لم يكن انقلاب قائد مجازرِ الروهينغا في ميانمار، مينغ أونغ هلينغ، سوى نهاية واقعية لعشر سنين من الديمقراطية الشكليّة في البلد الذي يمسك الجيش بزمامه منذ عام 1962. قبل 10 سنين، وتحديدًا في مارس/آذار 2011، دشّن الرجل نفسه تحوّلًا تاريخيًّا في البلاد، بعد أسابيع من صعوده إلى قيادة الجيش، حينما أعلن حلّ المجلس العسكري الحاكم وفتح الباب أمام أوّل انتخابات ديمقراطيّة في تاريخ البلاد، وفازت بها "الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية"، بقيادة أونغ سان سوتشي، التي ترزح منذ صبيحة اليوم في السجن.
ولد في الثالث من يوليو/تموز عام 1956 في تافوي جنوب شرقي البلاد، ودرس القانون في جامعة يانغون بين 1972 و1974؛ العام الذي نجح فيه أخيرًا بالالتحاق في أكاديمية الخدمات الدفاعية بعد محاولتين فاشلتين على مدار العامين السابقين. وخلال نحو ثلاثة عقود ونصف، سيتدرج الطالب "قليل الكلام" و"متوسّط المستوى"، كما وصفه زملاؤه لوكالة "رويترز"، في الرتب العسكرية حتى يصبح القائد الأعلى للقوات المسلّحة في البلاد عام 2011.
حدث "التحوّل الديمقراطي" ذلك العام في فترة كانت تشهد فيها أنظمة عسكريّة أخرى، وتحديدًا في العالم العربي، احتجاجات شعبيّة واسعة ووعيًا ديمقراطيًّا متناميًا. يقول "دبلوماسيون" ومراقبون لـ"رويترز"، إن هلينغ كان يراقب عن كثب "الربيع العربي"، ودرس التحوّلات الحاصلة في بلدان مثل مصر وليبيا، قبل أن يعلن قراره الذي وُصف بـ"الجريء".
لكن الأمر في جوهره لم يكن تمامًا كذلك. ككثير من الديمقراطيات الشكليّة عبر العالم، ترك هلينغ الشقّ "الخدماتي" من السلطة للحكومة الجديدة، وأبقى الشق "السيادي" في يد الجيش. كانت لهذا الأخير صلاحية تعيين 25% من نواب البرلمان، فضلًا عن اختيار وزراء الدفاع والداخلية وشؤون الحدود.
وبموازاة تمكين مؤسسة الجيش، بدا أن لهلينغ بعض المطامح الشخصية في عالم السياسة. تجاوز الرجل "الكتوم" صورة العسكري الجامدة، وبات يظهر أكثر في الفضاء الإلكتروني، ويشارك فعاليّاته مع العامة على مواقع التواصل، ويخاطب الجمهور بشكل مباشر. وخلال السنوات العشر التي أمضاها قائدًا للجيش، ترقّى في المراتب ثلاث مرّات: رقّي عام 2011 إلى رتبة لواء من فئة أربع نجوم، ثم إلى رتبة لواء من فئة خمس نجوم عام 2013، ثم إلى رتبة جنرال كبير قبيل أشهر من الانقلاب، وهي الرتبة التي تعادل منصب نائب رئيس ميانمار.
لكن حملاته الدعائية تلك لم تدم طويلًا. عام 2018 حظر "فيسبوك" حسابه، وتبعه في ذلك "تويتر" عام 2019، على أثر المجازر التي يرتكبها جيشه بحقّ الروهينغا. في ذلك الوقت، بدأت ردود الفعل على ما يحدث بحقّ الأقليّة المسلمة تتخذ أبعادًا أوسع عبر العالم. نشرت الأمم المتّحدة تقريرًا يدعو إلى محاكمة قادة في الجيش الميانماري بتهمتي "الإبادة الجماعية" و"التطهير العرقي"، وكلتاهما جريمة ضدّ الإنسانية، من دون أن تشير إلى هلينغ، الذي يعتبر أن الروهينغا ليسوا من سكان البلاد الأصليين، بالاسم. رغم ذلك، وضعته الولايات المتّحدة على القائمة السوداء لمنتهكي حقوق الإنسان عام 2019، وفرضت عقوبات عليه.