هدوء حذر بعد ليلة احتجاجات واشتباكات ساخنة في الفنيدق المغربية

06 فبراير 2021
دعوة لفتح باب الحوار مع المتظاهرين والاستماع إلى مطالبهم (فرانس برس)
+ الخط -

عاد الهدوء اليوم السبت إلى مدينة الفنيدق، شمالي المغرب، بعد الأحداث التي عاشتها ليلة أمس، نتيجة الاحتجاجات التي اندلعت على خلفية تردي الأوضاع الاقتصادية بسبب إغلاق معبر مدينة سبتة الواقعة تحت السيادة الإسبانية، وتداعيات أزمة كورونا.

وأعاد خروج مئات من سكان مدينة الفنيدق إلى الأذهان الأحداث التي عرفها المغرب في السنوات الأخيرة بسبب مطالب اجتماعية، كما كان الحال في منطقة الريف (شمال شرقي المغرب) وجرادة (شرقي المغرب)، فيما تعالت أصوات فعاليات حقوقية وسياسية محذرة من تبني المقاربة الأمنية في مواجهة الاحتجاجات، ومنبهة إلى خطورة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

وكادت الاحتجاجات، التي رفعت مطلب إيجاد بديل اقتصادي لسكان المدينة بعد اشتداد الأزمة الاقتصادية جراء إغلاق المعبر الحدودي، أن تتطور إلى الأسوأ بعد أن عمد عدد من المحتجين إلى رشق عناصر الأمن، الذين كانوا يحاولون فض الاحتجاجات، ما أدى إلى إصابة 6 عناصر تم نقلهم إلى المستشفى لتلقي الإسعافات الضرورية. كما أسفرت عملية فض الاحتجاج عن إصابة 10 محتجين بحالات إغماء جراء التدافع بينهم، علاوة على صدامات بين عناصر القوات العمومية ورجال الإعلام والصحافة.

وقالت سلطات محافظة المضيق الفنيدق إن عدداً من الأشخاص قاموا، الجمعة، بتنظيم وقفة احتجاجية غير مرخصة وفي خرق لمقتضيات حالة الطوارئ الصحية، في شارع محمد الخامس بمدينة الفنيدق، مع تعمدهم قطع الطريق العام، ما اضطرت معه السلطات العمومية إلى التدخل في امتثال تام للضوابط والأحكام القانونية لفض هذا التجمهر. 

إلى ذلك، قالت مصادر محلية، لـ"العربي الجديد "، إن هدوءاً مشوب بالحذر يسود المدينة صباح اليوم في انتظار ما ستؤول إليه الأمور في الساعات القادمة، وما ستقدم عليه السلطات من خطوات لإطلاق سراح المحتجين  الذين اعتقلوا أمس، والاستجابة لمطالب المواطنين الذين خرجوا أمس للتنديد  بسياسة الآذان الصماء التي ينهجها المسؤولون تجاه مطالب الساكنة". 

وأضافت المصادر : "حاول المحتجون إبلاغ المسؤولين أن الوضع متفاقم، خصوصاً أن التشغيل الذي كان يصحب عمليات التهريب لم يبق كما كان عليه، والوضع يمكن اختزاله في أن المنطقة مصابة بالشلل. لذا نطالب بإنشاء معامل ومصانع من أجل تشغيل الشباب والنساء الذين كانوا يعيشون من التجارة الحدودية في وقت سابق".

ومنذ قرار السلطات المغربية، في ديسمبر/كانون الأول 2019، الإغلاق النهائي لمعبر باب سبتة (المدينة الخاضعة للإدارة الإسبانية) أمام تجار السلع المهربة، تضررت مدينة الفنيدق بشكل كبير، وطاولت الأزمة الاقتصادية والاجتماعية جل الفئات المجتمعية فيها، ما دفع شخصيات عمومية في المنطقة إلى توقيع نداء وجهته إلى الحكومة المغربية، من أجل إنقاذ المدينة من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي خلفها إغلاق معبر مدينة سبتة المحتلة والتداعيات الناتجة عن جائحة فيروس كورونا.

ويمتهن مئات المغاربة تهريب السلع من مدينتي "سبتة" و"مليلية" الخاضعتين للإدارة الإسبانية إلى باقي المدن داخل المغرب؛ حيث يعملون على حمل أكياس ضخمة مُحملة بالبضائع الإسبانية فوق ظهورهم لإدخالها إلى الأراضي المغربية وبيعها.

في غضون ذلك، اعتبر الناشط الحقوقي عزيز أدمين أن احتجاج سكان الفنيدق "ليس معطى نزل من السماء، بل هو نتيجة طبيعية لسياسة صم الآذان من قبل الحكومة والسلطات العمومية، التي لم تضع سياسات بديلة وتوفر مصادر رزق جديدة بعد إغلاق المعبر"، مشيراً إلى أن المحتجين، قبل خروجهم، كانوا قد ناشدوا، عبر المواقع التواصلية وعبر البيانات والمراسلات، كل الجهات المختصة في مختلف مستوياتها إنقاذهم من الوضع الكارثي الذي أصبحوا يعيشون فيه.

وقال الحقوقي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن سكان المدينة قدموا، من خلال نداءات، مطالب وحلولاً منذ ديسمبر/ كانون الأول الماضي، منها ما هو آني كبرنامج استعجالي مع مجلس جهة طنجة تطوان والتسريع بإنجاز المنطقة الاقتصادية بالمدينة، ومنها ما هو على المدى المتوسط كربط مدينة الفنيدق بمشروع الميناء المتوسطي وغيرها من المطالب المشروعة والعقلانية.

وأوضح أنه "لا يمكن بعد أشهر من خنق الشريان الاقتصادي للمدينة الادعاء بكون التظاهرات غير المرخص لها أو بالعمالة وخدمة مصالح أجنبية، واختراقات من مصالح أسبانيا للتأثير على مفاوضات المغرب"، معتبراً أن سيناريو الحسيمة وجرادة يتكرر مرة أخرى، والمسؤولية كل المسؤولية تقع على عاتق الحكومة وليس على عاتق الساكنة التي تعاني الفقر والهشاشة.

وفي السياق، وصف مرصد الشمال لحقوق الإنسان أحداث الفنيدق بـ"المؤسفة"، مؤكداً أن خروج العشرات من شباب المدينة في مظاهرات احتجاجية كان للتنديد بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، بعدما سئموا من تردي الأوضاع، وفقدوا الأمل في أي تغيير لواقع يخرجهم من حالة الإحباط واليأس إلى بر الأمان والطمأنينة. 

وتساءل المرصد الحقوقي، في بيان وصلت إلى "العربي الجديد" نسخة منه، عن أسباب التوقف الغامض وغير المعلن لمنطقتي الأنشطة الاقتصادية الحرة بالفنيدق ومرتيل، مشيراً إلى أن مؤشرات الاحتقان المتصاعد كانت واضحة، خصوصاً بين الشباب، لكن السلطات المركزية والمحلية وضعت أصابعها في آذانها، وزكتها نخب سياسية هشة وعاجزة وسلطات بيروقراطية وانتشار الريع والفساد.

واعتبر المرصد أن استمرار اعتماد المقاربة نفسها القائمة على الحل الأمني، لن يجدي نفعاً أمام أصوات عشرات الآلاف من الشباب ممن فقدوا الأمل في التغيير، خصوصاً أنها تزامنت مع الذكرى الـ10 لثورات ما يسمى بـ"الربيع العربي" التي انطلقت كرد فعل على الفساد وغياب الديمقراطية وهضم الحقوق والحريات.

وفيما أعلنت السلطات عن فتح بحث بخصوص الأحداث التي عاشتها المدينة ليلة الجمعة تحت إشراف النيابة العامة المختصة، دعا المرصد إلى إطلاق سراح جميع المعتقلين ووقف المتابعات وفتح باب الحوار مع المتظاهرين والاستماع إلى مطالبهم، منبهاً إلى خطورة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في ظل عجز وضبابية وغموض في طريقة تدبير السلطات هذا الملف الشائك.

وتزامنت الاحتجاجات، التي عرفتها الفنيدق أمس الجمعة، مع إعلان السلطات المحلية عن اتخاذ أولى الخطوات لمحاولة معالجة حالة الاحتقان التي تعرفها المنطقة، نتيجة تدهور الأوضاع الاقتصادية لآلاف الأسر التي كانت تعيش من "التهريب"، إذ  تم الإعلان رسميا عن إطلاق برنامج يتعلق بـ"بلورة وتفعيل آليات الدعم والمواكبة من أجل تحسين قابلية التشغيل وتحفيز ريادة الأعمال للفئات الهشة، خاصة النساء والشباب".

المساهمون