يعطي الترحيب السياسي الكويتي، وخصوصاً من أطراف معارضة، بتعيين الشيخ أحمد النواف الأحمد الصباح، نجل أمير البلاد، رئيساً لمجلس الوزراء، وتكليفه بتشكيل حكومة جديدة، أملاً بخروج البلاد من مسار الأزمات السياسية الحادة التي مرت بها في السنوات الأخيرة، ورسم خريطة طريق لنهج جديد، وسط مطالبات له باعتماد نهج إصلاحي، خصوصاً أنه ابتعد طوال حياته عن التجاذبات والصراعات السياسية التي عرفتها الكويت.
الشيخ أحمد النواف الأحمد الصباح رئيساً للحكومة الكويتية
وأصدر نائب أمير دولة الكويت، ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، مساء أمس الأحد، أمراً أميرياً بتعيين الشيخ أحمد النواف الأحمد الصباح رئيساً لمجلس الوزراء.
وقضى مرسوم أميري، صدر في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، باستعانة أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد بولي العهد الشيخ مشعل الأحمد، "لممارسة بعض الاختصاصات الدستورية للأمير وبصفة مؤقتة"، وبذلك تشمل صلاحيات ولي العهد حلّ مجلس الأمة، وتشكيل الحكومة، وقبول استقالتها، وممارسة كافة الأمور السيادية التي تقع ضمن صلاحيات أمير البلاد الدستورية نيابةً عنه.
وجاء تكليف الشيخ أحمد النواف رئيساً جديداً للحكومة الكويتية، عقب أزمة سياسية حادة بين مجلس الأمة (البرلمان) والحكومة، بدأت مع الجلسة الافتتاحية للبرلمان بعد الانتخابات التي جرت في 5 ديسمبر/كانون الأول 2020، وانتهت في 22 يونيو/حزيران الماضي بإعلان أمير الكويت، عبر خطاب ألقاه نيابةً عنه ولي العهد، عن حل مجلس الأمة حلاً دستورياً، والدعوة إلى انتخابات عامة.
وتتمثل أهم الاستحقاقات في الفترة المقبلة، أمام حكومة الشيخ أحمد النواف، في إقرار الميزانية العامة للدولة، وإعداد الترتيبات القانونية اللازمة لإجراء انتخابات جديدة، ورفع مرسوم حل مجلس الأمة إلى أمير البلاد.
تتمثل أهم الاستحقاقات المقبلة في إقرار الميزانية العامة، وإعداد الترتيبات اللازمة لإجراء انتخابات جديدة
وطوال مسيرته، لم يتسلم الشيخ أحمد النواف أي منصب وزاري، ودخل الحكومة الكويتية لأول مرة في مارس/آذار الماضي، بعد مرسوم أميري بتعيينه وزيراً للداخلية، ما ساهم في ابتعاده عن الصراعات والتجاذبات السياسية بين مجلس الأمة والحكومة، وجعله يحظى بتأييد واسع من القوى السياسية. كما أدى ذلك إلى بروز اسمه في الأوساط العامة كشخصية توافقية يمكنها قيادة الحكومة الكويتية في المرحلة المقبلة.
والشيخ أحمد النواف هو أكبر أبناء أمير دولة الكويت، ومن مواليد العام 1956، حصل على شهادة البكالوريوس في التجارة من جامعة الكويت، وتدرج في السلك العسكري في وزارة الداخلية حتى تقاعده برتبة فريق أول.
وشغل أثناء ذلك عدة مناصب في الوزارة، أهمها توليه منصب وكيل وزارة الداخلية المساعد لشؤون الجنسية والجوازات، وعُيّن بعد تقاعده في منصب محافظ محافظة حولي. وتولى الشيخ النواف في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، منصب نائب رئيس الحرس الوطني بدرجة وزير، خلفاً للشيخ مشعل الأحمد الذي أصبح ولياً للعهد.
ترحيب من المعارضة الكويتية
ولاقى صدور الأمر الأميري بتعيين الشيخ النواف رئيساً لمجلس الوزراء مباركة المعارضة الكويتية في مجلس الأمة، وعدد من القوى السياسية والشخصيات البارزة.
وكتب رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم على حسابه في "تويتر": "نبارك للشيخ أحمد النواف، بمناسبة تعيينكم رئيساً لمجلس الوزراء، وتمنياتنا لكم بأن يسدد الله خطاكم، وأن يعينكم جلّت قدرته على تحمل أعباء هذه الأمانة والمسؤولية الوطنية الكبيرة، لمواصلة مسيرة التقدم لبلادنا العزيزة". والغانم كان مقرّباً من رئيس مجلس الوزراء السابق الشيخ صباح الخالد، وشكّل معه تحالفاً ساهم بشكل رئيسي في تصاعد الأزمة السياسية بين الحكومة والبرلمان، التي أدت في نهاية المطاف إلى إطاحة الحكومة.
من جهته، تمنى النائب السابق والمعارض السياسي البارز بدر الداهوم، عبر "تويتر"، للشيخ النواف "التوفيق في تحقيق ما يتوقعه منه الشعب الكويتي، من إصلاح ومحاربة للفساد والفاسدين، وأن نرى النهج الإصلاحي الذي نتأمله في الحكومة المقبلة".
كما غرّد النائب المعارض مهند الساير كاتباً: "نتطلع باختيار أحمد النواف رئيساً للوزراء لأن تنتهي حقبة راعية لنهج الفساد وأدواته، والابتزاز السياسي ومؤامراته، وأن تبدأ أخرى يكون فيها المواطن شريكاً حقيقياً في وطنه، وسلطات تعمل لحماية دستور الآباء وبناء مستقبل الأبناء".
وفي السياق، أصدرت الحركة التقدمية الكويتية المعارضة بياناً قالت فيه: "في إطار الاستجابة المستحقة لمطالب الحراك الإصلاحي الشعبي والنيابي، صدر الأمر الأميري بتعيين الشيخ أحمد النواف رئيساً لمجلس الوزراء، بديلاً عن رئيس الوزراء الفاقد للثقة الشعبية والنيابية، وذلك على أمل أن تطوى برحيله إحدى الصفحات بالغة السوء في الحياة السياسية الكويتية".
الحركة التقدمية: لتشكيل فريق وزاري ذي توجّه إصلاحي يضم رجال ونساء دولة
ودعت الحركة الشيخ النواف إلى "عدم التعامل مع تشكيل حكومته على أنها مجرد حكومة انتقالية، خصوصاً أن نجاحها أو فشلها في الفترة الانتقالية هو الشرط الأهم لقبول الرأي العام الشعبي به، أو المطالبة برحيله بعد الانتخابات النيابية المقبلة". كما دعت إلى تشكيل "فريق وزاري ذي توجّه إصلاحي يضم رجال ونساء دولة، يتبنون برنامج عمل واضحاً يبدأ بالالتزام بالدستور، ويسعى لتحقيق المطالب الإصلاحية الشعبية، ومن غير ذلك، ستواصل الدولة دورانها المرهق منذ سنوات في الحلقة المفرغة".
عهد سياسي جديد في الكويت؟
وحول ذلك، رأى أستاذ التاريخ في جامعة الكويت والناشط السياسي عبد الهادي العجمي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن في تكليف الشيخ أحمد النواف "نغمة عالية من التفاؤل لدى القوى الوطنية الكويتية، واستشعارها لدوره الإيجابي، واهتمامها في إعطائه هذه الفرصة لتحقيق إرادة المواطنين، وتجاوز المرحلة السابقة".
واعتبر العجمي أن الشيخ أحمد النواف "يواجه عدداً من التحديات، خصوصاً أن المرحلة الماضية كانت مرحلة جمود وتوقف عن الإنجاز، ومرحلة إشكاليات تطبيقية في خرق عدد كبير من القواعد الدستورية، والتي كان الدستور واضحاً في ضرورة الالتزام بها".
وعن شكل الحكومة المترقب، قال العجمي: "لا توجد تصورات عنها، ولكنْ هناك تفاؤل بأن يكون شكلها مختلفاً عن الحكومات السابقة، مبتعدة عن المحاصصات، ومقتربة من اختيار المجموعة التي تستطيع أن تقدم صورة جديدة لحكومة أكثر فاعلية".
العجمي: المطلوب من رئيس الوزراء أن يسارع في الاستجابة للمطالب الشعبية
وأضاف: "المطلوب من رئيس الوزراء أن يسارع في الاستجابة للمطالب الشعبية، والتي كانت لسنوات في الأدراج، وأن يمهد لقاعدة أساسية تسمح بتحقيق أهداف خطاب الأمير، في تهيئة الأجواء لانتخابات جديدة ولمجلس جديد يعكس الإرادة الشعبية، لانتقال الكويت إلى حقبة التفاعل الإيجابي بين الحكومة ومجلس الأمة".
من جهتها، رأت رئيسة تحرير صحيفة "برس نيوز" الإلكترونية، الناشطة السياسية هدى الكريباني، أن تعيين الشيخ أحمد النواف رئيساً لمجلس الوزراء جاء في "مرحلة دقيقة وصعبة، كانت تسبقها أزمات سياسية حادة"، وأنه يعدّ "تكريساً للخطاب التاريخي لسمو الأمير وسمو ولي العهد، في رسم خريطة طريق لنهج جديد، وبداية عهد سياسي جديد للكويت".
وأشارت الكريباني، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن التحدي الأهم أمام الحكومة الأولى للشيخ أحمد النواف هو في "إعادة الثقة للشعب في المؤسسة التنفيذية ومؤسسات الدولة، ومد جسور التواصل مع جميع الأقطاب السياسية، تمهيداً للتغيير السياسي المنشود، كما جاء في الخطاب الأميري". وأضافت: "الإصلاح السياسي على أرض الواقع، هو المكافأة التي ينتظرها الشعب من الحكومة الجديدة، وتكريس روح الممارسة الديمقراطية".