وجّهت الجالية العربية والمسلمة في ولاية ميشيغن الأميركية، أول من أمس الثلاثاء، رسالة قوية إلى الرئيس الأميركي جو بايدن، في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في الولاية، لاختيار مرشحه للرئاسة. وبينما فاز بايدن في الولاية بسهولة، بحصوله على أكثر من 80 في المائة من أصوات الولاية الواقعة في الوسط الغربي للبلاد، إلا أن تصويت نحو 16 في المائة من الناخبين الديمقراطيين في ميشيغن، بورقة كتب عليها "غير ملتزم"، بسبب تأييده المطلق لعدوان إسرائيل على قطاع غزة، من شأنه أن يشكّل خطراً على الرئيس الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية المقرّرة في 5 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، في الولاية المتأرجحة التي فاز بها عام 2020 بفارق ضئيل أمام سلفه دونالد ترامب.
"أنصت إلى ميشيغن"
وفي كل الأحوال، فإن حملة "أنصت إلى ميشيغن"، التي تعتبر النائبة الفلسطينية الوحيدة في الكونغرس، رشيدة طليب، أحد قادتها، نجحت في حصد أكثر من 100 ألف صوت من "غير الملتزمين" أعلى بكثير من السقف الذي حدّدته، وهو 10 آلاف صوت. وبينما اختلفت النسبة وأرقام التصويت شبه النهائية يوم أمس، المتعلقة بالذين صوّتوا "عقاباً" لبايدن على سياسته المنحازة بالكامل لإسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إلا أن أعلاها هو 16 في المائة بحسب "فرانس برس".
فاز بايدن على ترامب في ميشيغن عام 2020 بفارق 2.8%
وعلى الرغم من أن خبراء في الأرقام الانتخابية الأميركية أوضحوا لوكالات أنباء عدة أن ناقوس الخطر بالنسبة لأي مرشح، في تصويت من هذا النوع، يدق جدياً حين يكون الرقم 20 في المائة وما فوق، إلا أن نسبة المصوتين بـ"غير ملتزم" في ميشيغن، وهي ولاية متأرجحة، متى ما تخطت الـ10 في المائة لبايدن، قد تدفعه إلى إعادة النظر في أولوياته الانتخابية من ناحية حسابية، والحشد في ولايات أخرى متأرجحة، للتعويض عن أي خسارة في ميشيغن قد تلحق به في انتخابات نوفمبر.
أسباب الراحة والقلق تتساوى لدى الرئيس الديمقراطي وحملته، بعد خروج نتائج ميشيغن أمس. إذ بينما عاقبت الجالية المسلمة والعربية الرئيس الديمقراطي بوضوح بسبب إدارته للصراع في الأراضي المحتلة، ودعم إسرائيل في عدوانها على غزة منذ 7 أكتوبر، إلا أن فوز ترامب أول من أمس أيضاً في الولاية، بالانتخابات التمهيدية الجمهورية التي تنتظر مرحلة ثانية في ميشيغن بعد غدٍ السبت، لم يكن مكتملاً؛ إذ إن نسب الأصوات التي تُواصل منافِسته الجمهورية في التمهيديات، المندوبة الأميركية السابقة لدى الأمم المتحدة، نيكي هيلي، حصدها، تؤكد أن شريحة من ناخبي الحزب، لا تريد رؤية عودة ترامب إلى البيت الأبيض، ما يجعل التصويت في الولايات المتحدة أكثر ميلاً لمصلحة بايدن، إذا ما تنافس الرجلان مجدداً في الخريف المقبل.
100 ألف صوت لـ"غير الملتزمين" في ميشيغن
وفاق التصويت الاحتجاجي للديمقراطيين الغاضبين من دعم بايدن للحرب الإسرائيلية على غزة أول من أمس، توقعات المنظمين لحملة "أنصت إلى ميشيغن"، التي دعت خلال الأسابيع الأخيرة الماضية، للتصويت بورقة "غير ملتزم" (uncommitted).
وقبل التصويت، وضعت حملة "غير الملتزمين" سقفاً متواضعاً بحسب منظميها، لعدد أصواتها، وهو 10 آلاف صوت. وقالت وكالة "فرانس برس"، أمس، إن التصويت بـ"غير ملتزم" سجّل مع إقفال صناديق الاقتراع مساء الثلاثاء، 16 في المائة. وبحسب موقع صحيفة "ديترويت فري برس"، فإن بايدن حصد مع فرز 98.5 في المائة من الأصوات 81.1 في المائة منهم، بينما صوّت 13.3 في المائة بـ"غير ملتزم" (100 ألف و960 صوتاً)، ومنح 3 في المائة أصواتهم للنائبة التقدمية ماريان ويليامسون، التي كانت انسحبت من السباق، و2.7 في المائة للنائب التقدمي أيضاً دين فيليبس. وأصوات كل من ويليامسون وفيليبس، قد لا تذهب لبايدن، في 5 نوفمبر المقبل. ورقم 13.3 في المائة لمن صوّتوا بـ"غير ملتزم"، أكده موقع "بوليتيكو"، بينما تحدثت وكالة "رويترز" عن 13.5 في المائة.
على الناحية الجمهورية، فقد حصل ترامب على 68.2 في المائة من الأصوات في انتخابات ميشيغن التمهيدية، مقابل 26.5 في المائة لنيكي هيلي، بحسب "بوليتيكو". واللافت أن ترامب حاضر في ميشيغن منذ 8 سنوات على الأقل، إذ كانت دائماً على لائحة جولاته الانتخابية، كما زارها أكثر من مرة حين كان رئيساً، فيما تعدّ هيلي جديدة نسبياً عليها، وكانت زيارتها إياها، منذ الأيام الأولى، للولاية ضمن حملتها الانتخابية، وجاء ذلك مباشرة بعد خسارة هيلي الانتخابات التمهيدية في مسقط رأسها كارولينا الجنوبية، السبت الماضي.
وتعد ميشيغن إحدى الولايات الثلاث التي يطلق عليها اسم "ولايات الحائط الأزرق"، مع بنسلفانيا وويسكونسن، والتي تصوت عادة للديمقراطيين، وفاز فيها ترامب في 2016، على وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون بفارق 0.3 في المائة من الأصوات، فيما فاز بايدن فيها على ترامب في 2020، بفارق 2.8 في المائة من الأصوات.
حصل دونالد ترامب على 68.2% من أصوات ميشيغن
والعام الحالي، لا يشعر فقط الناخبون الأميركيون من أصول عربية، أو المسلمون، في ميشيغن، بالغضب من بايدن، بسبب دعمه الحرب على غزة، أو عدم تصويت إدارته من أجل وقف النار في مجلس الأمن الدولي، أو حتى تمرير قوانين في الكونغرس، لمنع تدفق السلاح إلى إسرائيل من دون رقابة، أو التزام من دولة الاحتلال بالتقيد بقوانين الحرب الدولية؛ إذ إن "الشيك على بياض" الذي منحه بايدن لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، لمواصلة حربه على غزة منذ أكثر من 4 أشهر، أحبط حتى الناخبين التقدميين في حزبه، والأقليات، لا سيما من أصول أفريقية.
وكان بايدن قام بحملة مضادة استباقاً لانتخابات ميشيغن، وطلب من حاكمة الولاية غريتشين واتمار، التواصل مع الجاليات من الأقليات في الولاية، ومنها العربية، لحثّها على دعم الرئيس الأميركي الذي أطلق تصريحات عشية الانتخابات، تؤكد أن المفاوضات متواصلة مع الوسطاء في الشرق الأوسط للتوصل إلى هدنة مؤقتة، أقلّه في شهر رمضان (يبدأ في الأسبوع الثاني من مارس/آذار المقبل)، في غزة، وذلك في محاولة لامتصاص غضب المتعاطفين والمؤيدين للقضية الفلسطينية.
لكن حملة "انصت إلى ميشيغن" أكدت في بيان بعد صدور النتائج أن الحملة "خرجت منتصرة وتجاوزت توقعاتنا بشكل كبير"، مؤكدة أن "عشرات الآلاف من الديمقراطيين في الولاية، الذين صوّت الكثير منهم لمصلحة بايدن في 2020، غير ملتزمين بإعادة انتخابه بسبب الحرب في غزة".
بدورها، كتبت النائبة رشيدة طليب على منصة "إكس": "شعرت بالفخر بسحب بطاقة اقتراع للحزب الديمقراطي والتصويت بغير ملتزمة"، مضيفة أن "74 في المائة من الديمقراطيين في ميشيغن يدعمون وقف إطلاق النار، إلا أن الرئيس بايدن لا ينصت إلينا، بهذه الطريقة يمكننا استخدام الديمقراطية للقول أنصت إلى ميشيغن".
وفاق التصويت بـ"غير ملتزم" هذه المرة، الأصوات التي صوّتت بـ"غير ملتزم" في الولاية في الانتخابات التمهيدية للحزب، عندما سعى الرئيس الأسبق باراك أوباما إلى إعادة انتخابه عام 2012، حين حصل على 21 ألف صوت "غير ملتزم" بإعادة انتخابه في ميشيغن، بحسب وكالة "أسوشييتد برس"، لكنه فاز في الانتخابات العامة بالولاية، بفارق 10 نقاط عن منافسه الجمهوري حينها، ميت رومني. وفي الدورتين الانتخابيتين الأخيرتين، 2016 و2020، لم تتجاوز نسبة "غير ملتزم" عند الديمقراطيين، الـ2 في المائة.
وتعهد منظمو حملة "أنصت إلى ميشيغن" بنقل ما وصفوه بأجندتهم المناهضة لحرب غزة، إلى المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي الذي سينعقد في شيكاغو في أغسطس/آب المقبل، حيث ذكر موقع "بوليتيكو" أمس، أن الرقم الذي حصلوا عليه يخوّلهم بالحصول على مندوب في الولاية إلى المؤتمر.
وقال بيرني بورن، أحد منظمي استطلاعات الرأي في ميشيغن، لوكالة "فرانس برس"، إنه لم يتضح بعد حجم المشكلة التي سيشكلها الشرق الأوسط بالنسبة لبايدن في نوفمبر المقبل، مشيراً إلى أن الوضع قد يكون مختلفا حينها.
ولولاية ميشيغن 55 مندوباً. وبالنسبة لترامب، فإن انتخابات أول من أمس أمّنت له 15 مندوباً، بينما ينتظر الحزب الجمهوري استكمال الانتخابات التمهيدية في ميشيغن يوم السبت، حيث اعتمد الحزب آلية معقدة لتمهيديات تلك الولاية، تقوم على يوم انتخاب مباشر، ويوم لمؤتمر حزبي caucus، يختار فيه الحزب المندوبين الباقين.
وبالنسبة لاستطلاعات الرأي، هناك بعض الأرقام المريحة أيضاً لكل من بايدن وترامب. إذ بحسب "سي بي سي نيوز"، فإن بايدن حصل في الانتخابات التمهيدية في ميشيغن على أعلى بـ10 في المائة مما كانت توقعته له استطلاعات الرأي. رغم ذلك، فإن استطلاعات عدة على الصعيد الوطني أظهرت تقدماً لترامب عليه، ولكن بفارق ضئيل جداً، في الانتخابات الرئاسية إذا ما تواجها مجدداً في 5 نوفمبر المقبل. وذكر موقع "بروجيكت فايف ثيرتي إيت"، أن ترامب تقدم على بايدن (44 في المائة مقابل 43)، في استطلاع رأي نشرت نتائجه في 24 فبراير/شباط الحالي، وأجرته شركة "مورنينغ كونسالت". وأعطت شركة "نورث ستار أوبينيون ريسيرش"، النسَب نفسها بينهما. وبحسب "سي بي أس نيوز"، إن عدد الناخبين الجمهوريين الذين صوّتوا أول من أمس في تمهيديات حزبهم فاق عدد الناخبين الديمقراطيين الذين شاركوا في الاقتراع، بنسبة 15 في المائة.
(العربي الجديد، فرانس برس، رويترز، أسوشييتد برس)