هدم المنازل في القدس.. سياسة الاحتلال الانتقامية المتصاعدة بعد 7 أكتوبر

05 يناير 2024
الاحتلال يصعد من هدم المنازل في القدس مستغلاً انشغال العالم بحربه على غزة (الأناضول)
+ الخط -

صعّد الاحتلال الإسرائيلي، عقب عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول المنصرم، سياسات هدم منازل الفلسطينيين في القدس المحتلة، فيما يؤكد باحثون ومختصون في شؤون القدس أن تلك السياسات غير مسبوقة، وباتت تحصل كعقوبات انتقامية ولدوافع سياسية بحتة، حيث كثفت سلطات الاحتلال، عبر بلديتها في القدس المحتلة، من إقرار بناء مئات الوحدات الاستيطانية في جنوب القدس وشمالها، مستغلة انشغال العالم بحربها العدوانية على قطاع غزة.

268 عملية هدم في أحياء القدس المحتلة خلال 2023

ووفق مركز معلومات وادي حلوة، الذي يرصد بصورة دورية عمليات الهدم في القدس، فإنه وثق ما مجموعه 268 عملية هدم في أحياء القدس المحتلة المختلفة خلال العام المنصرم 2023، منها 69 عملية هدم خلال فترة الحرب التي بدأت في 7 أكتوبر الماضي.

وقال أحد الباحثين الميدانيين، الذي تحفظ على ذكر اسمه، ويعمل في الائتلاف الأهلي للدفاع عن حقوق الفلسطينيين في القدس المحتلة، في حديث لـ"العربي الجديد" اليوم الجمعة، إنّ "الائتلاف وثق خلال ذات الفترة ما مجموعه 46 عملية هدم"، مشيراً إلى أنّ هذا العدد من المنازل التي هدمت يعد كبيراً مقارنة مع ذات الفترة من الأعوام الماضية التي سجلت عدداً أقل من المنازل المهدمة.

ويشير التوثيق الذي قامت به وحدة الرصد والإعلام في محافظة القدس إلى "وجود عدد أكبر من المنازل التي تم هدمها الاحتلال خلال العام المنصرم، حيث تم تنفيذ 316 عملية هدم في حدود المحافظة، والتي تشمل بلدات وقرى خارج الحدود البلدية المصطنعة للقدس خلال عام 2023، من بينها 79 منزلاً ومنشأة هدمت بأيدي أصحابها قسراً، تجنباً للغرامات الباهظة التي تُفرض على المقدسيين إذا أقدمت جرافات البلدية على تنفيذ عملية الهدم".

جبل المكبر في القدس نموذجاً

يشير الائتلاف الأهلي للدفاع عن حقوق الفلسطينيين في القدس إلى أن عمليات الهدم هذه تميزت بالعنف المبالغ فيه خلال تنفيذها، كما حدث في عملية الهدم الأخيرة في بلدة جبل المكبر، جنوبي القدس المحتلة، حيث اعتُدي على أصحاب المنزل واعتُقل أحد عشر شاباً بعد الاعتداء عليهم والتنكيل بهم من قبل قوات الاحتلال.

واتهمت عائلة الفلسطيني إياد شقيرات، التي هدمت بلدية الاحتلال شققاً ومحلاً تجارياً لها، بلدية الاحتلال في القدس بتعمّد عرقلة الإجراءات بما في ذلك وقف إجراءات استكمال الحصول على الرخص، خاصة خلال الحرب المستمرة على قطاع غزة، بالرغم من أن العائلة قطعت شوطاً كبيراً بإجراءات الحصول على التراخيص.

وتعتبر بلدة جبل المكبر الواقعة إلى الجنوب من مدينة القدس نموذجاً فريداً من حيث ما تتذرع به سلطات الاحتلال في سياستها لمكافحة البناء الفلسطيني في البلدة.

ووفق ما يقوله المهندس محمد بشير من أهالي بلدة جبل المكبر، في حديث لـ"العربي الجديد"، فإنّ أسباب الهدم التي تتذرع بها بلدية الاحتلال في القدس متعددة؛ منها ما هو متعلق بالشارع الاستيطاني المعروف بـ"الشارع الأميركي"، أو بسبب مصادرة الأراضي لإقامة مشاريع استيطانية، أو لخضوع المنازل لقانون "كامينتس" الذي دخل حيز التنفيذ في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2017.

ويمنح قانون "كامينتس" الصلاحية الكاملة لمفتشي البناء التابعين لبلدية الاحتلال في القدس بتحرير مخالفات إدارية بمئات آلاف الشواكل (عملة إسرائيلية)، من دون الحاجة للتوجه إلى المحكمة التي سُحبت منها أيضاً الصلاحية في تأجيل تنفيذ أوامر الهدم، واستناداً إلى هذا القانون، ينعدم أي مسار قانوني يمكن أصحاب المنازل من استصدار قرارات بتأجيل أو منع الهدم للمنازل التي بنيت منذ عام 2017 فصاعدًا.

ويشير المحامي رائد  بشير الذي يتابع ملف عمليات الهدم في جبل المكبر، في حديثه مع "العربي الجديد"، إلى أن "نسبة الأراضي المسموح البناء عليها من أراضي البلدة لا تتعدى 13% من إجمالي مساحتها البالغة أربعة آلاف دونم،  فيما يهدد الهدم 65 بناية لصالح إقامة "الشارع الأميركي" وحده، إضافة إلى 79 بناية أخرى تلقى أصحابها إخطارات بهدم منازلهم استناداً إلى قانون "كامينتس".

التوزيع الجغرافي للمنازل المهدومة في القدس

من حيث توزيعها الجغرافي، فقد تركزت عمليات الهدم في القدس المحتلة في بلدات: سلوان، وجبل المكبر، والعيسوية، وبيت حنينا، وفقاً لمركز معلومات وادي حلوة المختص بالشأن المقدسي، وهي الأحياء الأكثر ازدحاماً في المدينة، والتي ينظر إليها الاحتلال على أنها نقاط مواجهة رئيسية معه، ما يكسب عمليات الهدم هذه سمة سياسية وانتقامية من قبل الاحتلال ضد أهالي تلك البلدات.

بل إن عمليات الهدم هذه  تنطوي على بُعدي العقاب من جهة، والتهجير من جهة أخرى، كما يقول الباحث في حقوق الإنسان موسى سليمان، في حديث لـ"العربي الجديد"، مشيراً إلى أنه "خلال عام 2023، هدمت قوات الاحتلال ما لا يقل عن عشرة منازل تعود لأهالي شهداء وأسرى من منفذي العمليات الفدائية، من بينها 4 هُدمت خلال معركة طوفان الأقصى كإجراءات عقابية وانتقامية".

وبالتزامن مع التصعيد بهدم منازل المقدسيين ومنشآتهم، أقرت سلطات الاحتلال بناء مستوطنة القناة السفلية على أراضي بلدة صور باهر، لتربط ما بين مستوطنة "هارحوما" المقامة على أراضي المواطنين الفلسطينيين في منطقة أبو غنيم، والمستوطنات المقامة جنوبي المدينة، ما يعني عزل شمال القدس عن جنوبها، وتُعَدّ هذه أول مستوطنة تقرها سلطات الاحتلال منذ عام 2012، إذ درجت في السنوات الماضية على توسيع المستوطنات القائمة.

مسابقة الزمن لتكثيف الاستيطان

يرى خليل تفكجي، المختص في شؤون القدس، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أنّ الاحتلال يسابق الزمن في تكثيف البناء الاستيطاني في القدس المحتلة وتصعيد عمليات الهدم للمقدسيين، مستغلاً الحرب على قطاع غزة.

ويشير تفكجي إلى أن خطط الاحتلال التوسعية هذه تتركز جنوبي القدس وفي محيط البلدة القديمة منها، خاصة في سلوان التي تلقى العشرات من أصحاب المنازل فيها، الشهر الماضي، إخطارات جديدة بالهدم بهدف السيطرة على أراضيهم، التي تدعي سلطات الاحتلال أنها مخصصة للمصلحة العامة.

المساهمون