاتفاق الإطاري.
يقول اللواء المتقاعد صلاح عيساوي، إن أياً من الطرفين، الجيش و"الدعم السريع" ليست لديهما القدرة على إنهاء المعارك لصالحه، لأن الجيش وأعوانه يروّجون لانتصارات فقط على وسائط التواصل الاجتماعي، لا وجود لها على الارض، فيما تسيطر "الدعم السريع" على كثير من المواقع الاستراتيجية، وتحتفظ بالآلاف من الأسرى، لكنها لا تمتلك حاضنة سياسية تؤهلها للسيطرة المطلقة، خصوصاً في ظل تأثير فلول النظام القديم على الرأي العام، بعد هيمنته المطلقة في العقود الثلاثة الماضية.
ويستبعد عيساوي في حديث مع "العربي الجديد"، وجود فرصة لتوافق جديد بين الجيش و"الدعم السريع"، لأنهما باتا في خطين متوازيين، مشيراً إلى صعوبة المهمة خلال مفاوضات جدة السعودية، معتبراً أنه لا مجال فيها، بحسب تقديره، إلا لاتفاق يُبعد الجانبين عن السلطة، ويسلمها لقوى مدنية لفترة انتقالية.
وعن الانتهاكات الواسعة المنسوبة لـ"قوات الدعم السريع"، من نهب وطرد للسكان من منازلهم وغيرها، ومدى تأثيرها المستقبلي على هذه القوات، يقول اللواء عيساوى، إن "الانتهاكات إفرازات طبيعية للحروب"، موضحاً أن "الدعم السريع" لم تكن وحدها التي ارتكبتها، وربما تكون انتهاكات من الجيش لا تُقارن، لأنه يستخدم سلاح الطيران في قتل العزّل والأبرياء.
من جهته، يستند المحلل السياسي يعقوب الدموكي لعدة عوامل، يؤكد معها قدرة الجيش على حسم المعركة، وذلك بعد الزوال النهائي لمخطط "الدعم السريع" بالاستيلاء على السلطة نتيجة لحسن إدارة الجيش للحظات الأولى والمفصلية في هذه الحرب، موضحاً، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الضربات الجوية لسلاح الجو أفقدت "الدعم السريع" الكثير من عدتها وعتادها، ودفعت أفرادها للهروب من ميدان المعركة، والذهاب خارج الخرطوم، وانعكس ذلك على انتشارها في العاصمة الخرطوم في الأيام السابقة، وفي عودة مظاهر الحياة الطبيعية في العاصمة، وامتناع أفراد "الدعم السريع" عن ارتداء الزي الرسمي والتخفي في أثواب مدنية.
ويؤكد أن مقتل كبار قادة القوات أثّر في معنويات الجنود الذين باتوا يتسأءلون عن هدف المعركة، وعن رواتبهم التي لم تصل بعد، في واقع مجتمعي عزلهم تماماً بسبب عمليات النهب والسلب التي ارتكبوها.
ويعتبر الدموكي، أن الجيش سيكون قادراً على حسم المعركة خلال أسبوع واحد، إذا تمكّن من سدّ ثغرة النقص داخله في عديد الجنود المشاة، خصوصاً أن تكتيكه العسكري يبدو أنه يستند على تجميع قوات "الدعم السريع" في نقاط محددة بأكبر عدد، ليسهل اصطيادهم، مع استمرار نقص أعدادهم، وسياراتهم، وشح الإمداد العسكري، والوقود.
ويرفض الدموكي فكرة ومقترحات الحلّ التفاوضي، لأنه لا يمكن التفاوض مع مجموعة ارتكبت كل شيء ولم تعد مؤهلة للدخول في أي شراكة مستقبلية، على حدّ قوله، مبيناً أن ما يجري في مدينة جدة السعودية ما هو إلا محاولة لمعالجة القضايا الإنسانية وليس السياسية، كما أن الحرب كشفت وفضحت أحزاب العملية السياسية السابقة، التي تحوّلت لحاضنة سياسية لـ"الدعم السريع"، وبالتالي لا يمكن إشراكها في أحاديث ومفاوضات المستقبل.
دعوات لوقف الحرب
في المواقف السياسية، يرى الناطق الرسمي باسم "حزب البعث العربي الاشتراكي" عادل خلف الله، أن ما حدث خلال الأسابيع الماضية أكد شيئاً واحداً، وهو مصداقية توصيف الحرب بأنها عبثية وحمقاء وغبية، لأنها أدخلت السودان في مصير مظلم، وكشفت خطأ التقديرات العسكرية التي عدتها في البداية مجرد ضربة خاطفة لحسم صراع السلطة والنفوذ.
ويوضح خلف الله لـ"العربي الجديد"، أن عبثية الحرب تؤكدها عمليات الكر والفر اليومية، وتبادل المواقع، والقصف المدفعي والجوي، الذي تأثر به الإنسان ومقدرات السودان، لافتاً إلى أن جهاز الدولة غائب تماماً بعد الحرب، وهناك عجز عن توفير الرواتب والأجور، وشح في السيولة، وعمليات نهب وسلب يومية، وهجرة من الخرطوم بمغادرة نصف مليون شخص لداخل أو خارج البلاد، وكل ذلك ضاعف المواقف الرافضة لاستمرار الحرب التي لم تحصل، بحسب تقديره، على تعاطف شعبي.
ويعتبر أن السبب الرئيسي لهذه الحرب، هو انخراط أكبر قوتين عسكريتين في الشأن السياسي، دون اهتمامهما بالترتيبات الأمنية لبناء جيش قومي مهني واحد، وهو ما جعل الجيش، وبكل تاريخه الممتد لأكثر من مائة عام، يفشل في حسم معركته مع "الدعم السريع" التي تُعتبر جزءاً منه، منبهاً إلى أن ذلك العجز ربما ساعد الطامعين في مقدرات البلاد، بالانقضاض على الدولة السودانية.
ويشدد خلف الله على أن المخرج هو بالعودة للتفاوض لوقف الحرب، والتوصل لاتفاق حول الاصلاح الأمني والعسكري، لبناء جيش حديث كفؤ، له عقيدة عسكرية يحكمها قانونه، ويحترم النظام الدستوري، وتقوده سلطة مدنية، وذلك عبر حلّ سياسي يستوعب معطيات ما بعد 15 إبريل، أساسه وقف إطلاق النار، وتقديم المساعدات للمتضررين، وإصلاح الخدمات مثل الكهرباء والمياه والمشافي، ومغادرة الجيوش للمدن، وقيام دولة مدنية ديمقراطية.
ويتفق القيادي بحزب "الأمة القومي" عبد الجليل الباشا، مع خلف الله، على ضرورة تصميم عملية سياسية تؤسس لانتقال ديمقراطي، مشيداً في المقابل بالجهود السعودية الأميركية في مدينة جدة، لتوصلها لاتفاقات لحماية المدنيين، وتمرير المساعدات الإنسانية، لأنها خطوة في الاتجاه الصحيح، حتى ولو ضعفت نسبة الالتزام بها.
وفي ردّه على سؤال عن إمكانية إلغاء الاتفاق الإطاري والبحث قدماً عن عملية سياسية جديدة، يقول الباشا، في حديث إلى "العربي الجديد"، إن العملية السياسية التي أنتجت الاتفاق الإطاري ذهبت بعيداً، وتجاوزت الكثير، بما في ذلك قضية دمج "الدعم السريع" في الجيش، وبقي الخلاف عند آخر النقاط المتعلقة بالقيادة والسيطرة، ووقّع الطرفان بمحض إرادتهما على عدد من وثائق العملية السياسية، لذا لا يمكن إلغاء الاتفاق الإطاري، والمطلوب هو توسعة قاعدة المشاركة سياسياً واجتماعياً، ما يعطي فرصة لتحقيق الاستقرار الأمني والسياسي، ويفتح الباب لبناء الوطن.
وعن الحرب، يقول الباشا إنها مفروضة على الشعب السوداني، ومهما طال الزمن فلن يكون فيها مهزوم أو منتصر، والخاسر الوحيد هو الشعب السوداني، لأنه فقد الآلاف، ونزح منه مئات الآلاف، فيما يعاني آخرون من عدم الحصول على أبسط الخدمات، ومن عمليات النهب، والقصف الجوي والمدفعي، وبالتالي لابد من وضع حدّ للحرب اليوم قبل الغد، ومعالجة آثارها.
إلى ذلك، يجزم الموظف السابق بحكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، حاتم إلياس، أن النتائج السياسية للحرب الحالية ستعيد الناس طواعية لمربع الاتفاق الاطاري، واختيار حكومة مدنية، والتوافق على آليات الدمج، مشيراً لـ"العربي الجديد"، إلى أن الحضور الاقليمي والدولي المراقب للاتفاق هو الاطاري سيكون صاحب التأثير الكبير والحاسم في إجبار الأطراف المتحاربة، وحتى المدنية، في القبول بمسار سياسي ينهي الحرب.
انتهاكات ترقى لجرائم حرب
وعلى صعيد الانتهاكات، يصف المحامي معزة حضرة، حرب الأسابيع الماضية بأنها حرب الانتهاكات ضد حقوق الإنسان بامتياز، ويقول لـ"العربي الجديد"، إن الانتهاكات زادت من الطرفين، ووصلت لمرحلة جرائم الحرب، مشيراً إلى أنه شخصياً يقطن في حى شمبات، شمال الخرطوم، ويتعرض مع غيره من السكان لقصف جوي من قبل الجيش، ويعانون من ردود "الدعم السريع" بالمضادات.
ويؤكد أن ضرب المدنيين بالطائرات، واتخاذهم دروعاً بشرية، يمكن تصنيفها كجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وتخالف مواد في القانون الجنائي السوداني، وتخالف اتفاقيات جنيف الأربع لسنة 1949 التي تتحدث عن حماية المدنيين أثناء الحرب، مؤكدا أن الطرفين انتهكا تلك الاتفاقيات.