هجوم شاطئ ليدو يعزز المخاوف من انتهاء الهدوء الأمني في مقديشو

05 اغسطس 2024
عقب هجوم ليدو بمقديشو، 3 أغسطس 2024 (أبوكار محمد محيي الدين/الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **عودة دوامة العنف في مقديشو:** شهدت العاصمة الصومالية تفجيراً دامياً في شاطئ ليدو، ما أسفر عن مقتل 37 شخصاً وإصابة 212 آخرين، وهو الثاني خلال 18 يوماً، مما يعكس اختراقاً أمنياً كبيراً.

- **تحديات أمنية جديدة:** استخدمت حركة الشباب أسلوباً جديداً في هجماتها باستخدام انتحاريين يرتدون أحزمة ناسفة، ما يشكل تحدياً أمنياً كبيراً للسلطات التي لم تتمكن بعد من التعامل بفعالية مع هذا الأسلوب.

- **تراجع العمليات العسكرية الحكومية:** تراجع العمليات العسكرية ضد حركة الشباب في جنوب ووسط البلاد سمح للحركة بإعادة ترتيب صفوفها وتنفيذ هجمات جديدة، مما يستدعي استئناف العمليات العسكرية لخلط أوراق الحركة.

أثار التفجير الدامي الذي شهدته العاصمة الصومالية مقديشو، ليل الجمعة ــ السبت الماضي، مخاوف من عودة دوامة العنف إلى العاصمة بعد تحسن أمني دام مدة عامين ونصف عام بسبب الإجراءات الأمنية التي اتخذتها القوات الأمنية. ويعد هجوم شاطئ ليدو بمقديشو، وهو التفجير الذي استهدف مطعماً على الشاطئ وأدى إلى مقتل 37 شخصاً وإصابة 212 آخرين بجروح، الثاني من نوعه خلال 18 يوماً. فيوم الأحد 14 يوليو/ تموز الماضي، فُجّرت سيارة مفخخة أمام مقهى توب في مقديشو، أثناء مشاهدة نهائي بطولة أوروبا لكرة القدم، ما أدى حينها إلى مقتل خمسة أشخاص وجرح 20 آخرين، فيما وجهت أصابع الاتهام حينها إلى حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة، علماً أن الحركة لم تعلن عن مسؤوليتها عن الهجومين.

وقال وزير الصحة الصومالي علي حاجي، في مؤتمر صحافي أول من أمس السبت، إن ما لا يقل عن 37 مدنياً قُتلوا وأصيب 212 في هجوم شاطئ ليدو. وعدا القتلى المدنيين في الهجوم على المطعم، قال المتحدث باسم الشرطة عبد الفتاح عدن إنّ جندياً قُتل خلال الهجوم، مضيفاً أنّ أحد المهاجمين فجر نفسه بينما قتلت قوات الأمن ثلاثة آخرين، فيما ألقت السلطات الصومالية القبض على أحد منفذي الهجوم حياً.

وأرجع محللون التفجير المركب، الذي شهدته مقديشو ليل الجمعة ــ السبت، إلى اختراق أمني كبير في الشرطة العسكرية المكلفة تأمين العاصمة نتيجة استخدام مقاتلي حركة الشباب الآليات الثلاث التي كانت تتبعها في هجماتها، مثل الهجوم المباشر والتفجير الانتحاري بواسطة السيارات المفخخة، وعبر انتحاريين يرتدون أحزمة ناسفة.

هجوم شاطئ ليدو وعودة العنف

وقال الصحافي الصومالي في راديو بنادر المحلي عبد الرحمن معلم، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "أسلوب تنفيذ مقاتلي حركة الشباب هجوم شاطئ ليدو يثير تساؤلات كثيرة حول كيفية تمكنهم من الوصول إلى هدف مثل شاطئ ليدو".

وأوضح أن هذا الشاطئ "يعد من أكثر الأماكن أمناً في مقديشو نتيجة الإجراءات الأمنية المشددة التي تفرضها السلطات الأمنية في الشوارع المؤدية إليه"، مضيفاً أن "قاصدي شاطئ ليدو يواجهون عملية تفتيش أمني مشدد، ما دفع غالبية المواطنين إلى بيع سياراتهم هرباً من المضايقات والإجراءات التي تبقيهم ساعات طويلة في صفوف التفتيش والانتظار، ليتساءل المواطنون كيف تمكن المهاجمون من اختراق النقاط الأمنية رغم كل تلك الإجراءات المشددة".

ولفت معلم إلى أن هجوم شاطئ ليدو المحصن أمنياً "يرفع سقف مخاوف المواطنين من عودة العنف إلى العاصمة، إذ يعد هذا التفجير الثاني من نوعه خلال 18 يوماً، وسط مخاوف من تكرار مثل هذه الهجمات في الأيام المقبلة".

وشهدت العاصمة منذ مطلع العام الحالي ثلاثة تفجيرات انتحارية استهدفت مناطق حساسة، اثنان منها وقعا بالقرب من القصر الرئاسي في شهري يونيو/حزيران ومارس/آذار الماضيين، بينما وقع الثالث في شاطئ ليدو. يأتي ذلك مقارنة بوقوع خمسة تفجيرات فقط خلال العامين الماضيين. وعقب هجوم شاطئ ليدو الدامي، عقد الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود جلسة طارئة مع قادة الأمن والأجهزة الأمنية للبحث في ملابسات الهجوم. وتعهد محمود بمحاسبة المسؤولين عنه، مشيراً إلى أنّ الهجوم لن يثني الحكومة عن "مواصلة عملياتها العسكرية ضد الإرهابيين".

ومنذ نحو عامين، وبعد الخسارة المدوية التي تلقاها عناصر "الشباب" أمام الجيش الصومالي، بالتعاون مع السكان المحليين في مدن وقرى وبلدات جنوبي ووسط البلاد، أخفقت الحركة في تنفيذ أي هجمات نوعية في عمق العاصمة مقديشو بسبب انهيار معنويات مقاتليها. وجاء ذلك إلى جانب اتخاذ الشرطة العسكرية المكلفة تأمين العاصمة إجراءات أمنية مشددة، بحسب المحلل الأمني الصومالي عبدي علي.

عبدي علي: حركة الشباب اتخذت أسلوباً جديداً قد لا يكلفها الكثير من الوقت لمواصلة ضرباتها

وقال علي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن الحركة "اتخذت أسلوباً جديداً قد لا يكلفها الكثير من الوقت لمواصلة ضرباتها (تكتيك الحزام الناسف) مقارنة بأسلوبها السابق الذي كان يتم بواسطة السيارات المفخخة والهجمات المباشرة". وأضاف أنه "على الرغم من أن محدودية حجم الخسائر للتفجيرات التي تنفذ بواسطة انتحاريين يرتدون أحزمة ناسفة، إلا أن أسلوب الهجمات التي تنفذها قنابل بشرية متحركة بات ناجعاً ويشكل تحدياً أمنياً للأجهزة الأمنية".

وأشار إلى أن "السلطات الأمنية الصومالية لم تتمكن من التعامل بشكل جدي مع أسلوب الحزام الناسف المفخخ الذي ينفذ بواسطة انتحاري". لكن علي اعتبر أن "هذا الأسلوب، ورغم اعتباره ناجحاً بالنسبة للحركة لتوجيه ضربات ضد أهداف حكومية، فإنه يشكل، في المقابل، إخفاقاً للحركة التي اضطرت للجوء إليه بعد الإجراءات الأمنية التي اتخذتها الشرطة العسكرية لتأمين العاصمة، إلى جانب نظام كاميرات المراقبة التي تنتشر في الشوارع الرئيسية في مقديشو".

ولفت إلى أن هجوم شاطئ ليدو "يحمل رسالة مفادها أن الحركة بدأت تستخدم جميع أساليبها الانتحارية، حيث كان الهجوم ليلة الجمعة الماضي مركباً". وأوضح أن العملية "تضمنت هجوماً مباشراً وانتحارياً بحزام ناسف، إلى جانب سيارة مفخخة، رغم أنها لم تنفجر في وقتها ما يظهر وجود فجوة داخل المؤسسة الأمنية، خصوصاً تلك المكلفة بتأمين العاصمة".

تراجع العمليات العسكرية الحكومية

أرجع بعض المحللين عودة التفجيرات في مقديشو إلى تراجع العمليات العسكرية ضد مقاتلي حركة الشباب في أقاليم جنوب ووسط البلاد، ما سمح للحركة بإعادة ترتيب حساباتها لتنفيذ هجمات إرهابية ضد أهداف حكومية ومدنية. وقال الضابط الصومالي المتقاعد شريف روبو، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "هناك علاقة بين هجمات حركة الشباب والعمليات العسكرية الحكومية، إذ إن وتيرة الهجمات التي ينفذها عناصر الشباب تتصاعد كلما تراجعت العمليات العسكرية الحكومية ضد الحركة والعكس صحيح".

شريف روبو: الهجوم مؤشر على إمكانية وقوع هجمات جديدة خلال الأيام المقبلة

وأضاف أن "العمليات العسكرية الحكومية قد تشكل ضغطاً على حركة الشباب، بل وتربك حساباتها الداخلية، ما أفقدها بوصلة تنظيم هجمات إرهابية ضد أهداف حكومية، نظراً إلى ما تتطلبه التفجيرات من إجراءات كثيرة ومتقنة، وهو ما يساهم في انحسار دوامة الهجمات الانتحارية التي ينفذها عناصر الشباب في العاصمة". ورأى أن "الهجمات التي تشهدها العاصمة، وكان آخرها الهجوم الدامي الجمعة الماضي، مؤشر واضح على إمكانية وقوع هجمات جديدة خلال الأيام المقبلة، ما لم تتخذ الحكومة إجراءات استباقية للحيلولة دون تكرار حدوث هجمات مماثلة في مقديشو". وشدّد على أهمية استئناف العمليات العسكرية ضد مقاتلي "الشباب" في أقاليم جنوب ووسط البلاد "من أجل خلط أوراق الحركة وتعطيل خططها المحتملة لتنفيذ هجمات ضد أهداف حكومية ومدنية".

وفي ما يخص أسباب تراجع العمليات العسكرية الحكومية في أقاليم جنوب ووسط البلاد، أرجع روبو هذا الأمر إلى ثلاثة عوامل: "الأول نقص الدعم اللوجستي للجيش نظراً للتكلفة المالية الباهظة التي تتطلبها العمليات العسكرية فنياً ولوجستياً، والثاني هو إحباط معنويات الجيش بسبب طول أمد المعارك ضد الشباب بعد مرور عامين من العمليات العسكرية ضد الحركة". أما العامل الثالث فهو "غياب أجندة حكومية واضحة لحملاتها العسكرية ضد حركة الشباب".

المساهمون