هجمات داغستان... اتهام أوكرانيا وأميركا ليس محل إجماع

25 يونيو 2024
ميليكوف أمس في ديربنت بعد هجمات داغستان (أسوشييتد برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- داغستان شهدت هجمات دامية على مواقع دينية، أسفرت عن مقتل 20 شخصًا وإصابة 46، بما في ذلك مقتل 15 من عناصر الشرطة وخمسة من المهاجمين، مما أدى إلى إعلان الحداد لثلاثة أيام.
- الهجمات تعتبر عملاً إرهابيًا وتسلط الضوء على التوترات العرقية والدينية في شمال القوقاز، مع بدء تحقيق قضائي وتأكيدات على انتهاء العملية النشطة لمكافحة الإرهاب.
- ردود فعل متباينة من المسؤولين الروس تجاه الهجمات، بين اتهامات لأوكرانيا والغرب ودعوات لمواجهة التحديات الأمنية الداخلية، مع تأكيد على التعقيد السياسي والأمني في المنطقة.

شهدت داغستان، طيلة أول من أمس الأحد، هجمات دامية استهدف كنيسة أورثوذكسية وكنيساً يهودياً، أودى بحياة 20 شخصاً، بينهم 15 من عناصر الشرطة، و46 جريحاً، بالإضافة إلى خمسة مهاجمين. وأعلنت جمهورية داغستان، ذات الحكم الذاتي في روسيا، أمس الاثنين، الحداد ثلاثة أيام على ضحايا الهجوم. وأعلنت السلطات الروسية صباح أمس الاثنين، انتهاء المرحلة النشطة من "عملية مكافحة الإرهاب" في عاصمة جمهورية داغستان محج قلعة ومدينة ديربينت، الواقعتين على ساحل بحر قزوين، في منطقة شمال القوقاز الروسي المضطربة، التي تقطنها غالبية مسلمة، وباشرت تحقيقاً قضائياً بموجب مواد في القانون الجنائي الروسي، على أساس "هجوم إرهابي وتخزين وشراء أسلحة بشكل غير قانوني". وفي حين سارع مسؤولون روس إلى توجيه أصابع الاتهام نحو أوكرانيا وأميركا ودول حلف شمال الأطلسي "ناتو" بشأن هجمات داغستان إلا أن آخرين رفضوا هذا التوجه، معتبرين أنه "حان الوقت لننظر في عيوننا" في إشارة إلى التحديات الأمنية التي تواجهها روسيا في القوقاز. وأشادت الجماعة التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية في أفغانستان بمجريات هجمات داغستان"، معتبرة أن" إخوة في القوقاز أظهروا أنهم ما زالوا أقوياء"، وفقاً لوكالة أسوشييتد برس. غير أنه لم يعلن أحد بعد المسؤولية عن هجمات داغستان صراحة.

هجمات داغستان

وأظهر توقيت هجمات داغستان وتزامنها بأنها كانت منسقة ومخطط لها سابقاً. في ديربنت، المدينة السياحية التاريخية والمدرجة ضمن مواقع التراث العالمي لليونسكو وتضم ما بين 300 و400 عائلة يهودية، أضرم المهاجمون النار في كنيس يهودي بعد إطلاق النار وقتل ضباط الشرطة المسؤول عن حمايته، حسبما ذكر بيان صدر عن المؤتمر اليهودي الروسي. كما قتل المهاجمون القس نيكولاي كوتيلنيكوف، حسبما أفاد متحدث باسم الكنيسة الأرثوذكسية الروسية. وشملت أهداف المهاجمين أيضاً كاتدرائية صعود العذراء في محج قلعة، ومعبداً يهودياً، وفقاً للمؤتمر اليهودي الروسي. وبالتزامن فتح مسلحون النار أيضاً النار على مركز لشرطة المرور في محج قلعة، وفقاً لتقارير وسائل الإعلام الرسمية. ومساء الأحد أيضاً، تعرضت سيارة للشرطة لإطلاق نار في بلدة سيرغوكالا (80 كيلومتراً جنوبي محج قلعة)، أثناء توجه الشرطة للتحقيق مع ماغوميد عمروف رئيس المنطقة التي تحمل اسم البلدة، بعد ورود أنباء عن مشاركة اثنين من أبنائه في الهجوم ومقتلهما في محج قلعة. وأظهرت مقاطع فيديو نشرتها وزارة الداخلية الداغستانية مسلحين في محج قلعة، وهم يطلقون النار ويجبرون الناس على الخروج من سياراتهم، وسط إغلاق السلطات الأمنية الطرق المؤدية إلى خارج المدينة.


رفض دميتري روغوزين اتهام أوكرانيا والغرب بالهجمات

ووصف حاكم داغستان، سيرغي ميليكوف، الحادث بأنه "محاولة لزعزعة استقرار الوضع"، مضيفاً في تصريحات صحافية أنه "نفهم من يقف وراء تنظيم الهجمات الإرهابية والهدف الذي كانوا يسعون إليه". وقال إن قوات أجنبية شاركت في الإعداد للهجوم في "محاولة لتفكيك وحدتنا". من جهته، وصف المبعوث الرئاسي المفوض إلى منطقة شمال القوقاز الفيدرالية يوري تشايكا هجمات داغستان بأنها محاولة لتقويض الوضع في المنطقة وشمال القوقاز. وكتب في قناته على منصة تليغرام: "يؤكد هذا العمل اللاإنساني مرة أخرى أنه لا يوجد شيء مقدس بالنسبة لأولئك الذين يحاولون تقويض الوضع في المنطقة وفي شمال القوقاز ككل". وخلص تشايكا إلى القول إن هؤلاء الأشخاص "سيفعلون أي شيء لزعزعة استقرار السلم بين الأعراق والأديان على أرضنا". وسارع عضو مجلس الدوما (البرلمان) الروسي عن جمهورية داغستان عبد الحكيم غادجييف إلى توجيه أصابع الاتهام إلى الاستخبارات الأوكرانية واستخبارات دول حلف شمال الأطلسي "ناتو". وأبدى غادجييف، في لقاء مع قناة "روسيا 1" الحكومية مساء الأحد، اعتقاده أن هجمات داغستان وقعت "لأن نجاحنا يتطور في العملية العسكرية الخاصة (الحرب الروسية على أوكرانيا)". واعتبر أن الأوضاع بين مختلف الأديان والقوميات على أحسن ما يرام في داغستان وشمال القوقاز. بدوره، كان رئيس لجنة العلاقات الدولية في مجلس الدوما (البرلمان) الروسي ليونيد سلوتسكي أكثر وضوحاً، وبعد إشارته في منشور على منصة تليغرام إلى أن هجمات داغستان كانت "تهدف إلى زرع الذعر وتقسيم شعب روسيا"، شدّد على أن الولايات المتحدة تتحمل وزر "دماء الضحايا".

تصريحات رافضة لاتهام الغرب

غير أنه في تصريحات معاكسة لسيل تصريحات المسؤولين الروس التي حاولت إلقاء المسؤولية على الغرب وأوكرانيا، قال عضو مجلس الاتحاد (الشيوخ) الروسي دميتري روغوزين في قناته على منصة تليغرام: "يعتقد نائب مجلس الدوما من داغستان غادجييف أن أجهزة المخابرات الأوكرانية ودول ناتو تقف وراء الهجوم الإرهابي في الجمهورية، ولكنني أعتقد أننا إذا أرجعنا كل هجوم إرهابي ينطوي على التعصب القومي والديني والكراهية والروسوفوبيا (معاداة الروس) إلى مكائد أوكرانيا وحلف شمال الأطلسي، فإن هذا الضباب الوردي سيقودنا إلى مشاكل كبيرة". وفي نهاية تعليقه رأى روغوزين أنه "في عين غيرنا نرى القشة، ولكن في عيننا لا نستطيع أن نرى الخشبة. حان الوقت لننظر في عيوننا". وكشف تصريح روغوزين المعروف بمواقفه القومية المتشددة، والذي شغل مناصب حكومية مهمة، عن موقف صف من النخب الروسية بشأن عدم المبالغة بدور أوكرانيا والغرب في القضايا الداخلية، وضرورة البحث عن الأسباب الحقيقية للمشكلات، إذ إنه غالباً ما أطلق الكرملين والمسؤولون الروس الاتهامات بشأن تورط أوكرانيا في الأزمات الداخلية.


شملت هجمات داغستان كنيسة وكنيساً ومراكز شرطة

وسلطت هجمات داغستان الأخيرة الضوء على التوترات العرقية والدينية المستمرة منذ فترة طويلة في روسيا، خصوصاً في منطقة القوقاز في البلاد. وقال رئيس الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، البطريرك كيريل، إنه "ليس من قبيل الصدفة" أن الهجوم وقع في اليوم الذي يحتفل فيه المسيحيون الأرثوذكس بعيد العنصرة (50 يوماً على عيد الفصح). وأضاف في بيان: "نرى أن العدو لا يتخلى عن محاولات تدمير السلام والوئام بين الأديان داخل مجتمعنا". ولم يحدد البطريرك من هو العدو بالضبط. ومن الواضح أن تركيز الكرملين على الحرب في أوكرانيا أضعف الاهتمام بضمان الأمن في الداخل، ما قد يكون سبباً في تكرار سيناريو الهجمات. وفي حين تم حل مشكلة البطالة في شمال القوقاز عبر تجنيد ألاف المتطوعين للقتال في أوكرانيا، فإن السلطات ستكون أمام استحقاق خطير بعد انتهاء الحرب وهو وجود آلاف جديدة من العاطلين من العمل والمهرة في استخدام الأسلحة في منطقة معروفة بحب سكانها اقتناء الأسلحة في بيوتهم، وتسجل مستويات مرتفعة من الفساد، إضافة إلى تقاليدها العشائرية واتباع رجال دين متطرفين. وقاتلت روسيا لسنوات طويلة محاولات تمرد ذات طبيعة انفصالية في منطقة شمال القوقاز. ففي عام 1999 تسبب اجتياح ما بين 1500 و2000 مسلح بقيادة الشيشاني شامل باساييف داغستان، وإعلانهم "ولاية داغستان الإسلامية" في حرب الشيشان الثانية (1999 ـ 2009)، بدخول روسيا الحرب وقتال الشيشانيين. وفي منتصف العقد الماضي، غادر آلاف الداغستانيين روسيا للقتال في صفوف تنظيم داعش في العراق وسورية. ولم يكن الهجوم على مركز دينيين، مسيحي ويهودي، حدثاً نادراً، ففي عام 2018، في مدينة كيزليار الداغستانية، فتح مسلح النار على رواد كنيسة خلال مهرجان ما قبل الصوم الكبير، مما أسفر عن مقتل خمس نساء. وفي 29 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، هاجم مئات الداغستانيين طائرة آتية من تل أبيب، بعد دعوات في وسائل التواصل الاجتماعي لمنع نزول ركابها في مطار محج قلعة الذين حضروا للحماية في روسيا. وأصيب أكثر من 20 شخصاً، بينهم عدد من ضباط الشرطة، خلال المواجهات في المطار. كما أن تنظيم داعش أعل مسؤوليته في مارس/ آذار الماضي عن أسوأ هجوم تعرضت له روسيا منذ عام 2004، حين سقط أكثر من 140 شخصاً أثناء اقتحام خمسة مسلحين مركز كروكوس سيتي التجاري، شمال غربي العاصمة موسكو أثناء حفلة موسيقية. وحينها حمّل المسؤولون الروس أجهزة الاستخبارات الأوكرانية المسؤولية.

تقارير دولية
التحديثات الحية
المساهمون