نصف عام من استباحة الضفة الغربية: استيطان وقتل وسلطة شكلية

07 ابريل 2024
طولكرم بعد اقتحام إسرائيلي، 21 مارس الماضي (رنين صوافطه/رويترز)
+ الخط -
اظهر الملخص
- الضفة الغربية تشهد أوضاعاً مأساوية منذ أكتوبر الماضي تتمثل في اغتيالات وتدمير للبنى التحتية وتوسع استيطاني، رغم المقاومة الفلسطينية التي أدت إلى مقتل 19 إسرائيلياً.
- الاعتداءات الإسرائيلية تسببت في مقتل 23 فلسطينياً وتهجير 25 تجمعاً بدوياً، مع استيلاء متسارع على الأراضي الفلسطينية، ما يعكس سياسة إسرائيلية لتوسيع الاستيطان.
- تزايد العزلة في الضفة الغربية بسبب الحواجز العسكرية، مع ضعف الفعل السياسي الفلسطيني واستمرار التنسيق الأمني مع إسرائيل، مما يعقد الوضع السياسي والأمني.

تعيش الضفة الغربية المحتلة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أسوأ أوقاتها. فعلى الرغم من أن لا شيء مما يحدث غير متوقع، من اغتيالات وتدمير بنى تحتية واستيطان ومستوطنين يقتلون وينصبون الحواجز العسكرية ومدن وبلدات معزولة بمئات الحواجز، إلا أن هذا العدوان الذي يأتي تحت ستار حرب الإبادة في قطاع غزة، لا يواجَه بتحرك سياسي فاعل أو حراك شعبي على مستوى الحدث.

جردة حساب سريعة لنصف عام من اعتداءات جيش الاحتلال ومستوطنيه في الضفة الغربية تؤكد أن إسرائيل ماضية بسياسة الردع المفرطة، وأن المستوطنين يسابقون الزمن في الاستيلاء على أراضي الفلسطينيين، وعلى الرغم من ذلك لم ينجح الاحتلال في جعل مؤشر المقاومة يقف عند المستوى الصفر، بل إن المقاومين المنفردين في الضفة نفذوا بعض العمليات النوعية.

ووفق مركز معلومات فلسطين "مُعطى"، فإن المقاومين الفلسطينيين نفّذوا منذ مطلع أكتوبر الماضي حتى نهاية مارس/ آذار الماضي، 1284 عملاً مقاوماً ما بين إطلاق نار وعمليات دهس وطعن واشتباك وزرع عبوات ناسفة، أدت إلى مقتل 19 إسرائيلياً ما بين جندي ومستوطن. بعض هذه العمليات كان مركّباً، مثل عملية "بيت ليد" في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وأدت إلى مقتل جنديين، ببصمات "كتائب القسام" الذراع العسكرية لحركة حماس، وعملية "حومش" المزدوجة في الثامن من الشهر الماضي، التي أطلق فيها مقاومون من "كتيبة جنين" النار على قوة قرب مستوطنة "حومش" المقامة على أراضي جنين، ثم استدرجوا القوة ليفجروا فيها عبوة زرعوها في المكان، ما أصاب سبعة جنود، اثنان منهم إصاباتهما خطيرة، حسب الاحتلال.


قتل المستوطنون نحو 23 فلسطينياً منذ العام الماضي وهجّروا 25 تجمعاً بدوياً فلسطينياً

ويأتي ذلك وصولاً إلى عملية "دير بزيع" في 22 مارس الماضي، حين اشتبك المقاوم مجاهد منصور مع قوة النخبة في جيش الاحتلال على مدار خمس ساعات، واستشهد بعد قصفه بواسطة مروحية أطلقت عليه صاروخاً، لكنه قتل ضابطاً من وحدة النخبة "دوفدفان" وأصاب سبعة جنود آخرين بجراح قبل ذلك، وغيرها من العمليات النوعية الجريئة، لكنها بقيت في إطار "الذئب المنفرد" أو الخلية الصغيرة، من دون تنظيم مساند في التخطيط والتنفيذ.

عدم قدرة إسرائيل على "تصفير" مؤشر المقاومة في الضفة الغربية على الرغم من تنفيذها نحو 50 غارة جوية على المنطقة منذ 7 أكتوبر، أدت إلى استشهاد 70 فلسطينياً على الأقل، وتنفيذ 40 عملية عسكرية في مخيمات الضفة، أدت إلى تدمير عميق في بنيتها التحتية كما هو الأمر في مخيمات نور شمس وطولكرم وجنين والفارعة وبلاطة، وذلك حسب ما نشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الشهر الماضي، دفع جيشها إلى أن يزداد وحشية باستهداف المدنيين.

وحسب بيانات وزارة الصحة الفلسطينية، فقد استشهد منذ السابع من أكتوبر الماضي، وحتى ظهر أول من أمس الجمعة، 459 فلسطينياً وأُصيب 4750 آخرون في الضفة الغربية، بما فيها القدس المحتلة، في الوقت الذي لا تتوقف فيه حملات الاعتقال، التي ارتفعت بعد السابع من أكتوبر، إلى أكثر من 8030 حالة اعتقال في الضفة، بما فيها القدس المحتلة، نصفهم تقريباً حُكِمَ عليهم بالسجن الإداري، أي من دون تهمة، وذلك حسب معطيات نادي الأسير الفلسطيني حتى نهاية الشهر الماضي.

خطوات نحو دولة المستوطنين

وبلغ إرهاب المستوطنين في الضفة الغربية حداً غير مسبوق، وسبق معركة "طوفان الأقصى" بكثير، لكن كثافة الاعتداءات تصاعدت مع الاستيلاء على الأراضي، ليصبح المستوطنون رأس حربة جيش الاحتلال، إذ قتلوا نحو 23 فلسطينياً منذ العام الماضي وحتى الآن، وهجّروا 25 تجمعاً بدوياً فلسطينياً في الأراضي الفلسطينية المصنفة "ج" حسب اتفاق أوسلو (الموقع في عام 1993)، في متوسط 200 اعتداء شهري حسب المؤسسات التي تتابع إرهاب المستوطنين.

وبات بإمكان أي مستوطن كما هو الحال مع مسؤول أمن مستوطنة "يتسهار" المقامة على أراضي جنوبي نابلس والمعروف باسم يعقوب، أن ينصب حاجزاً عسكرياً بين القرى والبلدات وينكل بالرجال ويضرب النساء ويسرق أموالهم ومقتنياتهم. ويرتدي المستوطنون زي الجنود العسكري في تماهٍ كامل مع دورهم المنتظر بأن يكونوا جيش دولة الاحتلال في الضفة الغربية، وتزيد وتيرة اعتداءاتهم مع زيادة استيلائهم على المزيد من الأراضي الفلسطينية، في الوقت الذي يتفاخر فيه وزير الأمن القومي الإسرائيلي ايتمار بن غفير بتوزيع 100 ألف قطعة سلاح منذ السابع من أكتوبر الماضي، على المستوطنين المدججين بالسلاح أصلاً.

وأيضاً حسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فإن مساحات الأرض التي استولى عليها الاحتلال الإسرائيلي عام 2023 بلغ 50526 دونماً مقارنة بحوالى 26 ألف دونم خلال عام 2022. وتؤكد هيئة مقاومة الجدار والاستيطان في بياناتها، أن العام الحالي شهد أكبر عملية استيلاء على الأراضي تحت مسمى أراضي الدولة منذ ثلاثة عقود، حيث بلغت المساحات التي استولى عليها الاحتلال تحت هذا المسمى ما مجموعه 10640 دونماً، منها 8 آلاف دونم في الأغوار. والدافع الرئيس للاستيلاء على هذه الأراضي خلق تواصل جغرافي بين مستوطنات القدس المحتلة ومستوطنات الأغوار، وهي مخططات استيطانية قديمة، لكن بدل الزحف وسرقة مئات الدونمات كل سنة، بات الاستيطان يركض ويستولي على آلاف الدونمات.

عزل الضفة الغربية

تجري عمليات الاستيلاء وشق الشوارع لصالح المستوطنين في ظل عزل كامل للقرى والبلدات الفلسطينية بعضها عن بعض. فقد بلغ عدد الحواجز الدائمة والمؤقتة (بوابات، حواجز عسكرية أو ترابية) التي تقسم الأراضي الفلسطينية وتفرض تشديدات على تنقل الأفراد والبضائع، ما مجموعه 840 حاجزاً عسكرياً وبوابة، منها أكثر من 141 بوابة جرت عملية وضعها بعيد السابع من أكتوبر الماضي، حسب هيئة مقاومة الجدار والاستيطان. ولا يعتبر عزل قرى وبلدات الضفة الغربية أمراً يتعلق بارتدادات معركة "طوفان الأقصى"، فقد صُمِّمَت الحواجز العسكرية ووُضعَت أماكن للبوابات على مداخل القرى والمدن الفلسطينية منذ سنوات طويلة، ويحتاج الأمر إلى ساعتين فقط لتحويل الضفة الغربية إلى جزر من الغيتوهات (المعازل) السكانية وإغلاق الطرق الرئيسية بينها.

وعلى الرغم من مرور نصف عام على حرب الإبادة في غزة، وفي ظل استباحة كاملة للضفة الغربية، إلا أن الفعل السياسي الرسمي الفلسطيني ما زال ضعيفاً، لا يدعم المقاومة في غزة من جهة، ولا يستطيع حماية الضفة الغربية من بطش المستوطنين وعمليات جيش الاحتلال من جهة أخرى. وما يزيد الأمر سوءاً، قتل أجهزة أمن السلطة ستة فلسطينيين منذ بدء الحرب، بعضهم دهساً بالآليات العسكرية خلال التظاهرات المساندة لقطاع غزة، كما حدث في رام الله، والبعض الآخر عبر إطلاق النار لفضّ التظاهرات، كما في جنين، أو خلال اشتباك مسلح عند الفشل باعتقال مطلوب للاحتلال كما في مخيم نور شمس قرب طولكرم.


مصدر مطلع: هناك حالة استنفار أمني خشية الانقلاب على السلطة

وقال مصدر مطلع لـ"العربي الجديد" إن "هناك قراراً غير معلن لدى السلطة الفلسطينية منذ اندلاع حرب غزة بأن تُبقي يدها خفيفة على الزناد، وأي ضحية برصاص الأمن الفلسطيني يجب أن يُسارع لتسوية الأمر مع عائلته ترهيباً وترغيباً بحصول العائلة على دية القتيل واعتباره شهيداً تُصرف لعائلته مخصصات شهيد". وتابع المصدر: "هناك حالة استنفار أمني خشية الانقلاب على السلطة". وعلى الرغم من أن إطلاق النار على مقر الأجهزة الأمنية "المقاطعة" في جنين يتكرر كثيراً عند تشييع الشهداء تحديداً ومطالبة المشيعين الأمن بالإفراج عن المعتقلين من عناصر المقاومة، إلى جانب حالات إطلاق النار على مراكز أمنية هنا وهناك، وإعلان حالة عصيان مدني كما فعلت "كتيبة طولكرم" الأسبوع الماضي، بعد قتل أمن السلطة المطارد من الاحتلال معتصم العارف، بعد أن فشلت باعتقاله وزميله، إلا أن القبضة الأمنية للسلطة الفلسطينية ما زالت قوية جداً على العكس من صورتها الوطنية وفعلها السياسي الضعيف.

ورصدت لجنة أهالي الأسرى السياسيين وجود أكثر من 75 معتقلاً سياسياً في معتقلات السلطة الفلسطينية حالياً، على الرغم من أن العدد ما بين الاعتقال والاستدعاء تجاوز المئات منذ السابع من أكتوبر الماضي، ويوجّه لهم أمن السلطة تهم رفع رايات حركة حماس ودعم المقاومة وانتقاد السلطة على مواقع التواصل الاجتماعي.

لكن السلطة الفلسطينية تعمل على أساس أن بقاءها أهم من صورتها، وبالتالي سارعت لإصلاحات شكلية وتشكيل "حكومة كفاءات" بناءً على المطالب الغربية، وتحديداً الإدارة الأميركية وبعض الدول العربية، لإصلاح السلطة و"تنشيطها"، على حدّ تعبير وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، سواء في تصريحاته الصحافية، أو لقاءاته الستة منذ الحرب مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، لتكون هذه الحكومة جاهزة لليوم التالي لانتهاء الحرب، حسب مهامها. وعلى الرغم من أن إسرائيل تحاصر السلطة اقتصادياً عبر قرصنة عائدات الضرائب، إلا أن التنسيق الأمني مع السلطة لم يتضرر، وبقيت وظيفتها الأساسية في منع أي مقاومة أو انطلاق عمليات مقاومة نحو المستوطنات والأهداف الإسرائيلية قائمة.

المساهمون