هؤلاء مَن اختارتهم فون ديرلاين للمفوضية الأوروبية... وللنساء حصّة الأسد

18 سبتمبر 2024
فون ديرلاين خلال اجتماع البرلمان الأوروبي، 17 سبتمبر 2024 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **تقديم فريق عمل المفوضية الأوروبية**: قدمت أورسولا فون ديرلاين فريق عملها الجديد بعد صراعات داخلية، مع تحديات في تحقيق توازن بين الجنسين وتعيين مارتا كوس كمفوضة لتوسيع الاتحاد الأوروبي.

- **أولويات أوروبا الجديدة**: تركز أوروبا على التحول الأخضر، حقوق المثلية الجنسية، التحدي الروسي، والحرب الأوكرانية، مع تعيين كاجا كالاس وأندريوس كوبيليوس لتعزيز الموقف ضد الكرملين.

- **تحديات القيادة الجديدة**: تواجه فون ديرلاين تحديات توسيع الاتحاد الأوروبي، تحسين العلاقات مع روسيا، معالجة فجوة التسلح، وتعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة والصين، مع توازن بين المحافظين والليبراليين والاجتماعيين الديمقراطيين.

بعد عمليات من الشد والجذب، قدمت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين يوم أمس الثلاثاء، فريق عملها في مفوضية الاتحاد الأوروبي، في خطوة ارتبطت بصراعات داخل دولهم بين أحزابها الحاكمة والمعارضة، لفرض أسماء على فون ديرلاين، التي اضطرت إلى قبول بعضها وردّ آخرين، فلم يرق لها في البداية أن يكون نصيب النساء بين المفوضين فقط 22%، وعليه رفضت أسماء ذكور من بعض الدول، مثل سلوفينيا التي اضطرت لتغيير مرشحها الرجل بسيدة هي مارتا كوس، لمنصب مفوضة توسيع الاتحاد الأوروبي.

فون ديرلاين ولعبة الموازنة بين الأسماء

ولأن أوروبا لا تملك ترف الاسترخاء والمزيد من الاختلافات، ابتلعت فون ديرلاين بعض الجمال، كما يقولون في المثل الشعبي الدنماركي، عن المجبرين على تجرع ما يخالف مبادئهم، ففرضت توازنات دول النادي الأوروبي أسماء قد لا تعجب أعضاء البرلمان الأوروبي، الذين سيمنحون أو يحجبون الثقة عنهم، بعد ما يسمى هنا مواجهتهم بـ"أسئلة تحميص المفوضين".

وأوضح مثال على ذلك هو الإيطالي المتقلب بين الأحزاب اليمينية، ورفيق الراحل سيلفيو برلسكوني، رافائيل فيتو (55 عاماً) في منصب مفوض التماسك والإصلاح. ولكأن زعيمة حزبه شبه الفاشي، إخوة إيطاليا، رئيسة الوزراء جيورجيا ميلوني دفعت به نكاية بفون ديرلاين التي لم يدم شهر العسل معها بعد انتخابات البرلمان الأوروبي الأخيرة. فميلوني منت نفسها ببعض الجوائز، لكنها خُذلت من فون ديرلاين، فصوتت كتلتها في البرلمان الأوروبي ضد إعادة انتخابها إلى منصب "سيدة أوروبا الأولى".

ذات الأمر ينطبق على من يسمونه "جوكر ماكرون"، الفرنسي ستيفان سيجورنيه (38 عاما)، مفوضا للنمو والصناعة. فقد حدثت دراما في الأروقة جعلت المفوض الفرنسي الحالي والمخضرم تييري بريتون يستقيل، وسط زفة على وسائل التواصل، نتيجة "شائعات" أن "سيدة أوروبا" عقدت صفقة مع الرئيس الفرنسي ماكرون لاستبدال بريتون، فدفع لها قبل يوم واحد من اختيار المفوضين بجوكره سيجورنيه. وبمرارة تجرعته فون ديرلاين، حيث منت نفسها أن ترسل لها باريس سيدة لتخفيف غلبة الرجال في فريقها.

لكن فون ديرلاين بالتأكيد حظيت بمن يعجبها، فالدنماركي، من بين مفوضين آخرين، دان يورغنسن، الآتي من الحزب الاجتماعي الديمقراطي، عدل مزاجها قليلاً بصفته مفوضا للطاقة والإسكان، وهو صاحب علاقات جيدة أوروبية ودولية، ويطلق عليه لقب "المحبوب في الخارج"، بسبب عمله في بلده على اعتماد قانون خفض انبعاثات غازات الدفيئة بنحو 70% حتى 2030.

والأسماء الـ27 سيبقون أياديهم على قلوبهم حتى جلسة البرلمان الأوروبي مطلع ديسمبر/كانون الأول القادم. مع ذلك ثمة سيدة تثير الانتباه، هي الصحافية السابقة والوزيرة البلجيكية من أصول جزائرية حاجة لحبيب في منصب مفوضة الاستعداد للأزمات، برغم الانتقادات التي وجهت لها نتيجة مواقفها من بعض القضايا، بما فيها القضية الفلسطينية وقضايا أخرى.

أولويات أوروبا

تعترف أوروبا بأن مشاغلها تغيرت عن السنوات الخمس الماضية، حيث هيمن التحول الأخضر، من بين أمور أخرى، بما فيها هوس الجدل حول الاعتراف بحقوق المثلية الجنسية، على سلم أولوياتها، لكن بعض المفوضين يأتون من خلفيات تعارض تلك الحقوق.

وما هو واضح الآن أن بعض الأسماء التي انضمت إلى توليفة فون ديرلاين يمكن أن تؤشر إلى أن الأولويات القادمة  لن تغيب عنها روسيا، باسم "التحدي الروسي والحرب الأوكرانية" وتداعياتهما المتعلقة بأمن القارة، والمسارعة نحو الإنتاج العسكري المشترك، وكذلك قضايا الشرق الأوسط والهجرة والميزانية والزراعة، وغير ذلك الكثير.

فقراءة اسم الإستونية كاجا كالاس في منصب الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، خلفاً للإسباني جوزيب بوريل، مؤشر إلى أن السيدة الأكثر انتقاداً وتحدياً للكرملين ستشمر عن ساعديها لتظهر لصقور القارة أن الوقت حان لـ"هزيمة روسيا"، كما يرددون. لكن بالطبع ثمة حمائم في وسط وجنوب القارة، غير راغبين بالعسكرة وصرف الأموال على أوكرانيا وبقاء مقاطعة روسيا وتحدي الكرملين. وبالتأكيد ذلك أمر ستنتظره وسائل الإعلام والمتابعين، خاصة لتبين ما إذا كانت كالاس ستواصل الاهتمام الذي أبداه بوريل أخيراً بالحرب على غزة والقضية الفلسطينية عموماً، فبرغم أن السياسات الخارجية ليست مزاجية إلا أن التأثير الشخصي والكاريزما يبقيان  حاضرين عند من يقود سياسات أوروبا الخارجية، سواء تعلق الأمر بالشرق الأوسط وبالصين وروسيا، أو العلاقة بالحليف الأميركي، بعد الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/تشرين الثاني القادم.

مؤشر آخر بشأن روسيا، وغير بعيد عن إستونيا، حيث يأتي من ليتوانيا مفوض الدفاع والفضاء الجديد، أندريوس كوبيليوس، ليرسخ أن دول البلطيق السوفييتية السابقة (ليتوانيا وإستونيا ولاتفيا) ستكون مسماراً أوروبياً على حدود روسيا. ولزيادة رسالة تحويل مركز الثقل نحو منتقدي روسيا فقد منحت فنلندا من خلال السياسية المحافظة هينا فيركونن منصب مفوضية التكنولوجيا والأمن والديمقراطية.

وعليه، من خلال 11 امرأة و16 رجلاً، سيتعين على رئيسة المفوضية أورسولا فون ديرلاين قيادة أوروبا في ولايتها الثانية، وسط أمواج عاتية ومصاعب جلية. ومع مطلع 2028، حتى 2034، يتعين البدء بتوسيع الاتحاد الأوروبي إلى 36 دولة محتملة. وسيتعين عليها بطبيعة الحال مواجهة التحدي الآني في تدهور العلاقة بروسيا، وقضايا جسر فجوة التسلح، والعلاقة برئيس الولايات المتحدة الجديد، وعلاقات القارة الداخلية ومعوقات النمو الأوروبي، بالإضافة طبعاً إلى الهجرة.

ويمكن في نهاية المطاف تلخيص اختيارات توليفة فون ديرلاين بما قالته بنفسها من أنه في المرة الماضية (منذ 2019) كان الاحتباس الحراري على رأس جدول الأعمال، وهو موضوع مستمر مع صفقة التحول الأخضر الأوروبية. لكن هذه المرة، كما ترى السيدة، سيتعين على القارة العجوز أن تتعامل مع أولوية الأمن والدفاع، بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير/شباط 2022. هذا إلى جانب تعزيز القدرة التنافسية التي يتمتع بها الاتحاد الأوروبي، والعلاقات التجارية والاقتصادية مع واشنطن وبكين، وما يشبه عودة أوروبية إلى القارة الأفريقية. فاعتبرت باختصار أن توليفتها "تعكس العصر الذي نعيشه".

ما هو ملاحظ في اختيار المفوضين أن أغلبية مفوضي فون ديرلاين المحافظة ينتمون إلى معسكرها المحافظ. مع ذلك حاولت ألا تهمش الليبراليين والاجتماعيين الديمقراطيين. وبالتأكيد أن اختيارها لبعض المفوضين لن يروق للبرلمان الأوروبي.