هجمات "ولاية سيناء" في الشيخ زويد ورفح: محاولة تعطيل إنجاز عودة المهجرين

17 ديسمبر 2021
يعاني أهالي الشيخ زويد منذ 2013 (فرانس برس)
+ الخط -

عاد تنظيم "ولاية سيناء"، الموالي لتنظيم "داعش" منذ عام 2013، أخيراً ليشنّ العديد من الهجمات في نطاق مدينة الشيخ زويد بمحافظة شمال سيناء، شرقي مصر، ما أدى إلى خسائر بشرية ومادية فادحة لم تشهد المنطقة مثلها منذ أسابيع طويلة.

وجاءت الهجمات بعد أيام من صخب الحديث عن عودة المهجرين إلى قراهم المدمرة في نطاق مدينة الشيخ زويد بعد غياب قسري دام سنوات، والقول إن ذلك حصل بفضل الجيش المصري وإنجازاته في الحرب المستمرة ضد التنظيم.

هجمات بالتزامن مع عودة المهجّرين

وفي التفاصيل، قالت مصادر قبلية في مدينة الشيخ زويد، لـ"العربي الجديد"، إن تنظيم "ولاية سيناء" أظهر أخيراً نشاطاً غير مسبوق منذ أشهر، إذ عَمد إلى استهداف قوات الجيش والمدنيين العاملين معه ضمن مكافحة الإرهاب وفي مجال المشاريع.

وأوضحت المصادر أن التنظيم اختطف في الأيام الأخيرة مهندسين ومتعاوناً مدنياً، ومن ثم قتلهم بعد أيام وألقى جثثهم على الطريق في مدينة رفح، بحجة عملهم في مشروع إنشاء مدينة رفح الجديدة. وبعد ذلك، قتل التنظيم اثنين من أعضاء "اتحاد قبائل سيناء" (تجمع من أبناء القبائل المتعاونة مع السلطات المصرية في العمليات الأمنية بشمال سيناء).

كما أقدم التنظيم، وفق المصادر، على إحراق عدد من المعدات الثقيلة التي تعمل ضمن مشاريع استراتيجية لقوات الجيش في رفح. وأخيراً تسلل إلى قرية أبو العراج (التابعة لمركز الشيخ زويد)، التي عاد إليها سكانها قبل أيام، وقتل أحد العاملين ضمن المجموعات القبلية المساندة للجيش.

استنفر "اتحاد قبائل سيناء" جميع أفراده في وسط وشمال المحافظة

وأشارت المصادر إلى أن التنظيم "كان متمركزاً في نطاق محدد جنوب مدينتي الشيخ زويد ورفح، ولم يتجه لتنفيذ هجمات منذ أشهر، إلا أنه وبعد الضجة الإعلامية والميدانية التي قام بها اتحاد قبائل سيناء، وكذلك الضجة التي شارك فيها بعض ضباط الجيش المصري في القرى المهجرة، استنفر التنظيم مجموعاته، وعاد لتنفيذ هجمات متنوعة ضد الجيش والمتعاونين معه، إذ إن بعض الهجمات نفذت خارج إطار جنوب المدن المذكورة".

وأضافت المصادر أنه على أثر ذلك، اضطر اتحاد قبائل سيناء إلى إعلان استنفار جميع أفراده في وسط وشمال سيناء، لملاحقة عناصر التنظيم الذين عادوا للعمل مجدداً. إذ بدأ الاتحاد بتسيير دوريات في كافة المناطق الواقعة جنوب الطريق الدولي رفح - العريش، لمنع التنظيم من تنفيذ أي هجمات خلال الأيام المقبلة، في ظل استمرار حركة عودة المهجرين قسرياً إلى قراهم المهدمة على يد الجيش.

وكانت قوات الجيش المصري المنتشرة في مدينة الشيخ زويد قد سمحت لعشرات المواطنين بالعودة إلى قراهم وتجمعاتهم السكنية، بعد غياب دام سبع سنوات، بسبب الحرب التي كانت دائرة بين الجيش وتنظيم "ولاية سيناء".

وحينما عاد الأهالي، صدموا بحجم الدمار الذي أصاب بيوتهم ومزارعهم، حتى أنهم لم يجدوا مكاناً يأويهم في ظل برودة الطقس ليلاً في سيناء، ما اضطر الكثيرين منهم للعودة من حيث أتوا، إلى حين توفير الدولة التعويضات اللازمة لهم.

وكان السكان قد اضطروا إلى النزوح بعد خسارتهم العشرات من أبنائهم بين قتيل وجريح ومفقود نتيجة للرصاص العشوائي والقصف المدفعي والجوي، وكذلك هجمات تنظيم "ولاية سيناء".

لكن هذه العودة المفاجئة للقرى تحمل في طياتها قراراً عسكرياً بإعادة ترسيم حدود سيناء، بالسماح للمدنيين بالوصول إلى كافة المناطق، باستثناء تلك التي حددها القرار الجمهوري ووضعها تحت تصرّف وزير الدفاع، قبل أشهر.

وتأتي عودة المواطنين جزئياً إلى قرى بنطاق الشيخ زويد، في وقت لم يسمح فيه الجيش المصري بعودة عشرات الآلاف من سكان مدينة رفح وقراها، وكذلك سكان أطراف الشيخ زويد الملاصقة لرفح، بالإضافة إلى تجمعات بدوية وقرى في الظهير الصحراوي، وسط سيناء، مثل الحسنة والمغارة.

وتقع كل هذه المناطق في نطاق القرار الجمهوري الذي يوسّع المنطقة الممنوعة والمحظورة في شمال سيناء، كما تقع ضمن المناطق المشمولة بالصلاحيات الجديدة التي منحها الرئيس عبد الفتاح السيسي لوزير الدفاع، وهي صلاحيات تشبه بنود قرار الطوارئ، من حيث التحكم في كل تفاصيل الحياة في مناطق شمال سيناء، خصوصاً الحدودية منها.

ويشير ذلك إلى أن ثمة تغييراً على حدود المناطق التي يسمح للمصريين بالتحرك فيها، مع إنشاء طرق ومشاريع حيوية ضخمة في المناطق الفاصلة بين المناطق التي يوجد فيها المصريون وتلك التي يحظر عليهم الوجود فيها.

استفزاز تنظيم "ولاية سيناء"

وتعقيباً على عودة نشاط "ولاية سيناء"، قال باحث في شؤون سيناء لـ"العربي الجديد"، مفضلاً عدم ذكر اسمه، إن "الصور التي نشرها اتحاد قبائل سيناء على مواقع التواصل الاجتماعي، حول رعايته لعودة المهجرين إلى قراهم، والإمساك ببعض أفراد التنظيم في صورة مهينة، إلى جانب مشاهد لقتل عناصر آخرين، بالتأكيد استفزت قيادات وعناصر التنظيم الإرهابي، ما دفعهم للخروج من مخابئهم والانتشار في شمال ووسط سيناء مجدداً وتنفيذ هجمات جديدة".

باحث: قد تتصاعد الهجمات ما لم تتدارك قوات الجيش الموقف

وأضاف أن "الدليل على ذلك هو أن الهجمات الأخيرة غالبيتها استهدفت المتعاونين مع الجيش وليس القوات المسلحة، ما يشير إلى أن التنظيم ينتقم من هذه المجموعات المساندة للجيش، وكذلك المهندسين العاملين في مشاريع الجيش، وأصحاب المعدات الثقيلة العاملة أيضاً في هذه المشاريع".

ورجح الباحث "تصاعد هجمات التنظيم والأحداث الأمنية خلال الأيام المقبلة، ما لم تتدارك قوات الجيش الموقف وتُوقف استفزازات اتحاد قبائل سيناء والمتعاونين معه".

وأوضح المتحدث نفسه أن "استمرار هجمات تنظيم ولاية سيناء يعطي إجابة على تساؤل طُرح في الأسابيع القليلة الماضية، حول ما إذا كان وجود تنظيم داعش قد انتهى في سيناء، وتمكن الجيش من فرض السيطرة على كافة المناطق".

وبرأيه، فإن "الهجمات التي سجلت أخيراً تؤكد استمرار وجود التنظيم، ولكن بقوة أضعف من ذي قبل، ومع انتشار جغرافي أقل، وهذا يمنح الجيش فرصة أخيرة للسيطرة على التنظيم بشكل كامل، من خلال مهاجمة الأماكن التي انتقل إليها في الفترة الأخيرة، وإعادة إدارة الموقف الأمني جيداً عبر تحييد المدنيين عن معادلة الصراع بين الجيش والتنظيم الإرهابي. وفي حال استمرار المشهد على حاله، سيواصل المدنيون دفع الثمن إلى ما لا نهاية".

المساهمون