أعطى فوز الحزب الديمقراطي، الأربعاء، بانتخابات مقعدي مجلس الشيوخ في ولاية جورجيا، الرئيس المنتخب جو بايدن شحنة زخم من شأنها أن توفر انطلاقة أكثر ارتياحًا لرئاسته. أهمية نتائج هذه الجولة، التي جرى التعامل معها كمعركة رئاسة مصغرة، أنها غيرت المعادلة في واشنطن لصالح رئاسة كانت محكومة بأن تكون منذ بداياتها "بطة عرجاء" لو ذهبت جورجيا في الاتجاه المعاكس. وبالرغم من أن التغيير هش، بل هزيل بحجمه، إلا أنه أدى على الأقل إلى ترجيح كفة الديمقراطيين، ما يجعل الطريق مفتوحة عموماً بين الكونغرس والبيت الأبيض الجديد.
حتى اللحظة تشير الأرقام إلى فوز أحد المرشحين الديمقراطيين، السناتور رافايل وارنوك، وتمنح الثاني، جون أوسوف، التقدّم على خصمه الجمهوري. لكن المتبقي منها محسوبة مناطقه وبقوة على الخندق الديمقراطي. ومن هنا التوقعات بفوزه وبشبه يقين. بذلك تصبح المعادلة مناصفة: 50 سناتور ديمقراطيا و50 جمهوريا، وتكون الأرجحية للأول بحكم أن رئيسة المجلس دستورياً هي نائبة الرئيس كامالا هاريس، التي توفر لحزبه أكثرية صوت واحد. فارق لا تأثير له في كافة التشريعات والقرارات المهمة التي تتطلب غالبية 60 صوتاً. لكن أهميته أنه يضع مفتاح جدول الأعمال في مجلس الشيوخ بيد الديمقراطيين. وهو دور أتاح للجمهوريين التحكم بطرح التشريعات والقرارات وتحديد أولوياتها، وبالتالي طرح مشاريعهم لتمريرها وإهمال أو عرقلة مشاريع الديمقراطي، طوال رئاستي باراك أوباما ودونالد ترامب. هذه الأفضلية التي توفرها وضعية الأكثرية، توسع مساحة الحركة أمام الرئيس، ولو أنه يبقى مكبلا، وإلى حد بعيد، بأغلبية الصوت الواحد الذي قد يفلت منه في حالات وسياسات كثيرة. كما أنه يبقى بحاجة إلى دعم بعض الجمهوريين المعتدلين في مجلس الشيوخ لتمرير مشاريع داخلية وسياسات خارجية، مثل المعاهدات الدولية وإعلان الحرب وغيرها.
فارق لا تأثير له في كافة التشريعات والقرارات الهامة التي تتطلب غالبية 60 صوتاً
مع ضآلته بالحجم والوزن، ينطوي هذا التطور على أكثر من مدلول؛ فهو في جوهره تعبير عن نفور في أوساط الجمهوريين المعتدلين وأيضا المنحازين، وردٌّ من جانبهم على تذبذب و"تبعية" قيادات الحزب في الكونغرس للرئيس ترامب وشبه غياب هذه القيادات عن الساحة خلال جائحة كورونا التي فاقم الاستخفاف بها من وضع الرئيس وصعوباته الانتخابية.
هذا المناخ وفّر أرضية الرفض التي وظفها الحزب الديمقراطي لإحداث اختراق في عرين المحافظين ومواقعهم الصلبة في الولايات الجنوبية المحسوبة تاريخياً، ومنذ سبعينيات القرن الماضي، في خانة الكتلة المضمونة للمحافظين. ومن هنا حالة القلق والتخوف من عواقب الانجرار بلا حدود وراء الرئيس وحساباته، والتي حذرت منها قيادات ومرجعيات في صفوف الجمهوريين، مثل السناتور مِيت رومني والسناتور بان ساس، وغيرهما من وزراء جمهوريين ودبلوماسيين جمهوريين سابقين. ومنهم من توقع ما سمّاه "مجزرة" انتخابية في ظل الأجواء التي رافقت الانتخابات، بل إن من المراقبين من ذهب في توقعاته حد التنبؤ بحصول "انقلابات" داخل الحزب الجمهوري، وفي أقله إطاحة العديد من قياداته التي "آثرت الانصياع والسكوت على المواجهة مع البيت الأبيض، أو على الأقل محاولة كبح جماحه".
ينطوي هذا التطور على أكثر من مدلول؛ فهو في جوهره تعبير عن نفور في أوساط الجمهوريين المعتدلين وأيضا المنحازين
انتخابات جورجيا كانت محاكمة لهذا السلوك أكثر من كونها انحيازاً للديمقراطيين. ومأزق الجمهوريين الآن أن قواعدهم بمعظمها في قبضة ترامب، الذي يردد أنه ينوي مواصلة مسيرته السياسية. وفي هذا الوضع، تصبح لملمة الجسم الجمهوري صعبة، وخاصة أنه سيخرج في وقت متأخر اليوم أكثر تشظيا بعد اعتزام فريق من السناتور الجمهوريين (13 على الأقل) الاعتراض على تصديق المجمع الانتخابي خلال جلسة متوقع أن تكون صاخبة وطويلة وحافلة بالمناورات ومحاولات إطاحة الانتخابات. لكن كافة القراءات القانونية والتقديرات السياسية ترجح العكس في ضوء "غياب قضية"، كما بحكم التضامن الديمقراطي – الجمهوري في الكونغرس الداعم في معظمه لنتيجة تصويت المجمع الانتخابي.
الأنظار انتقلت الآن من جورجيا إلى واشنطن: عين على الكونغرس وعين على التظاهرة الضخمة لأنصار الرئيس الذي خطب فيها قبل قليل، مع تخوف من وقوع حوادث عنف أو مفاجآت غير محسوبة.