لم تمضِ ساعات قليلة يوم السبت الماضي على خسارة ممثلة الولايات المتحدة السابقة لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي الساعية لنيل ترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة الأميركية، الانتخابات التمهيدية لحزبها في مسقط رأسها ولاية كارولينا الجنوبية أمام الرئيس السابق دونالد ترامب، حتى أصيبت بانتكاسة إضافية، مع إعلان منظمة جمهورية محافظة كبيرة، وقف دعم حملتها مالياً، وذلك فيما تتحضر هيلي اليوم الثلاثاء لمنافسة جديدة مع ترامب في ولاية ميشيغن، إحدى أهم الولايات "المتأرجحة".
حملة نيكي هيلي تحت رحمة الداعمين
ويُعتبر انسحاب منظمة "أميركيون من أجل الازدهار"، الشبكة السياسية الجمهورية التي يرأسها الملياردير تشارلز كوك، من دعم حملة نيكي هيلي، ضربةً كبيرة لجهود الأخيرة للبقاء في السباق الرئاسي الجمهوري، ومعاندة رياح التصويت التي صبّت حتى الآن لمصلحة ترامب في كارولينا الجنوبية وأيوا ونيوهامشير ونيفادا وجزر العذراء الأميركية، وأدّت مبكراً إلى انسحاب منافسين آخرين لترامب، أولهم حاكم ولاية فلوريدا، رون ديسانتيس.
أعلنت منظمة "أميركيون من أجل الازدهار" وقف دعمها لحملة هيلي
ولا يبدو تصميم هيلي على البقاء مرشحة للرئاسة، ومواصلة التمهيديات، نابعاً من عناد فقط، أو حفظاً لماء الوجه بانتظار مرور أيام أخرى قليلة، للاستسلام، إذ إن هذه الجمهورية المحافظة تمكنت أن تلمس حجم الاعتراض والتململ داخل جناح في الحزب، من بقاء ترامب مهيمناً على الحزب المحافظ، واكتساحه التصويت في كل الولايات.
كما يرى هذا الجناح أن منافسة محتملة في الرئاسيات في 5 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، بين ترامب والرئيس الديمقراطي جو بايدن، في استعادةٍ لمشهد انتخابات 2020، ليست مضمونة للجمهوريين رغم كبر سنّ بايدن والتململ الشعبي منه، ويخاطر بإبعاد الحزب الجمهوري عن البيت الأبيض 4 سنوات إضافية، خصوصاً إذا بقي ترامب في السباق، وأدين في الوقت ذاته بإحدى التهم الجنائية الموجهة إليه. ويدرك هذا الجناح أنه رغم شعبية ترامب المرتفعة داخل الحزب، فإن منافسة بينه وبين بايدن قد تقود إلى بروز الأصوات الخائفة أكثر من عودة "فوضى ترامب"، وهو ما بنت عليه هيلي حملتها.
وكانت نيكي هيلي قد نقلت على حسابها على منصة "إكس"، العديد من نتائج استطلاعات الرأي، التي تراها متقدمة على بايدن بحدود 18 نقطة في الرئاسيات، في حال تواجها في نوفمبر، مذكرة بأن معظم الاستطلاعات ترى ترامب وبايدن متلاصقين، وتتوقع منافسة حادة بينهما في الولايات المتأرجحة.
بانتظار "الثلاثاء الكبير"
وستكون ميشيغن محطة مهمة لهيلي، اليوم، وهي إحدى الولايات المتأرجحة، التي يواجه فيها أيضاً الرئيس بايدن جالية عربية مستاءة بشدة منه، نظراً لموقفه من الحرب الإسرائيلية على غزة. وتوجهت نيكي هيلي فور خسارتها مسقط رأسها، إلى هذه الولاية، التي تأمل من خلالها استعادة بعض الأمل للمضي قدماً، وهي لا تزال تراهن على أصوات المعتدلين داخل حزبها.
جوليان زيليزر: أمل هيلي الوحيد الصمود لفترة كافية حتى يتسنى للإجراءات القانونية تقويض ترشيح ترامب
ولا تزال نيكي هيلي تحظى بدعم عدد كبير من المانحين، وضمن برنامجها بعد ميشيغن التوجه مباشرة إلى مينيسوتا وكولورادو ويوتا، وهي ثلاث ولايات تصوت خلال اليوم الانتخابي الكبير (الثلاثاء الكبير) في 5 مارس/آذار المقبل، والذي تصوت فيه 16 ولاية دفعة واحدة. لكن لا يبدو أن الناخبين الجمهوريين يتجاوبون معها. فقد أظهرت الاستطلاعات أنه من المتوقع أن يفوز ترامب في كل الولايات التي ستُجرى فيها الانتخابات التمهيدية.
وقال الخبير السياسي جوليان زيليزر، لوكالة "فرانس برس"، إن "أمل هيلي الوحيد هو الصمود لفترة كافية حتى يتسنى للإجراءات القانونية (بالقضايا التي يلاحق بها ترامب) تقويض ترشيح" الرئيس السابق. وتبدأ المحاكمة الأولى لترامب خلال شهر تماماً في نيويورك قبل سلسلة محطات قضائية مرتقبة في العاصمة واشنطن وفلوريدا، حيث إن فرضية أن يتم توجيه التهم إليه قبل انتخابات نوفمبر واقعية جداً. وتظهر الاستطلاعات أن دعم ترشيحه سيتراجع بشكل كبير إذا ثبتت إدانته في إحدى محاكماته.
وبرأي أستاذ العلوم السياسية لاري ساباتو، في حديث لـ"فرانس برس"، فإن هيلي قد تكون تراهن أيضاً على "عارض صحي" يصاب به الرئيس السابق البالغ من العمر 77 عاماً، ولو أن ذلك يصب في إطار التكهنات. علماً أنه حتى في حال انسحاب ترامب المفاجئ من السباق، فإن تنصيب هيلي مرشحة لحزبها لخوض انتخابات الرئاسة لن يكون تلقائيا، إذ إن اختيار مرشح الحزب يمكن أن يعود لمسؤولين في الحزب وكثراً منهم يكرهون هيلي.
لكن ما يحدّ من قدرة نيكي هيلي على المناورة يبقى التمويل. إذ بعد ساعات قليلة من خسارتها كارولينا الجنوبية، أكدت حملتها أنها تمكنت من جمع مليون دولار في غضون 24 ساعة فقط، وذلك "من داعمين من القاعدة فقط"، ما يؤكد بحسب الحملة "بقاء قوتها وقدرتها على جذب شرائح واسعة من المجتمع الأميركي". لكن الأحد شهد أيضاً إنهاء منظمة "أميركيون من أجل الازدهار" دعمها لهيلي.
وكشف موقع "بوليتيكو" بدايةً عن إنهاء الدعم، ناقلاً بياناً لإميلي سيدل، كبيرة مستشاري هذه المنظمة والتي تعد ذراعاً تمويلية ضخمة للحزب الجمهوري واختارت هذا العام دعم هيلي. وقالت سيدل إن المنظمة "تقف بصلابة خلف دعم نيكي هيلي، لكننا سنعيد توجيه مواردنا إلى حيث بإمكاننا إنجاز فارق"، معلنة توجيه هذه الموارد إلى انتخابات الكونغرس التي تجري بالتوازي مع انتخابات الرئاسة في 5 نوفمبر. وأضافت المنظمة: "نظراً للتحديات في الانتخابات التمهيدية المقبلة، لا نعتقد أن أي مجموعة خارجية باستطاعتها تغيير المعادلة لتسهيل طريق (هيلي) للفوز".
وكانت "أميركيون من أجل الازدهار" قد بدأت بدعم حملة هيلي في نوفمبر الماضي، وتعهدت بأن يلتزم ناشطوها ومواردها الضخمة لمساعدتها على إلحاق الهزيمة بترامب. من جهتها، أكدت لجنة "أس أف آي فاند إنك" السياسية الداعمة لهيلي، أول من أمس، أنها ستواصل دعمها مالياً، وأنها تتحضر لصرف 500 ألف دولار، على إعلان ضخم للمرشحة الجمهورية في ميشيغن.
ورأى آسا هاتشينسون، وهو حاكم أركنساس السابق ومعارض لترامب، أنه ينبغي على هيلي أن تبقى في السباق، لكنه لفت في حديث لوكالة "أسوشييتد برس"، إلى أهمية ألا تصطدم بما يسمى "حائط المندوبين"، أي أن تخسر كثيراً في "الثلاثاء الكبير" ما يعني فعلياً تمكن ترامب من جمع عدد المندوبين اللازم للفوز، أو اقترابه كثيراً من جمعه.
(العربي الجديد، فرانس برس، أسوشييتد برس)