هكذا "احتلّ" بن غفير الشرطة الإسرائيلية: تداعيات ضد غزة والضفة والقدس والداخل

11 يونيو 2024
بن غفير يصرخ في وجوه الضباط الإسرائيليين ويهينهم، 5 يونيو 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تحذيرات من داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية حول سيطرة إيتمار بن غفير على الشرطة، مع تأثيره على معالجة القضايا الإسرائيلية والفلسطينية، بما في ذلك التعامل مع الاحتجاجات واقتحام المستوطنين للمسجد الأقصى.
- استخدام العنف ضد المحتجين في تل أبيب واعتقالهم دون مبررات قانونية، ومنع رفع العلم الفلسطيني كجزء من توجهات بن غفير التي تؤثر على سياسات الشرطة.
- خوف وترهيب ضمن صفوف الشرطة الإسرائيلية من التعبير عن آراء مخالفة لبن غفير، مع تدخله المباشر في قضايا حساسة مثل اقتحام المسجد الأقصى، مما يعكس سعيه لتعزيز نفوذه.

يحذّر عدد من المسؤولين في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية من أن وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير تمكّن من "احتلال" الشرطة الإسرائيلية. وتوصل تحقيق أجرته صحيفة هآرتس العبرية، ونشرته اليوم الثلاثاء، إلى أن بن غفير تمكّن فعلياً من إخضاع ضباط الشرطة في عدة مناطق لتنفيذ توجهاته، وبعضهم يطمح من ذلك إلى الحصول على ترقية، فضلاً عن صراخه في وجوههم وإهانتهم.

وتؤثر التوجهات الجديدة لدى الشرطة الإسرائيلية في العديد من القضايا، منها إسرائيلية بحتة، ومنها ما يتعلق أيضاً بالداخل الفلسطيني والتعامل مع الاحتجاجات فيه، واقتحام المستوطنين للمسجد الأقصى، واعتداءاتهم في الضفة الغربية المحتلة، وإتاحة الشرطة الاعتداء على شاحنات المساعدات الإنسانية المتوجهة إلى قطاع غزة.

وأشارت الصحيفة بداية إلى ما يحدث في المظاهرات المعارضة للحكومة في تل أبيب، واستخدام العنف ضد المحتجين، واعتقال عدد منهم حتى دون وجود مبرر للاعتقالات، مشيرة إلى أن هذه الإجراءات من قبل الشرطة هي جزء من اتجاه يتنامى، بشأن تعامل شرطة لواء تل أبيب مع المتظاهرين، الذي تغيّر جداً في السنة الأخيرة، بإطاحة قائد اللواء السابق عامي إيشد وتغييره بضابط آخر هو بيرتس عومير، الذي "لديه طموح لبلوغ منصب المفوّض العام لشرطة إسرائيل". وعليه، تقول الصحيفة إن هذا "هو الوجه الذي يريد من خلاله إرضاء بن غفير".

بن غفير يهدد قيادة الشرطة الإسرائيلية

وأضافت الصحيفة أن ضباط الشرطة "باتوا عملياً ينفّذون رغبات بن غفير". ونقلت عن مصدر أمني كبير جداً، لم تسمّه، أن "الوزير يهدد قيادة الشرطة" وأنه "احتل جهاز الشرطة، وتداعيات هذا الأمر ستكون مدمّرة، ذلك أن الشرطة لن تنفذ توجيهات الحكومة، بل أهواء الوزير وما يريده".

 
ويبدو أن "هذه السيطرة أصبحت عرفاً في جميع الأجهزة الأمنية، من الشاباك إلى هيئة الأمن القومي، وصولاً إلى الشرطة نفسها"، برأي عدد من كبار الضباط. ويتحدث بن غفير إلى الضباط في الميدان ويدعمهم في استخدام القوة، كما يتحدّث مع عدد من كبار المسؤولين في جهاز الشرطة، متجاوزاً المفوّض العام للشرطة كوبي شبتاي. ومنذ تسلّم بن غفير منصبه، يزداد نفوذه وتأثيره في جهاز الشرطة، رغم توجيه تحذيرات للمستوى السياسي.

ويواصل بن غفير إصدار تعليمات مباشرة إلى قادة ميدانيين وقادة ألوية في الشرطة بشأن مظاهرات تل أبيب وقضايا أخرى، حتى بعد صدور قرار عن المحكمة العليا في مارس/ آذار الماضي يمنعه من ذلك.

وفي لواء الساحل، تواصل مع قائد اللواء داني ليفي مباشرة لتقليص الاحتجاجات أمام بيت رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو في قيسارية، وكذلك التظاهرات المطالبة بوقف الحرب، التي تُنظّم في مدينة حيفا وفي بلدات عربية في الداخل الفلسطيني. ويقوم عناصر الشرطة مرة تلو الأخرى باعتقال متظاهرين دون مبررات. ويمنع هذا اللواء أيضاً رفع العلم الفلسطيني على الرغم من عدم وجود قانون يمنع ذلك. وأشارت الصحيفة إلى أن الإجراء المتعلّق بمنع العلم الفلسطيني بدأ يتمدد إلى قيادات ألوية أخرى.

الخوف من بن غفير

ويخشى ضباط الشرطة التعبير عن آرائهم وأفكارهم، وباتوا يتبنّون مواقف الوزير بن غفير، كذلك فإن النقاشات داخل الغرف المغلقة يشوبها الصراخ، وضرب الوزير على الطاولة. ووصف أحد كبار المسؤولين، الذين تحدّثوا للصحيفة، الوزير بن غفير بأنه "طفل صغير (أي لا يتمتع بالوعي الكافي)، ولا يرى أبعد من النشرة الإخبارية المسائية، ويقترح أفكاراً مجنونة دون التفكير في عواقبها ولو للحظة".

وعند توجه مجموعة من الإسرائيليين إلى بن غفير، ذات يوم، مشتكين أمامه قيام الشرطة بتفتيشهم على نحو "مهين"، على حد وصفهم، قبل اقتحامهم المسجد الأقصى، الأمر الذي أغضب بن غفير وقرر التوجه مباشرة إلى قائد اللواء دورن تورجمان، بدلاً من المفوض العام للشرطة، قائلاً إن عناصر الشرطة "يهينون المصلين (المستوطنين اليهود)". وطالبه بإبلاغ المفوّض العام للشرطة ورئيس جهاز الأمن العام (الشباك) بذلك. وأدى غضب بن غفير إلى تغيّر في توجه عناصر الشرطة في التعامل مع مقتحمي المسجد الأقصى.

ووافقت أوساط في الشرطة على اقتحام اليهود المسجد الأقصى في رمضان. وقال مسؤول كبير لم تسمه الصحيفة: "فجأة غيّرت قيادات كبيرة في الشرطة موقفها ودعمت هذا التوجه". وفي أحيان أخرى، يعمل ضباط الشرطة بالتنسيق مع بن غفير على عدم إنفاذ القانون، مثل ما حدث في حالة اعتداءات المستوطنين على شاحنات المساعدات الإنسانية المتوجهة إلى قطاع غزة. 

وذكرت مصادر في لواء الجنوب في الشرطة للصحيفة أن قائده أمير كوهين، ماطل على نحو مقصود في التنسيق مع الجيش الإسرائيلي لتأمين الشاحنات. وفي خطوة استثنائية، أرسل مكتب رئيس هيئة أركان الجيش الاسرائيلي رسالة في فبراير/ شباط الماضي، إلى رؤساء الأجهزة الأمنية، جاء فيها أنه "بسبب سلوك الشرطة أمام نشطاء اليمين وتساهلها معهم، فإن عدداً كبيراً من الشاحنات دخلت غزة دون فحص إسرائيلي".

وطالب جيش الاحتلال الشرطة بعدم الاستخفاف بتعليمات المستوى السياسي بشأن التصرف مع متظاهري اليمين المتطرف، فيما ذكرت مصادر في المؤسسة الأمنية أن سلوك الشرطة هذا "جاء لإرضاء بن غفير". واستمر هذا الأمر لأشهر حتى أُحرقَت في الشهر الماضي شاحنتان على معبر ترقوميا، وعندها فقط لاحظت المؤسسة الأمنية أن الشرطة غيّرت تعاملها، وذلك في أعقاب تدخّل مكتب رئيس الحكومة أمام المفوض العام للشرطة ومطالبته للشرطة بتوفير ما يكفي من القوات لتأمين الشاحنات. كذلك كتب رئيس مجلس الأمن القومي تساحي هنغبي وثيقة مفصّلة في هذا الأمر وأرسلها إلى الشرطة.

ويبدو أن هذا التدخّل من قبل نتنياهو وهنغبي جاء في أعقاب الانتقادات الدولية الواسعة التي طاولت إسرائيل، وكذلك قضايا الإبادة الجماعية المرفوعة ضدها وضد قادتها في محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية في لاهاي. وتحدث التحقيق عن الإرهاب اليهودي في الضفة الغربية المحتلة، وأن "الشباك" حذّر (أكثر من مرة) من أن الضفة الغربية على شفا التصعيد، ولكن ممثلي الشرطة قللوا من أهمية الأمر. كذلك قال عدد من ضباطها إنه "يجب التشديد على الإرهاب الفلسطيني وليس اليهودي"، وفق زعمهم، بحيث عبّروا عملياً عن موقف الوزير بن غفير، وليس عن موقف الشرطة.