طالب 27 عضواً في الكونغرس الأميركي بفرض عقوبات على الجزائر، وإدراجها ضمن ما يُعرف بقانون "خصوم أميركا"، على خلفية صفقات الأسلحة التي وقعتها مع روسيا، في ثاني خطوة من هذا النوع بعد رسالة سابقة مماثلة كان وجهها قبل شهر عضو في مجلس الشيوخ.
ووجه مجموعة من أعضاء الكونغرس، تتزعمهم ليزا ماكلين، رسالة إلى وزير الخارجية أنتوني بلينكن، تطالبه فيها بفرض عقوبات على الجزائر، وعبر أعضاء الكونغرس عن "القلق بشأن التقارير الأخيرة عن العلاقات المتنامية باستمرار بين الاتحاد الروسي والجمهورية الجزائرية". وأكدت الرسالة أن "روسيا تعد أكبر مورد للأسلحة العسكرية للجزائر".
وفي العام الماضي وحده، وقعت الجزائر صفقة شراء أسلحة مع روسيا بلغت قيمتها الإجمالية أكثر من سبعة مليارات دولار.
وفي هذه الصفقة، وافقت الجزائر على شراء طائرات مقاتلة روسية متقدمة، بما في ذلك طائرة "سوخوي 57"، وهي طائرة نوعية لم توافق روسيا في السابق على بيعها إلى أي دولة أخرى حتى الآن.
واعتبر أعضاء الكونغرس أن هذه الصفقات تجعل الجزائر "ثالث أكبر متلق للأسلحة الروسية في العالم"، ويعتقد الأميركيون أن مثل هذه الصفقات توفر موارد مالية لصالح موسكو، ما يساعدها على خوض حروبها، وتمويل خططها في أوكرانيا.
وأوضحت الرسالة الأميركية أن "صفقة شراء الأسلحة الأخيرة بين الجزائر وروسيا ستُصنف على أنها صفقة كبيرة، بموجب قانون مكافحة خصوم أميركا. ومع ذلك، لم تضع وزارة الخارجية أي عقوبات متاحة".
ويستند أعضاء الكونغرس في مطالب إدراج الجزائر ضمن مسار عقوبات أميركية إلى تشريع أقره الكونغرس عام 2017، يتعلق "بقانون مكافحة أعداء أميركا من خلال العقوبات"، موجه لفرض عقوبات ضد الأفراد أو الكيانات والدول التي تنخرط في صفقات تشمل قطاعات الدفاع أو الاستخبارات الروسية.
ورجح أعضاء الكونغرس أن "تواصل روسيا الضغط من أجل مبيعات أسلحة إضافية. لذلك من الأهمية بمكان أن يستعد الرئيس جو بايدن وإدارته لمعاقبة أولئك الذين يحاولون تمويل الحكومة الروسية وآلتها الحربية من خلال شراء المعدات العسكرية، ولذلك نطلب منكم البدء فورًا في تنفيذ عقوبات كبيرة على أولئك الموجودين في الحكومة الجزائرية المتورطين في شراء الأسلحة الروسية". ويعتبر أعضاء الكونغرس أن الولايات المتحدة تحتاج إلى هذه الخطوة "لإرسال رسالة واضحة إلى العالم مفادها أن دعم فلاديمير بوتين وجهود الحرب البربرية لنظامه لن يتم التسامح معها".
وتمثل الأسلحة الروسية جزءاً مهماً من ترسانة الجيش الجزائري منذ عقود، وحصلت الجزائر في الفترة الأخيرة على منظومات دفاع صاروخي ومقاتلات وغواصات متقدمة من روسيا، على الرغم من وجود توجه لافت لدى قيادة الجيش الجزائري لتنويع شرائها للأسلحة من دول أخرى، مثل الصين وتركيا وإيطاليا وألمانيا.
وتعد رسالة الأعضاء الـ24 في الكونغرس الأميركي الثانية من نوعها ضد الجزائر، إذ كان نائب رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأميركي، ماركو روبيو، قد وجه رسالة مماثلة وبنفس المبررات إلى وزير الخارجية أنتوني بلينكن في 14 أغسطس/ آب الماضي، اعتبر فيها أن "المشتريات الدفاعية الجارية بين الجزائر وروسيا" تصب في صالح "تدفق الأموال إلى روسيا، ما يؤدي إلى زيادة تمكين آلة الحرب الروسية في أوكرانيا".
وتمثل هذه المواقف مؤشرات جدية لوجود ضغوط أميركية على الجزائر، لتغيير موقفها من علاقاتها مع موسكو، ويرجح أن يتزايد الضغط الأميركي عندما يزور الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون موسكو قبل نهاية العام الجاري للتوقيع على "وثيقة التعاون الاستراتيجي"، على الرغم من تشديد كبار المسؤولين الأميركيين على أهمية علاقات واشنطن والجزائر، إذ كان وزير الخارجية الأميركي بلينكن قد أكد، خلال زيارته الأخيرة إلى الجزائر، في مارس/آذار الماضي، أن الجزائر "شريك مهم في مكافحة الإرهاب"، وقال حينها "نعمل مع الجزائر سوياً على محاربة الإرهاب، والجزائر تلعب دوراً هاماً في أمن منطقة الساحل، والجزائر مهمة جداً لتحسين الأمن في المنطقة".
ولم تصدر ردود ومواقف رسمية من السلطات الجزائرية إزاء رسائل المشرعين الأميركيين. ويعتبر مسؤلون في الجزائر، في أحاديث غير رسمية، أن مثل هذه المواقف لا تعبر عن الموقف الأميركي الرسمي، ولن تؤثر في العلاقات بين الجزائر وواشنطن، وأنها "جزء من لعبة لوبيات ضاغطة داعمة لإسرائيل ومغتاظة من موقف الجزائر من التطبيع، وموالية للمغرب، بدليل وجود عدد من الأعضاء الداعمين للمغرب، بينهم ماريو بلارت، الذي كان طرح مسودة قانون لتصنيف جبهة بوليساريو كتنظيم إرهابي مدعوم من إيران عام 2018".
واستبق المسؤولون في الجزائر الموقف والضغوط الأميركية برفض أية إملاءات سياسية غربية على الجزائر بشأن كيفية إدارة علاقتها، إذ كان الرئيس تبون قد أكد، في حوار تلفزيوني قبل شهر، أن الجزائر توازن بين علاقاتها مع موسكو بنفس القدر مع واشنطن، وقال: "لدينا علاقات مميزة مع روسيا منذ ستين عاماً، ولدينا علاقات مع أميركا والصين، ولا أحد يفرض علينا كيف ندير علاقاتنا، والأميركيون يتفهمون ذلك جيدا".
كما عبر قائد أركان الجيش، الفريق السعيد شنقريحة، عن الموقف نفسه خلال لقائه قائد الأركان العسكرية لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، هانس وارنر وييرمان، خلال زيارته الجزائر، حيث قال إن "الجزائر تتبنى سياسة الحياد وتحرص على النأي بنفسها عن التجاذبات الحاصلة بين مختلف الأطراف، لكن في المقابل، وإذ تندد بسياسة الكيل بمكيالين، التي تميز حالياً تعامل المجتمع الدولي مع قضايا الشعوب المقهورة، فإن الجزائر ستواصل، على غرار باقي دول العالم، التعاون مع حلفائها وشركائها، في إطار مصالحها الوطنية ومبادئها الراسخة"، في إشارة إلى روسيا والصين.