نضال مناطقي بأفق وطني شامل

30 مايو 2021
لفت الفلسطينيون أنظار العالم إلى قضيتهم مجدداً (أرتر وداك/Getty)
+ الخط -


سَطّر الشعب الفلسطيني في الأيام الماضية ملحمة نضالية شبه متكاملة على امتداد الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ النكبة، عبر انتفاض الحشود الشعبية داخل الأراضي المحتلة في عام 1948 وفي مدينة القدس وفي الضفة الغربية، بالتوازي مع ممارسة فصائل العمل الوطني والإسلامي حقها في المقاومة المسلحة من داخل قطاع غزة، عبر إطلاق قذائف الهاون والقذائف الجوية والبحرية محلية الصنع من داخل قطاع غزة، حيث كانت ممارسات التطهير العرقي والترحيل القسري في مدينة القدس عموماً وحيّ الشيخ جراح خصوصاً، عصب الانتفاضة ومحركها الأساسي، على اعتبارها نموذجاً فجاً لمجمل جرائم التطهير العرقي والفصل العنصري والتهجير القسري الصهيوني المرتكبة في كل بقعة من أرض فلسطين. الأمر الذي تبدى في خطاب وشعارات مجمل التجمعات الاحتجاجية المنتفضة في كل فلسطين، كما تجلى للمرة الأولى في مجمل خطابات وبيانات القوى والفصائل الوطنية والإسلامية، التي اتفقت على إدانة الإجرام الصهيوني دون أي إضافات أخرى، أي دون أي تلميح إلى مسؤولية هذا الفصيل أو ذاك، كما شهدنا خطاباً جامعاً حول الأقصى والشيخ جراح وغزة والضفة، وهنا مربط الفرس الذي أود الإشارة إليه. حيث نلحظ أن نضالات وبطولات أشقائنا وأحبابنا في الأراضي المحتلة عام 1948، كانت بمثابة الصاعق الذي أشعل انتفاضة كل فلسطين في كل فلسطين. كذلك فرضت بطولاتهم استعادة لحمة القضية والشعب والأرض بقوة الشارع، فيما لم يرتقِ خطاب ونهج الجسم السياسي الفلسطيني الرسمي والفصائلي، الوطني والإسلامي حتى اللحظة إلى هذا المستوى من الحدث. بل على العكس تماماً، هناك إصرار عجيب وغريب ينطلق من التغني ببطولات ومعاني نضالات فلسطينيي الـ 48، دون أن يترافق هذا التغني مع تبني همومهم ومطالبهم وأهدافهم الآنية والوطنية العامة. وهو ما يعيدنا إلى أزمة المشروع الوطني الفلسطيني، من أزمة نهج الاستسلام الأوسلوي، إلى أزمة تبني البرنامج المرحلي وحل الدولتين، اللذين - بكل أسف - أضحيا برنامجاً لمجمل القوى والفصائل الفلسطينية، باستثناء حركة الجهاد.

وعليه، أصبح الجسم السياسي الفلسطيني الرسمي والفصائلي مطالباً بالارتقاء إلى مستوى نضالات وتضحيات الشارع الفلسطيني، عبر العودة إلى برنامج تحرير وطني جامع وشامل يعكس ركائز القضية الفلسطينية الأساسية المتمثلة بوحدة الأرض والشعب والقضية، مع حق كل فصيل من هذه الفصائل؛ وسواها طبعاً؛ في الاختلاف على شكل دولة فلسطين المستقبلية، ديمقراطية، علمانية، أو إسلامية، أو أي طرح آخر. وإلا فإن احتمالات الردة إلى ما قبل الانتفاضة واردة، ولو بعد فترة طويلة نسبياً، بل يمكن القول إن احتمال ردة الجسم السياسي الفلسطيني على انتفاضة كل فلسطين نحو ترسيخ سيطرته وسلطته هي الأقوى اليوم، ما سيعزز التناقض الواضح بين الشارع الفلسطيني، من ناحية، وكامل الجسم السياسي الفلسطيني من ناحية ثانية، ويؤكد توجهات الفصائل المصلحية الضيقة على حساب مجمل المصلحة الوطنية والشعبية.

ومن ناحية ثانية، أعتقد أن الانتفاضة الشعبية مطالبة بخطو خطوات نضالية جديدة، تكتيكية نوعاً ما، من خلال تحويل ساحات الاشتباك إلى صراع ميداني ذي بعدين، الأول وطني يتبنى خطاباً وطنياً جامعاً يمثل كل فلسطين والكل الفلسطيني، والثاني أهدافاً مناطقية آنية يمنح تحقيقها الشارع قوة معنوية وميدانية إضافية، ويعزز من مشروع تحرير كل فلسطين. مثل النجاح في تفكيك المستوطنات غير الشرعية في أراضي الضفة الغربية، وكذلك النجاح في هدم جدار الفصل العنصري، والنجاح في إنهاء حصار قطاع غزة، أو مثل النجاح في عودة المبعدين والمرحلين قسراً من القدس ومن أي بلدة من بلدات فلسطين، بما فيها الأراضي المحتلة في عام 1948، وأيضاً في تحرير المعتقلين من أبطال النضال الوطني الفلسطيني، وصولاً إلى انتزاع الحق في العودة إلى القرى والبلدات المهجرة واستعادة الملكيات الفردية والجماعية، إلى ما هناك من أهداف ذات صفة مناطقية نسبياً، لكن تحقيقها يشكل دافعاً وعاملاً مساعداً من أجل استعادة مجمل الحقوق الفلسطينية، وعلى رأسها التحرير الكامل والشامل. إذ يؤدي النجاح في أيٍّ من هذه القضايا في سياق مشروع تحرري فلسطيني شامل لكل فلسطين، ضربة قوية للمشروع الصهيوني القائم على تطهير فلسطين عرقياً وتهجير سكانها الأصليين وإبعادهم، وسلبهم حقهم في التواصل فيما بينهم. وبالتالي فالنجاح في أي من هذه الأهداف هو استعادة لوحدة الشارع ميدانيا بعد استعادته وحجته السياسية والنضالية، من خلال إزالة الحواجز الصهيونية المصطنعة عبر الاستيطان أو الجدار أو عبر الترحيل والإبعاد والتهجير القسري والاعتقال. الأمر الذي يحولنا من انتفاضة كل فلسطين، كل فئة في مناطقتها، إلى انتفاضة الكل الفلسطيني في كل فلسطين.