هدم مسرح ماريوبول.. هل يقطع محو آثار الفاجعة الطريق إلى العدالة؟

هدم مسرح ماريوبول.. هل يقطع محو آثار الفاجعة الطريق إلى العدالة؟

25 ديسمبر 2022
أسفر تفجيره عن مقتل نحو 300 مدني (Getty)
+ الخط -

مسرح ماريوبول للدراما مسرح محلي صغير في قلب مدينة ماريوبول المطلة على بحر آزوف في مقاطعة دونيتسك الأوكرانية، ولكنه لفت أنظار العالم مرتين هذا العام؛ كانت أولاهما في منتصف مارس/ آذار الماضي، حين أسفر تفجيره عن مقتل نحو 300 مدني، واتهمت منظمتا الأمن والتعاون في أوروبا والعفو الدولية روسيا بارتكاب جريمة حرب بقصف مبناه حينها، بينما زعمت موسكو أن التفجير نفذ من الداخل بواسطة كتيبة "آزوف" الأوكرانية القومية المتشددة.

وبعد مرور أقل من عام، يعود مسرح ماريوبول إلى الواجهة للمرة الثانية بعد شروع روسيا في إزالة مبناه، في خطوة رأتها السلطات الأوكرانية "محاولة لمحو دليل مجسّد على أكبر عملية قتل عمد دفعة واحدة بحق الأوكرانيين على أيدي الروس"، على حد تعبير مستشار عمدة المدينة الموالي للسلطة المركزية الأوكرانية بيترو أندريوشينكو. 

وفي تلك الأثناء، أجمع خبيران استطلع "العربي الجديد" آراءهما على تعذر إجراء تحقيق مستقل في جريمة مسرح ماريوبول في الظروف الراهنة، مجمعين على أن هدم المبنى يهدف إلى محو آثار الفاجعة. 

يعتبر الصحافي والباحث بشؤون دونباس قسطنطين سكوركين أن روسيا تهدم مبنى مسرح ماريوبول باعتباره رمزاً للجريمة التي ارتكبت به، مشككاً في الرواية الروسية الزاعمة أن موسكو "تحرّر" سكان شرق أوكرانيا. 

ويقول سكوركين لـ"العربي الجديد": "أعتقد أن السلطات الروسية تهدم مبنى مسرح ماريوبول بصفته رمزاً لجرائمها. تتعارض قصة تدمير هذا المبنى ومقتل المدنيين بداخله بشكل كامل مع الصورة الدعائية التي يروج لها الكرملين، ومفادها أن الجيش الروسي (يحرر) دونباس رغم أنه لم يستنجد بها أحد". 

ويلفت إلى أن ماريوبول ما قبل الحرب كانت مدينة متطورة نابضة بالحياة احتفلت بحفاوة بحلول أعياد رأس سنة 2022، قائلاً إلى أن "موسكو تنافق بإعادة بناء ما دمرته بنفسها".   

من جهته، يرى الإعلامي الأوكراني فيتالي بورتنيكوف أن عملية هدم مسرح ماريوبول تهدف إلى محو آثار الجريمة التي راح ضحيتها مئات الأوكرانيين، جازماً في الوقت نفسه بأنه لن يتسنى إجراء تحقيق مستقل ما دامت روسيا تسيطر على المدينة.   

ويقول بورتنيكوف، لـ"العربي الجديد": "أصبح مسرح ماريوبول مقبرة جماعية لأوكرانيين قضوا في ضربة صاروخية روسية، وهو رمز آخر للجرائم الروسية المرتكبة على الأرض الأوكرانية، وتهدف عملية هدمه إلى محو آثار الجريمة".  

ويستبعد احتمال إجراء تحقيق مستقل في الواقعة في الظروف الحالية، مضيفاً: "لن يتسنى إجراء تحقيق مستقل إلا بعد تحرير ماريوبول، لأن الروس لن يسمحوا بإجرائه أبداً".  

وقبل تحول ماريوبول إلى ساحة لأشرس المعارك الروسية الأوكرانية في الربيع الماضي، ظل مسرح ماريوبول واحداً من أهم المعالم والمراكز الثقافية للمدينة. ورغم أن ماريوبول شهدت أول العروض لفرق مسرحية في منتصف القرن الـ19، إلا أن بناء المبنى الحالي للمسرح يعود إلى عام 1960، لتتسع قاعته الرئيسية لنحو 700 مشاهد. وأطلق على الساحة الكائن فيها المسرح اسم "تياترالنايا" (أي الساحة المسرحية)، ليصبح رمزاً للحياة الثقافية للمدينة. 

وبعد اندلاع النزاع المسلح في دونباس في ربيع عام 2014، شهدت ماريوبول في مايو/ أيار من ذلك العام مواجهات عنيفة بين معارضي السلطة الأوكرانية الجديدة الموالية للغرب والقوات الأوكرانية، بما فيها الكتائب القومية، أسفرت عن سقوط عشرات القتلى. 

وحتى يونيو/ حزيران 2014، ظلت ماريوبول خاضعة لسيطرة قوات "جمهورية دونيتسك الشعبية" المعلنة من طرف واحد، إلى أن تمكنت القوات الأوكرانية من إعادة السيطرة عليها، ثم خسرتها مرة أخرى في إبريل/ نيسان الماضي بعد بدء الحرب الروسية المباشرة على أوكرانيا.