القصف الصاروخي على أربيل: هذه أبرز الهجمات الإيرانية داخل العراق خلال السنوات الأربع الأخيرة
لم يكن القصف الصاروخي الإيراني الذي تعرضت له مدينة أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق، شمالي البلاد، فجر أول من أمس الأحد، الأول من نوعه؛ إذ شهدت السنوات الأربع الماضية عمليات قصف صاروخي ومدفعي وأخرى جوية بواسطة طائرات مقاتلة ومسيرة بشكل متكرر استهدفت بلدات ومناطق مختلفة من شمال العراق، كان أخطرها هو القصف بالصواريخ الباليستية في بلدة كويسنجق بمحافظة كركوك، وعلى بعد نحو 250 كيلومترا من العاصمة العراقية بغداد، عام 2018، واستهدفت مقرا لحزب كردي معارض لطهران وتسبب القصف بمقتل وجرح العشرات من أعضائه بينهم قيادات بارزة.
القصف بالصواريخ الباليستية على مدينة أربيل، التي تمثل مركزا تجاريا وسياسيا مهما في الشمال العراقي عدا عن احتوائها على أكبر القواعد العسكرية للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، وعدد كبير من القنصليات والبعثات الغربية أبرزها الأميركية والبريطانية والفرنسية، كان في السابق يتركز على ذريعة الأحزاب الكردية المعارضة لإيران، إلا أن القصف الأخير كان يقوم على ذريعة وجود قواعد ومقرات تابعة للاحتلال الإسرائيلي، وهو ما ينفيه أكثر من مسؤول في أربيل في حديث لـ"العربي الجديد"، معللين قصف أربيل بأنه أسلم لإيران من قصف الجولان، في إشارة إلى أن طهران وجدت في أربيل ردا مناسبا لها على قتل اثنين من ضباطها في سورية.
وباستثناء القصف المتكرر على الشريط الحدودي العراقي الإيراني في بلدات تابعة لمدينتي سيد صادق وقلعة دزه، فإن أعنف موجات القصف الصاروخي الذي تعرض له العراق من إيران كانت فجر التاسع من سبتمبر/ أيلول عام 2018، حين أعلن الحرس الثوري الإيراني توجيه ضربات صاروخية استهدفت مقرا للحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني المعارض لطهران والذي يتواجد قسم من أفراده في العراق بمدينة كويسنجق قرب كركوك، وأدى ذلك إلى مقتل نحو 15 شخصا، بينهم نساء، وجرح ما لا يقل عن 30 آخرين مع دمار واسع بمبنى سكني.
وبث الحرس الثوري لقطات مصورة لعملية إطلاق 7 صواريخ باليستية إلى داخل العمق العراقي متوعدا في بيان له بتنفيذ المزيد من الضربات.
الخارجية العراقية التي أصدرت بيانا وصف بأنه "خجول"، ولا يتناسب مع حجم الحدث وخطورته، ردّت بأنها "ترفض رفضا قاطعا خرق السيادة العراقية، من دون تنسيق مسبق مع الجهات العراقية تجنيبا للمدنيين من آثار تلك العمليات".
وكان هجوم كويسنجق هذا هو الأول من نوعه منذ عام 1987 قبيل انتهاء الحرب العراقية الإيرانية بنحو عام واحد.
وأعقب الهجوم بنحو شهر واحد، في 18 أكتوبر/ تشرين الأول من العام ذاته 2018، قصف مدفعي مكثف استهدف ست قرى عراقية في قنديل وجومان وأسفر عن مقتل ثلاثة عراقيين وتدمير منازل وإحداث حرائق واسعة، وقال مسؤولون محليون في الإقليم إن القصف استمر لنحو 45 دقيقة، بينما علق الحرس الثوري على القصف بأنه "استهدف مواقع لإرهابيين"؛ في إشارة إلى أحزاب كردية إيرانية معارضة لطهران.
وفي العاشر من يناير/ كانون الثاني عام 2019، نفذت القوات الإيرانية سلسلة من عمليات القصف على مناطق ريفية بمدينة جومان وسيد صادق وبالكايتي التابعة للسليمانية وأربيل، وأسفرت عن مقتل 6 أشخاص من أهالي تلك المناطق والتسبب بموجة نزوح عن القرى التي طاولها القصف.
في 7 مارس/ آذار من العام ذاته، أعلن مسؤولون محليون في محافظة السليمانية توغل قوات إيرانية داخل الأراضي العراقية وسيطرتهم على قمة جبل سورين الحدودي شمال محافظة السليمانية، بارتفاع يبلغ أكثر من ألفي متر، ويشرف على مدينتي السليمانية وحلبجة بشكل مباشر ويتبع بلدة سيد صادق 15 كيلو مترا شمال السليمانية.
وكان التوغل تحت ذريعة ملاحقة مسلحين من أحزاب كردية معارضة لطهران يقول الحرس الثوري الإيراني إنها تنفذ هجمات داخل المدن الإيرانية المجاورة للعراق.
في الثامن من يناير/ كانون الثاني عام 2020، أعلنت بغداد تعرض مدينة أربيل لهجوم صاروخي بواسطة صواريخ باليستية طويلة المدى أصابت قاعدة "حرير"، بالتزامن مع قصف مماثل على قاعدة عين الأسد في الأنبار، وأعلنت طهران في اليوم ذاته تنفيذ هجوم بالصواريخ الباليستية على قاعدتي "حرير"، و"عين الأسد"، ردا على اغتيال الولايات المتحدة الأميركية زعيم "فيلق القدس"، قاسم سليماني، قرب مطار بغداد الدولي مطلع يناير 2020.
وفي 28 يونيو/ حزيران عام 2020، أعلن المتحدث باسم وزارة البيشمركة في إقليم كردستان، بابكر فقي، توغل الحرس الثوري الإيراني بنحو 10 كيلومترات داخل الأراضي العراقية وتنفيذ عمليات قصف مدفعي وأخرى بواسطة طائرات مسيرة، مؤكدا أن القوات الإيرانية أنشأت نقاطا عسكرية داخل العراق وتم إبلاغ الحكومة العراقية في بغداد بهذا الانتهاك، لكن أي رد فعل واضح من السلطات العراقية لم يتخذ حيال هذا الإعلان.
في الثلاثين من أكتوبر/ تشرين الأول 2020، نفذت القوات الإيرانية قصفا مكثفا بواسطة الطائرات والمدفعية على قرى عراقية تابعة لبلدة سيدكان الحدودية مع إيران (شمال شرق أربيل عاصمة إقليم كردستان)، وفقا لإعلان رسمي صدر عن رئيس البلدة إحسان الجلبي، الذي أكد أن القصف شاركت به مدفعية ثقيلة تجاه عدة قرى إضافة إلى قصف بالطائرات، أسفر عن قتلى وجرحى بين المدنيين، وهم ضحيتان و9 جرحى، إضافة إلى خسائر مالية كبيرة بممتلكات المواطنين جراء القصف.
ووصف القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني، الحاكم بالإقليم، ماجد شنكالي، حينها، صمت الحكومة في بغداد بأنه "مستغرب"، تجاه القصف الإيراني.
ومطلع سبتمبر/ أيلول العام الماضي وجّه قائد القوات البرية بالحرس الثوري الإيراني، العميد محمد باكبور، اتهامات لإقليم كردستان بأنه يؤوي "الجماعات الإرهابية والمعادية للثورة الإسلامية والتابعة للاستكبار العالمي وأجهزة المخابرات الأجنبية"، متوعدا بما سماه "ردا مؤلما"، داخل مناطق شمال العراق.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني عام 2021، نفذت القوات الإيرانية عمليات قصف على 5 مناطق حدودية عراقية، وهي تلان وبربزين وبنرشكينيان، إضافة إلى سيدكان وضواحي سوران.
وتبرر إيران عملياتها المتكررة في الشمال العراقي ضمن إقليم كردستان بملاحقة عناصر أحزاب كردية إيرانية معارضة تتخذ من الإقليم مقرا لها.
وتنتشر عدة جماعات كردية إيرانية معارضة أغلبها ذات طابع قومي كردي وعلماني، تشترك جميعا في كونها لا تؤمن بـ"حدود سايكس بيكو"، وأبرزها الحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني "حدكا"، الذي تأسس عام 1945 في إيران ويتبنى رفض كل مخرجات (سايكس ـ بيكو)، والمطالبة بـ"توحيد الأمة الكردية"، والحزب الديموقراطي الكردستاني "حدك"، الذي انشق قبل سنوات عن الحزب الأم (حدكا)، إضافة إلى حزب "كومله" الكردي اليساري المعارض لطهران منذ عام 1967، ومنظمة "خبات" القومية الكردية وتعني باللغة العربية "الكفاح المسلح"، التي ترفع شعار الحكم الذاتي لأكراد إيران، إضافة إلى كوادر وقيادات الحزب الشيوعي الكردي الإيراني الذي يستند في دعوته إلى "إيران فيدرالية علمانية تعددية ديمقراطية"، وبطبيعة الحال ضد نظام ولاية الفقيه، وله حضور مهم في مناطق غرب إيران ضمن محافظة كردستان إيران الحدودية مع العراق، بينما يبرز حزب "الحياة الحرة" (بيجاك) كقوةً عسكرية فاعلة منذ عام 2004، وينشط في مناطق حدودية عراقية عدة مجاورة لإيران وتركيا ضمن مثلث سلسلة جبال قنديل، ويعرف بقربه الفكري من حزب العمال الكردستاني المعارض لأنقرة وتبنى طروحات عبد الله أوجلان.
وتنشط بالمجمل تلك الأحزاب في مناطق سفوح جبال وقرى جومان، وسيدكان، وسوران، وسيد صادق، وخليفان، وبالكايتي وقنديل وكويسنجق وحلبجة ورانيا العراقية ضمن إقليم كردستان، شمال أربيل وشرق السليمانية.
ويعتبر كرد العراق أفراد تلك الأحزاب أقرب إليهم على خلاف النظرة السلبية التي يواجهها حزب العمال الكردستاني المعارض لأنقرة والموجود أيضا بمناطق أخرى من إقليم كردستان بسبب تورطه بعمليات خطف وترهيب وأخذ إتاوات من الأهالي، إضافة إلى تسببه بتشريد المئات من سكان القرى العراقية بالسنوات الأخيرة.
وجاء الهجوم الأخير فجر أمس الأول الأحد، على عدد من المواقع في مدينة أربيل بواسطة صواريخ باليستية إيرانية تطورا جديدا وخطيرا، بحسب وصف الخبير بالشأن الأمني العراقي أحمد الحمداني، الذي اعتبر أنه أوجد حجة أو ذريعة إيرانية جديدة وهي الوجود الإسرائيلي، بعد أن كانت الهجمات السابقة تتركز على مسألة وجود أحزاب كردية إيرانية معارضة داخل إقليم كردستان.