يبدو أن تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) يسعى لحسم معركة دير الزور، والسيطرة على المناطق التي ما زالت تحت سيطرة النظام السوري في المحافظة، وهو ما ظهر في هجومه على المدخل الشمالي لمدينة دير الزور حيث نجح بتحقيق تقدّم ميداني.
وكان "داعش" قد نجح بفرض سيطرته على معظم مناطق المحافظة، بعد معارك عنيفة مع المعارضة السورية، وارتكاب مجازر بحق أبناء عشيرة الشعيطات التي رفضت "البيعة" للتنظيم، فيما عجز عن الدخول إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة قوات النظام نتيجة طبيعتها الجغرافية، واستماتة المقاتلين هناك بعد رؤية صور "ذبح" عناصر النظام في الفرقة 17 بالرقة.
ومنذ أوائل عام 2015 فرض التنظيم حصاراً خانقاً على مناطق النظام في دير الزور التي يسكنها نحو ربع مليون شخص، وترافق ذلك مع انقطاع في التيار الكهربائي وعدم توفّر أسطوانات الغاز وندرة المواد الغذائية، ما دفع السكان إلى اللجوء للخشب للتدفئة والطبخ. وزاد من الضغوط على الأهالي، عمليات الابتزاز والتجنيد الإجباري التي يمارسها عناصر النظام السوري في الأحياء المحاصرة.
أما "داعش"، فحاول عدة مرات اقتحام المنطقة عبر المطار العسكري والجبل المطل على الأحياء، ولكن كل محاولاته باءت بالفشل. ولكن خلال الشهر الماضي حقق التنظيم تقدّماً كبيراً من المدخل الشمالي لمدينة دير الزور حين اقتحم مناطق النظام، وسيطر على حي البغيلية وتلة الجحيف، واستولى على مخازن الأسلحة ومعسكر الصاعقة في عياش. وتُعتبر مستودعات عياش للأسلحة أكبر مخازن السلاح والذخيرة في شرق سورية. وقام التنظيم بقتل عدد كبير من قوات النظام ومليشيا الدفاع الوطني، وعمد انتحاريون إلى تفجير أنفسهم داخل مبنى فندق فرات الشام الذي كان مقراً عسكرياً لقوات النظام، وبات التنظيم لا يبعد مئات الأمتار عن قصر المحافظة، وبمواجهة مباشرة مع قوات النظام في معسكر الطلائع.
اقرأ أيضاً: سورية: دير الزور بين الجوع والفساد وحملات الاعتقال
وكشف مصدر داخل الأحياء المحاصرة لـ"العربي الجديد"، عن الطريقة التي تمكّن فيها عناصر "داعش" من إحراز هذا التقدّم، مشيراً إلى أن هناك تجارة كانت تجري بشكل دوري بين قوات النظام و"داعش" في منطقة البغيلية عبر النهر بالقرب من محطة تصفية المياه والذي كان المعبر الوحيد للسكان (قبل بدء الحصار)، وتشتري قوات النظام البنزين والديزل والمواد الغذائية من التنظيم قبل بيعها للمحاصرين بأسعار باهظة.
ولفت المصدر إلى أن فجر يوم السبت 16 يناير/كانون الثاني الماضي، شهد قدوم التجار كالمعتاد عبر الزوارق، ولكن التنظيم كان يجهز للمعركة، فاقترب القارب الأول وانفجر في جنود النظام، وسارع عناصر "داعش" الذين كانوا في القوارب الأخرى إلى الانغماس في المنطقة، ترافق ذلك مع تسلل "انغماسيين" آخرين في جنح الظلام عبر النهر على مواقع قوات النظام ومليشيا الدفاع الوطني في البغيلية وأمسكوا عدداً كبيراً منهم وهم نائمون وقاموا بذبحهم.
في الوقت ذاته، حرك التنظيم كافة جبهات القتال مع النظام في مدينة دير الزور، وفجّر سيارتين مفخختين يقودها انتحاريان، مما أدى إلى إرباك قوات النظام، ومهّد لعناصر التنظيم بمباغتة عناصر النظام والسيطرة بسرعة على البغيلية ومحطة المياه، ثم اقتحام عدد من الانتحاريين لفندق "فرات الشام" وتفجير أنفسهم عند البوابة.
ولفت المصدر إلى أن "داعش" استفاد في الأيام اللاحقة من عاصفة الغبار التي ضربت المنطقة مما أدى إلى تعطيل سلاح الجو، وهاجم مخازن عياش المليئة بالأسلحة ومعسكر الصاعقة ومبنى جامعة الجزيرة، ومن ثم تلة الجحيف. وكانت وكالة "أعماق" التابعة للتنظيم، أعلنت مقتل 57 على الأقل من قوات النظام، إثر معارك السيطرة على كتيبتي الصواريخ والصاعقة. كما ذكرت صفحات وشبكات إعلامية موالية للتنظيم، أن العشرات من الجنود وعناصر الدفاع الوطني الذي تم أسرهم في المعارك، تم إعدامهم في أحياء دير الزور الخاضعة لـ"داعش".
وأفاد "مرصد العدالة من أجل الحياة" في دير الزور، أن النظام بدأ باستقدام تعزيزات جوية من محافظة الحسكة ويعمل على حشد قواته من أجل استعادة المناطق التي فقدها أخيراً. وقال مدير المرصد جلال الحمد، لـ"العربي الجديد"، إن "داعش" حقق تقدّماً نوعياً على الصعيد العسكري في دير الزور، محذراً من قيام التنظيم بارتكاب المزيد من المجازر في حال تقدّمه وبسط سيطرته على أحياء دير الزور المتبقية، إذ يعتبر التنظيم سكان تلك الأحياء من "ملة الكفر"، لافتاً إلى أن "التنظيم سبق أن أهدر في أحد إصداراته دم كل من يبقى في الأحياء المحاصرة".
وشهدت الأيام الأخيرة غارات كثيفة من الطيران الروسي على قرى ريف دير الزور، وهي المناطق التي يسيطر عليها تنظيم "داعش"، واستهدفت قرى البوليل وحصان والحسينية والجنينة، من أجل لجم التنظيم وثنيه عن التقّدم إلى مناطق سيطرة النظام، وسقط على إثرها عشرات الضحايا من المدنيين، حسب ما نقلت بعض الشبكات من ريف المدينة.
وأوضح الضابط السابق في سلاح الجو السوري عبد الناصر العايد، وهو ابن المنطقة، أن النظام السوري بنى على مدى الأعوام السابقة قلعة مترابطة حول قواته وترسانة سلاحه في مدينة دير الزور، وأهمها مستودعات عياش الاستراتيجية، الأضخم في شمال شرق سورية.
وأضاف العايد، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن اختيار "داعش" لبدء المعركة من غرب المدينة هو تكتيك معقد، ولكنه أحرز نجاحاً حتى الآن، مشيراً إلى أن وجود نهر الفرات كفاصل بين مناطق "داعش" ومناطق النظام كحاجز، يزيد من صعوبة عملية الاقتحام. ولفت إلى أنه ما زال هناك أمور غامضة في عملية الاقتحام الأولى وكيفية تمكّن قوات "داعش" من الوصول إلى ضفة النهر الثانية حيث تتواجد ثكنات قوات النظام، والتي يتولى حراستها مجندون من أهالي المنطقة منضوون تحت ما يعرف بـ"اللجان الشعبية"، وهي مليشيا غير منضبطة وغير ملتزمة.
اقرأ أيضاً: سورية: 30 قتيلا بديرالزور وارتفاع ضحايا الجوع بمضايا